الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الأزمة السّياسيّة في تونس..”معركة لي الذراع” بين مؤسسات الدولة..إلــــــــــــــــى أين..؟

#بقلمے : محمد البراهمي كاتب صحفي و ناشط سياسي تونس |

مشهد سياسي معقد أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه في حالة غليان قصوى .. تشكِّله وتحوِّله التحالفات والائتلافات والخلافات القديمة التي تبرز فجأة هنا وهناك ..ينذر بمعركة سياسية قادمة لا محالة..

ما نشهده اليوم في الساحة السياسية التونسية وما نعيشه يومياً من صراع خفي تارة وعلني تارة أخرى بين مختلف القوى السياسية وبين مؤسسات الدولة نفسها الممثلة في البرلمان ورئاسة الجمهورية والحكومة يجعلنا لا نخفي مخاوفنا الحقيقية من الانزلاق نحو اعتماد الإستقطاب الثنائي و الإنقسام اللعين بين أبناء البلد الواحد .. فبلادنا لا تستطيع تحمل مزيد من الأزمات والفتن. ونحن الآن أمام الكم الهائل من الأزمات المتراكمة على مختلف المستويات، و النخبة السياسية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالرجوع إلى طاولة الحوار و تتحمل مسؤوليتها في توجيه المسار إلى الاتجاه الصحيح أو السقوط المدوي المصحوب بموجات من العنف ستأتي على الأخضر واليابس و سيكون الشعب الضحية و الخاسر الأكبر في كل الأحوال..

أزمة تونس تكمن في نخبها التي تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية لأنها عجزت عن الفعل الإيجابي وظلت حبيسة معارك وهمية بين العائلات الأيديولوجية بعيداً عن مطالب الشعب وتطلعاته وهمومه، بل عمدت في العديد من المناسبات إلى استحضار صراعات قديمة لتصفية حسابات نحن في غنى عنها..

هذه المحنة التي يواجهها التونسيون جعلتهم يكتشفون مرة أخرى رداءة الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 14جانفي 2011 بعنوان الغنيمة و لا شئ غير الغنيمة.. للأسف اليوم تونس أمام مشهد جديد من دولة الهُواة فهذه الطبقة السياسية من عديمي الكفاءة مجموعة من الهُواة تعبث بالدولة و المصالح العليا للشعب التونسي المغلوب على أمره بأسم “ديمقراطية” لم تحقق له إلاّ مزيداً من التفقير و التهميش في ظل إنهيار الدولة ، منظومة الحكم الحالي أفرزت 12 حكومة فاشلة، فبحيث النظام السياسي برمتّه أنتج مشهد سياسي مشوّه ، و أصبح جثة في حالة تعفّن لم يعد يخدم الدولة..

حقًّا إنَّنا نعيش زمن التَّهريج السياسي ، في الوقت الذي يمر الوطن بأصعب الظروف وتمر العديد من مؤسساته بحالة إحتضار حقيقي دون أن يقدّم هؤلاء السياسيّون أي حلول تذكر لإنقاذه سوى “التشكيك” و “التشليك” والمراوغة وعرقلة السير بالوطن إلى الأمام..

في قراءة للمشهد السياسي الحالي ؛ الدعوات الأخيرة التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية إلى الاحتشاد والتظاهر تثير مخاوف التونسيين من تحول الشارع إلى حلبة صراع بين الأطراف السياسية بعد أن فشلت في حل الأزمة داخل المؤسسات الرسمية وإيجاد حل توافقي داخلي ينهي أزمة الحكم، إن تحويل كل من حركة النهضة والدستوري الحر معاركهم السياسية من أروقة البرلمان إلى الشارع يعدّ في ظاهره نوعاً من استعراض موازين القوى، وفي باطنه هو “إفلاس سياسي” للأحزاب التي أصبحت تستنجد بالشارع لحسم معاركها.. و بالتالي النزول إلى الشارع ليس حلاً ولا يمكن حل أزمة دستورية وسياسية بالدعوات إلى التظاهر، و النزول إلى الشارع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد.. خصوصاً و أن الدعوات إلى الخروج الى الشارع قد تستثمره الأطراف السياسية المتنازعة لأغراضها وحساباتها الضّيّقة بعيدا عن الأهداف الأصليّة و لا علاقة لها بشعارات الدّفاع عن الشّرعية والمحكمة الدّستوريّة..،

في ظل تعمق الأزمة بين الأطراف السياسية وفشلها في الوصول إلى حل سياسي، لجأت إلى الشارع ودعت أنصارها للنزول للتظاهر.. ، لابد أن يدركوا هؤلاء أن في الأنظمة الديمقراطية تحل الخلافات السياسية داخل المؤسسات الدستورية الرسمية، وإستغلال الشارع لغايات سياسية هو أمر خطير إذ يمكن أن يفتح ذلك الباب إلى الفوضى وحتى إلى الاقتتال والحروب الأهلية.. و لتفادي سيناريوهات غير محمودة العواقب و في ظل غياب المحكمة الدستورية الحل الأسلم في العودة إلى الحوار بين مؤسسات الدولة (رئاسة الجمهورية و الحكومة) للخروج من المأزق السياسي ، وبالتالي لا بدّ من توافق بين رأسي السلطة التنفيذية و إنهاء معركة لي الذراع وإلاّ فإنها ستفتح أبواب أزمة سياسية لا يمكن توقّع نهايتها أمام تمسّك كل طرف بموقفه..

لا سبيل للخروج من مأزق التحوير الوزاري بعد ما ضاق هامش المناورة فيه ، و رئيسيْ الجمهورية و الحكومة أمام حتميّة تقديم جملة من التنازلات و الجلوس إلى طاولة الحوار بات أمراً ضرورياً ومفروضاً أكثر من أي وقت مضى.. لأن الأوضاع لم تعد تحتمل المزيد من العبث السياسي و سياسة الهروب إلى الأمام في ظل أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ تونس.. ، معركة لي الذراع بين مؤسسات الدولة و الإستقطاب الثنائي و الدعوات إلى النزول إلى الشارع قد تكون عواقبها غير محمودة، في ظل الوضع الذي ينذر بالخطر، وهو ما يتطلب تكاتف جهود كل القوى السياسية والمدنية لتصحيح هذا المسار و تجاوز الخلافات السياسية..و الحل الحالي للخروج من هذه الأزمة هو جلوس مختلف الأطراف إلى طاولة الحوار لحل الخلاف القائم بين رئيسيْ الحكومة والبرلمان وبين رئيس الجمهورية، و أعتقد انه لا يوجد خيار آخر سوى العودة الى طاولة الحوار والتفاهم بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية والترفع عن الحسابات السياسية الضيقة، لأن الوضع الاقتصادي الكارثي للبلاد لا يسمح بمثل هذا التناحر السياسي.
حجم الضباب المخيم على المشهد السياسي التونسي الآن يجعله اكثر من ضروري إلى هدنة سياسية عاجلة و العودة إلى طاولة الحوار.. تونس اليوم تعيش أزمة لن نخرج منها إلاّ بالحوار للخروج من مأزق التحوير الوزاري و يجب إيجاد مخارج سياسية وليست دستورية، في ظل غياب المحكمة الدستورية التي من صلاحياتها البت في مثل هذه المسائل..
“لابد من الحوار” قبل الإنهيار..!!

 

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024