الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

اليمـــن..من الصـــبر إلى النــصر …بقلم عمر معربوني

على الرغم من تفوقه العسكري عدّة وعتادًا، وفي مقدمتها سلاح الطيران الذي استباح كل شيء في اليمن، إلا أن تحالف العدوان الأميركي – السعودي فشل في تحقيق أي من أهدافه المباشرة وغير المباشرة لعدوانه على اليمن الذي تجاوز عامه السادس؛ بفضل الصمود الأسطوري والاستثنائي للشعب اليمني.

إن فشل العدوان في تحقيق أهدافه يُعد هزيمة له، واستمراره في عدوانه يعني دخوله مرحلة المواجهة العبثية؛ بسبب العقلية الثأرية الانتقامية التي تطبع المواجهة، لكن بالمقابل فإن اليمن استطاع تحقيق إنجازات عسكرية أهمها تطوير عدد من الأسلحة مثل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنّحة والدفاع الجوي والطائرات المسيرة التي أرست معادلات ردع متصاعدة خلقت توازناً في المواجهة سيثمر نتائج مهمة مستقبلاً.

هذا الفشل يتمثل يوميًّا في تنامي قدرات الجيش واللجان حيث التصاعد في وتيرة الانتقال من الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي وصولاً إلى الدخول في الهجوم الاستراتيجي.

وقد يأخذ البعض علينا وصف المرحلة الحالية بالهجوم الاستراتيجي لكنها الحقيقة الثابتة التي تدل عليها تطورات وتحولات الميدان التي إذا ما استمرت على النحو الحالي المتصاعد، فإننا بالتأكيد سنكون أمام نتيجة حتمية وهي هزيمة قوى العدوان وانتصار الشعب اليمني.
التحول الأكبر في مسار الحرب على اليمن كان عندما بدأت الصواريخ اليمنية تخترق حائط الصد السعودي والإماراتي، وتضرب في العمق البنى الاقتصادية الاستراتيجية، وهو أمر يتعارض مع كل القواعد العسكرية بالنظر إلى ميزان القوى في العدد والوسائط؛ حيث تتفوق قوى العدوان بنسب عالية سواء بعدد القوى العسكرية الموضوعة في الخدمة أو بالوسائط القتالية.

وفي استعراض سريع وموجز لمسار العدوان على اليمن يمكن القول: إن الجيش واللجان الشعبية في اليمن يثبتون بالوقائع تفوق الذكاء البشري على الذكاء الصناعي، فاختراق منظومة الدفاع السعودية المتطورة التي صُرفت عليها عشرات مليارات الدولارات، ووصول صاروخ واحد- وليس رشقة صواريخ- إلى هدف حيوي هو محطة توزيع أرامكو في جدة دون أن تتمكن الدفاعات السعودية من التعامل معه يؤكد ما يأتي :

1 – اختيار اسم قدس 2 للصاروخ المجنح هو تعبير عن الالتزام بالقضية الأم للأمة على الرغم من الألم والضغوط على الشعب اليمني.

2 – الدقة في اختيار زمان الضربة ومكانها دليل على نجاح منظومة القيادة والسيطرة اليمنية.

3 – نجاح منظومة الاستطلاع والاستخبارات اليمنية في جمع المعلومات ومعالجتها بحرفية عالية، ووضع نتائج المعالجة بتصرف القيادة العامة.
4 – القدرة المستدامة على نقل المعركة إلى العمق السعودي وضرب أهداف حيوية بموازاة الضغط في المعركة البرية سيؤدي إلى تثبيت التحولات النوعية في مسار الصراع لمصلحة اليمنيين.

5 – ترسيخ أهمية عامل الإرادة كأحد أهم عوامل الثبات والانتصار وهو ما أسهم في نقل المواجهة من مرحلة تلقي الضربات والصبر الاستراتيجي إلى مرحلة الضربات الاستراتيجية للعمقين السعودي والإماراتي.

6 – التأثير في حركة وحجم الصادرات النفطية إلى العالم، واقتصار الاستهداف على الأهداف العسكرية والاقتصادية، وعدم ضرب أيّة أهداف مدنية هو انتصار أخلاقي بمواجهة منطق العدوان والتوحش.

