كل الوسائل الطرق لدى الولايات المتحدة الأمريكية متاحة للاستخدام، طالما تعتقد أنها تُطيل أمد عدم الاعتراف بانتهاء عصر الأحادية الأمريكية، فاللعب بالنّار لا يضر حتى لو ارتدَّ عليها لاحقاً، واللجوء إلى “الماء” لا يضر أيضاً حسب الضرورة، لذلك نجدها تُبرّد في ملف ما وتُضرم النار في ملفات أخرى.
انخفاض الحرارة قليلاً في فيينا النمساوية خلال المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي والتي تبقى مرهونة بالتنفيذ الأمريكي الفعلي للمطلب الإيراني، ترجمتها واشنطن على المقلب الآخر برفع حرارة البحر الأسود بطريقة أقرب ما تكون إلى التحشيد لحرب مع روسيا.
تريد واشنطن ظاهرياً كما ورد من مصادر مطلعة في فيينا الرفع الجزئي للعقوبات عن إيران وبشكل تدريجي وفي فترات زمنية تستغرق وقتاً، وهذه الخطوة تبقى مكان شك حتى يتم التطبيق، ولكن يمكن تفسير هذه الخطوة بوجهين، الأول: المماطلة ومحاولة إيجاد عراقيل تحول دون الرفع الكامل أو فرض شروط جديدة حتى لا يبدو الأمر كانتصار إيراني، ولو كانت النيات خلاف ذلك كان الأجدى بواشنطن رفع الحظر كاملاً وعدم المماطلة.
والثاني: تبريد الجبهة مع إيران أقله راهناً لمصلحة التوتير في ساحة أخرى وضد أطراف أخرى كالحاصل اليوم، من حيث التصعيد مع روسيا في البحر الأسود وهذا جزء من تنفيذ إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي المتصفة بالعداء تجاه روسيا والصين.
يمكن مقاربة السلوك الأمريكي العدائي في عهد إدارة الرئيس جو بايدن تجاه روسيا، بسلوك إدارة دونالد ترامب تجاه إيران، ففي عهد ترامب ارتفعت حرارة مياه الخليج وبمساندة من بعض دول الإقليم إلى جانب الأوروبيين، ووجدت العديد من حاملات الطائرات الأمريكية طريقها إلى هناك وكل التوجهات كانت توحي بنُذر حرب، لكنها وضعت أوزارها قبل أن تقع.
المقاربة المذكورة، ربما يصح تطبيقها على ما يجري من تصعيد وتحشيد أمريكي- أوروبي تجاه روسيا وإرسال سفن حربية إلى البحر الأسود، ورغم أن كل الخيارات والاحتمالات واردة لما يمكن أن تؤول إليه التطورات، لكن يمكن أن يطبّق الخيار الإيراني، لسبب بسيط وهو أن تبعات أي حرب كما ستؤثر على روسيا ستؤثر بالتوازي على أمريكا وسينال النصيب الأكبر من تأثيرها السلبي الدول الأوروبية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهناك نقطة أخرى، هي أنه كما أن إيران لم تكن وحيدة، فروسيا لن تكون وحيدة أبداً والتحالفات التي تتبلور بينها وبين الأطراف الأخرى تشي بذلك.