الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

إيران تقول للدول الغربية: “ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين”…بقلم محمد الرصافي المقداد

مع عودتها لتشغيل أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ، إيران تضع الغرب أمام مسؤولياته، تجاه الوفاء ببنود الإتّفاق النووي معها.

ليست إيران بالغبِّ والغبُّ يخدعها، فنظامها الإسلامي قد بلغ نضجا ومقدرة، مكنته من توقّي مؤامرات أعدائه، أساسا من الدّول الغربية بزعامة أمريكا، الحامية للكيان الصهيوني اللقيط، وما دون هؤلاء من الأعداء بالتبعية لا قيمة لهم إلا بما يوحي إليه أسيادهم، وليس هناك أقسى على أعداء إيران الإسلامية، من رؤيتها وهي تزداد تقدّما في سلّم إنجازاتها العلمية والمدنية والعسكرية، ومحقّقة أرقاما قياسية، لم تبلغها دولة من قبل، بالسرعة الزمنية التي قطعتها، وهذا عائد قطعا إلى النجاح الباهر، الذي صبغ سياسة نظام وليّ الفقيه، ومؤسساته المنتخبة بعناية شعب واع، مدرك بالتحدّيات الكبرى التي تواجهه مصادر وغايات.

الملفّ النووي المدني، الذي عمل النظام الإسلامي الإيراني، على إظهار حسن النيّة فيه أمام المنتظم الدولي، قد استهلك سنوات طويلة نسبيا من المفاوضات، بسبب ادّعاءات وعرقلات الكيان الصهيوني، ودول التّبعية للغرب في الخليج، من أجل إفشاله وتعطيله، وربطه ببرامج عسكرية دفاعية تمسّ بأمن إيران، وتحدّد من قدرتها على مواجهة أعدائها، وفي مقدّمتهم أمريكا والكيان الصهيوني، لا يزال أعداء إيران يلوذون حوله، يلتمسون منه طريقا يمكنهم من إضعاف إيران للتحكم فيها، واخضاعها الى اسطبل الدول المستحمرة.

لقد بات واضحا منذ البداية، أنّ تلكّؤ الغرب بخصوص إبرام الإتفاق النووي مع إيران الإسلامية، كانت غايته الأولى وقد حصلت، تعطيل التقدّم الذي حققه خبراء إيران النوويين، في تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، في عهد الرئيس خاتمي عندما جمّدت إيران نشاطها النووي طوعيا لمدة سنتين ونصف تقريبا، تعبيرا على حسن نواياها في أن نشاطها سلميّ بحت، بعيد كل البعد عن المجال العسكري، وهذا التعبير كلّف إيران خسارة زمنية، كانت ستستغلّها بشكل جيّد في تخصيب اليورانيوم، لأغراض الطاقة والأدوية، وغيرها من المجالات المدنية.

تجربة النظام الاسلامي في مجال المفاوضات وابداء حسن نيته، بخصوص الملف النووي، قد أكسبته حصانة واقعية، من معاودة استغلال الغرب لحسن نيّته التي أبداءها سابقا، وقد أعدّ اليوم ردودا على أي تقاعس يبدّر من شركائه في الإتفاق، وباشر في تنفيذها بعد تقاعس دول الاتحاد الاوروبي الموقعة، وعدم توصلها الى آلية مالية بديلة، تمكن من تحرير مشاريعها التجارية والاقتصادية مع ايران، هذا الزمن المهدور يعتبر خسارة لإيران، وسيدفعها أكثر نحو تخلّيها بدورها كردّ فعل عن التزاماتها تدريجيا، الى تخلّيها عن البروتوكول الطوعي الذي سيبدأ في أواخر هذا الشهر، فإمّا التزام كامل بالإتفاق من الطّرف الغربي، بما في ذلك عودة أمريكا المشروطة من الجانب الايراني بالرفع الكامل للعقوبات، وتعويض ايران عن خسائرها.

 

ويأتي اعلان ايران الرّسمي، بدأ عملية إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 % في مؤسسة فوردو للتخصيب.(1) دون التخلي عن الاتفاق مع الدول الغربية، عامل ضغط مشروعة منها، لا تسعى الى نسفه في الوقت الحاضر، وإنما كسياسة ضغط على تلك الدول، ودفعها الى الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران، وأعتقد أن الغرب ليس أمامه من حل سوى الإلتزام بتعهداته، وتطبيق كامل بنود الإتفاق، ولا شيء غير ذلك، وإيران ماضية في نقضه إلى حدّ التخلّي عنه نهائيا، إذا بقيت الدول المبرمة له على موقفها السلبي تجاهه.