 

وفي مقاربة لعوامل النصر اليمني يبدو:

1 – عامل الإرادة المنبثق من العقيدة الراسخة

في مقدمة العوامل التي كانت- ولا تزال- كمثل الأساس الصلب الذي انطلقت منه القرارات الصائبة للقيادة اليمنية في اتخاذ قرار الدفاع عن اليمن، فالقيادة المشتركة للجيش واللجان كانت تُدرك من البداية تفوق قوى العدوان في الجانب العسكري، وأن المعركة ستكون صعبة ومعقدة، لكنها ارتكزت على مسألتين:

– أولاً: معرفة القيادة بطبيعة المقاتل العقائدي المتمسك بعقيدته وبأرضه واستعداده لبذل الغالي والرخيص بمواجهة طغيان قوى العدوان؛ حيث مثّلت برأيي- ولا تزال- هذه العقيدة على المستويين الفردي والجماعي الأرض الصلبة والدافع الأكبر والمثال الظاهر لهذه الشجاعة والإقدام التي يبديها المقاتل اليمني، ولنا في ذلك آلاف الأمثلة، لا بل عشرات آلاف الأمثلة على مدى سنوات الحرب، وهو ما أربك وأفشل كل خطط العدوان.
– ثانياً: السلوك الإبداعي في تأطير الشجاعة الفردية ضمن إطار المجموعة من أصغر التشكيلات إلى أكبرها، وهو عامل أبرزَ مدى مستويات الالتزام والطاعة ضمن منظومة الانضباط العالي والطاعة الواعية والتناغم الكبير بين القيادة ومقاتلي الميدان.

– ثالثاً : التنسيق العالي بين الجيش واللجان وعمليات الدمج بين أساليب وتكتيكات القتال ما أنتج مستوى عالياً من الروح المعنوية على الرغم من حجم التوحش غير المسبوق لقوى العدوان، والذي تمّ استثماره في تحشيد اليمنيين للاصطفاف إلى جانب قيادة المواجهة ( الجيش واللجان )، فقد شكلّت المجازر المتنقلة والاستهداف الواسع للبنية التحتية دافعاً للتمسك بالحقوق اليمنية ما قوّض أهداف العدوان الرئيسية الهادفة إلى الإخضاع والتطويع، فبدل الإخضاع والتطويع كنا أمام مشهد استثنائي قلّ نظيره في العض على الجراح، وتجاوز المحن، والإصرار على الثبات وصولاً إلى تحقيق النصر.

2 – العامل الرئيس الثاني تمثل برأيي في:

العقيدة العسكرية التي قامت على أسس راعت أوضاع الميدان وتفوق قوى العدوان، حيث كنا أمام عمليات إعادة تموضع في الجغرافيا الصلبة التي أمّنت مُدافعة قوية أدّت إلى امتصاص هجمات العدوان واستنزافه، فعمليات إعادة التموضع التي بدت لقيادة العدو أنها تراجع وهزيمة كانت كمثل تكتيك هدفه الأساسي هو التعاطي مع تحديات الميدان بما يتناسب مع القدرات البشرية والعسكرية المُتاحة، وهو ما أدّى في النهاية إلى حدوث التحولات الكبرى التي نتابعها هذه الأيام.

– القرار الكبير باعتماد الصبر والذي أطلق عليه مسمّى الصبر الاستراتيجي عبر تحويل المعركة إلى معركة استنزاف للعدو، ومنعه من تحقيق أهدافه بالسرعة التي كان يأملها، ففي بداية الحرب كانت قيادة العدوان تأمل في إلحاق الهزيمة بالجيش واللجان خلال شهر في الحد الأقصى، وهو ما امتد إلى دخول المواجهة في العام السادس، وعلى الرغم من الكلفة العالية التي دُفعت من البشر والحجر إلاّ أن التحولات الكبيرة الحاصلة تبقى- كنتيجة- إنجازاً سيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة بما يرتبط بتحرير الأرض اليمنية، والبدء بعملية بناء واسعة من خلال الاستثمار المنظم للثروات بموازاة إعادة إعمار كل ما تدمّر.

3 – العامل الثالث وهو المرتبط بالبعد الاستخباراتي :

– ففي هذا الجانب برهنت القيادة اليمنية على قدرات استثنائية في جمع المعلومات من الميدان ومن العمقين السعودي والإماراتي بشكل خاص، حيث وصلت الأمور إلى بناء وتثبيت قاعدة بيانات واسعة ومهمة عن قدرات قوى العدوان وتحركاتها وخططها، وقد كان للعمل الاستخباراتي دور أساسي في عودة العديد من القبائل إلى رشدها، وكذلك بالنسبة إلى الكثير من اليمنيين الذين كانوا في صفوف العدوان، ولكنهم كانوا على صلة بقيادة استخبارات الجيش واللجان، وهذا ما يُثبت أهمية العامل البشري في الاستخبارات، وتفوقه على الذكاء الصناعي وعلى منظومات التكنولوجيا المتطورة بكل أدواتها.

4 – عامل البحث العلمي والتطوير :

– في هذا الجانب أثبت اليمنيون قدرات غير مسبوقة في برامج البحث العلمي في الجانبين المدني والعسكري، ولكنهم تفوقوا بشكل ملحوظ في الجانب العسكري؛ حيث تم على مدى سنوات الحرب تطوير وإنتاج العديد من طرازات الصواريخ مختلفة المديات، سواء الصواريخ متوسطة المدى أو البعيدة المدى (البالستية منها والمجنحة)، وكذلك الأمر بما يتعلق بالطائرات المسيّرة وصواريخ الدفاع الجوي، وفي هذا الشأن من المفيد التذكير بأن الصواريخ بطرازيها البالستي والمجنح ومعها الطائرات المسيّرة نجحت في الوصول إلى أهداف استراتيجية كأرامكو في بقيق، وأرامكو جدة، والعديد من الأهداف في الرياض، وعلى رأسها مقر الاستخبارات السعودية دون أن تستطيع منظومة الدفاع الجوي والإلكتروني السعودية كشفها والتصدي لها، وهو إنجاز علمي كبير، خصوصاً أن اليمن في حالة حصار كامل من البر والجو والبحر، وما نجاح اليمن في الوصول إلى هذه المرحلة إلاّ تأكيد على مدى الرغبة في تحقيق النصر والتحرر في معركة غير متكافئة حوّلها اليمنيون إلى معركة استنزاف لقوى العدوان في الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والسياسية أيضاً.

– في الجانب العلمي أيضاً مما لا شك فيه أن العقل اليمني كان أساسيًّا في عمليات البحث والتطوير والتصنيع، وهو أمر سيكون له تداعيات إيجابية بعد تحرير اليمن في المجالات المدنية، فمن يستطع في ظل الحصار الوصول إلى هذا المستوى من الكفاءة، يستطع بعد التحرير أن يجترح المعجزات من خلال استثمار موارد وثروات اليمن.

ختاماً :

بعيداً عن العواطف والوجدانيات والاصطفاف السياسي، إن ما وصلت إليه الأمور في اليمن لا يختلف في المسارات والنتائج عما حصل في كل ساحات المواجهة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، فالعوامل التي تتحكم بالصراع هي نفسها، والنتائج- وإن بتفاوت بسيط- هي نفسها، لكن للنصر اليمني نكهة خاصة وطابع مميز، فالظروف الصعبة والمعقدة التي تتحكم بالمواجهة على الأرض اليمنية سيكون لها تأثيرات كبيرة في التحولات الجيوسياسية لكل منطقة الخليج، وعلى الأرجح أن تحقيق اليمن للنصر الناجز سيكون بداية العد التنازلي لتهاوي وسقوط أنظمة الخليج الوظيفية، وسينقل اليمن المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني في سياق ومسار المواجهة الشاملة التي- وإن تأخرت- ستكون حتمية ومؤكدة.

 

شاهد أيضاً

عندما يتحوّل مُفسد اليمن إلى مُنجدُ مِحنتها!!؟..بقلم محمد الرصافي المقداد

  نشر الكاتب الصحفي (أبو بكر الصغير) على الصحيفة الإلكترونية (عرب 21 ) مقالا بعنوان …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024