مشكلة الدول الغربية أنها لا ترى غير مصالحها، وتعمى على مصالح غيرها، بل وإن سياساتها مبنيّة على أساس استكباري، متعال على ما دونها من الدول، المصطلح عليها بدول العالم الثالث، لا تقيم اعتبارا لحقوقها، وهذا لا يتّفق والسياسة الخارجية الإيرانية، المستقلة عن مؤثرات الدول الكبرى والمبدئية في مواقفها الثابتة، على مدى تأسيس نظامها طيلة 42 عاما، وذلك كله تحقق بعد ثورة اسلامية عارمة مباركة، أرست على نظام عتيد، وهذا مرشده الإمام الخامنئي قد قال كلمة الفصل بشأن ملفّه:

(…إذا أردنا التحدث بشكل منطقي ومعقول، حسب منطق الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث التي انتهكت وداست على جميع الالتزامات بالاتفاق النووي، فالآن ليس من حقهم وضع شروط للإتفاق النووي..إن الدول الأوروبية وأميركا لم يفوا بالتزاماتهم إطلاقا، لفترة وجيزة جدا في البداية، رفعوا بعض العقوبات مؤقتا، وعادوا بل وزادوا العقوبات، وربما جرى مضاعفة العقوبات إلى مرتين أو ثلاث مرات، لذلك ليس لديهم الحق في وضع شروط).(2)

دعوة الإدارة الأمريكية إيران إلى الإلتزام ببنود الإتفاق النووي، هي نوع من سياسة استبلاه الدّول وخداعهم التي دأبت عليها- وهذا لا ينطلي على إيران – ذلك أنّ أمريكا من ناحية هي أول من خرق الإتّفاق من جانب واحد، وقد أعلن رئيسها السابق خروجه منه، على أساس أنه من وجهة نظره، يجب أن يشمل جوانب أخرى مطلوبة صهيونيا، كالبرنامج الصاروخي الايراني، ومن ناحية أخرى تدعو الادارة الامريكية الحالية طهران (إلى استئناف الإمتثال للقيود المفروضة على نشاطها النووي، بموجب اتفاق القوى العالمية قبل أن تتمكن من الانضمام إلى الاتفاقية( (3)

كلام وزير الخارجية الإيراني الموجه الى الأوروبيين شركاء الاتفاق: التزموا ولا تثرثروا. واضح في مقصده، سواء فهمه هؤلاء أم لم يفهموا، وهو منطق صاحب الحجة على من لا حجة له سوى الثرثرة، ليس أمام الغرب بزعامة أمريكا سوى حلّ واحد لا غير، وهو العودة الى الوفاء بالاتفاق المبرم بينهم وبين إيران، وإلا فإن إيران ستمضي قدما في انجازاتها النووية وستتدارك تعطيل برنامجها بسرعة، وهو ما لا يريده الغرب – من بقي في الاتفاق شكلا ولم يتوصل الى حلّ ومن خرج منه استكبارا وتاثّرا بالدعاية الصهيونية- وأخفّ الأضرار عندهم، خياران كلاهما مُرّ، فأمّا الرضوخ لمطالب إيران الإسلامية وتنفيذ بنود الاتفاق معها، بما سيعود عليها بمنافع اقتصادية جمة، خصوصا استعادة ودائعها المالية كبيرة، أو اسقاط الاتفاق وفتح المجال أمامها بتطوير برنامجها في التخصيب، وفي نظر أمريكا والغرب تعتبر مغامرة غير محسوبة النتائج.

ان سياسة اظهار القوة والضغط في تعاطي ايران مع ملفّها النووي واستحقاقاته، ستأتي أكلها في النهاية، وكما عوّدتنا على الثبات من أجل نيل حقوقها، نراها اليوم على الطريق الصحيح في معالجة هذا الملف الحسّاس، وما دخلت ايران يوما معركة مع أعدائها وخسرتها، ومن تعوّد على النجاح في مشاريعه وتحقيق انجازاته، اعتقد أنه سيتكلل مجدّدا بالتوفيق والنصر.

 

المراجع

1 – البرنامج النووي الإيراني: طهران “بدأت بالفعل” تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة والاتحاد الأوروبي يحذرها
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55501287

2 – الامام الخامنئي: لا رجعة للاتفاق النووي ما لم تعُد الولايات المتحدة إلى كامل التزاماتها

https://almanar.com.lb/7829120

3 – إيران لن “تتراجع عن تسريع برنامجها النووي قبل أن ترفع واشنطن العقوبات”
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55830124

 

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024