يبدو أن البلاد قد وصلت إلى طريق مسدود و تعيش انسدادا سياسيا كاملا أعقد من كل ما سبق، ولا أحد قادرا على تصور مخرج معيّن لأن العناد والمغالبة باتا المتحكميْن في المشهد السياسي وكل واحد من كبار مسؤولي الدولة ركب رأسه، على طريقته الخاصة، مما ينذر، لا سمح الله، بنهايات مفجعة غير معروفة.، و البلاد لم تعد على حافة الهاوية وإنّما سقطت فيها وانتهى الأمر، و أنصح المشيشي بالإستقالة بدل الإصرار على سياسة الهروب إلى الأمام وقيادة البلاد بأسلوب الأيادي المرتعشة و التصعيد و هذا لن يزيد إلاّ الطين بلّه .. ، المعارك الجانبية و معارك الإلهاء ليست إلاّ مخططاً مراده التغطية عن مزيد تفقير هذا الشعب و صفحة أخرى من العمالة و خيانة الأوطان و الشعوب.، معارك تشغلهم عن أن المنظومة السياسية باعت لهم الوهم، وأنه لم تفِ بما وعدت به من تحسين أحوال المواطنين المعيشية، وتخفيف حدة المعاناة التي يعاني منها الشعب ، معارك تبعد التونسيين عن حقيقة تقول إن المشاكل كانت وما زالت أكبر من الحكومة الحالية كما كانت أكبر من الحكومات المتعاقبة.. اليوم صار لزاماً على كل القوى المؤمنة بتونس و بالدولة ان يخرجوا من ثياب الحياد و التسطيح في مناقشة القضايا الوطنية و عدم الإصطفاف مع هذا أو ذاك من منطق مصلحي ضيق ، بل يجب أن يكون منطق الحكمة و العقلانية يحكم الجميع و حان الوقت بأن نميّز بين الغث و السّمين..، و مسؤولية الحفاظ على إستقرار البلاد و السلم الإجتماعي مسؤولية وطنية و أخلاقية و فرض عين على كل وطني شريف.. فليس الوقوف على الحياد بين الحق والباطل أو بين الوطن وأعدائه فضيلة بأي حال من الأحوال، بل هو خيانة صريحة لا غبار عليها.. لا حياد في قضايا الوطن..
ويبدو ان المشهد السياسي يسير في اتجاه مزيد الانغلاق، حيث اعلن رئيس الحكومة أنه لن يتخلى عن التحوير الوزاري، خاصة بعد نيل الوزراء لثقة معززة من قبل مجلس نواب الشعب ، و قد إختار الهروب إلى الأمام ، وهذا القرار لن يحلّ الأزمة وذهب من خلاله إلى التصعيد ومزيد تأزيم الوضع وتعفينه واليوم نعيش أزمة كبيرة وأخلاقية..في الوقت الذي تدفع فيه بعض الأطراف نحو إنهاء التوتر بين الرئيس سعيّد والمشيشي تصرّ الأحزاب الداعمة لرئيس الحكومة على الهروب إلى الأمام ما يُعقد مهام أيّ وساطات محتملة أو مبادرات لتقريب وجهات النظر بين الرجلين.. رئيس الحكومة راهن رهاناً خاسراً منذ البداية، دون الاتّعاظ بتجارب من سبقوه في الارتماء في أحضان الغنوشي ودون النظر إلى ما آل إليه مصيرهم المأسوي.. و راهن على حزامه البرلماني (الترويكا الجديدة) الذي سيدفعه لمواجهة رئيس الجمهورية ثم يتخلّى عنه في أقرب فرصة، كما تخلّى عن سابقيه.. و يبدو أنّه لا مستقبل لحكومة المشيشي بعد حدوث قطيعة بينه وبين الرئيس قيس سعيد..
لا شيء محسوم إلى الآن، ما يمكن تأكيده هو ضرورة التنازل والتفاوض وعقد الاتفاقات من الجميع، ما يبدو أكيدًا أن تغيير المشيشي وحكومته، إن تم الاتفاق حوله، فهو ليس إلا حلًا ظرفيًا فالأزمة الأساسية هي أزمة ثقة بين رأسي السلطة التنفيذية وهي عسر وتعطيل في العمل على مستوى البرلمان، وبالتالي فإن أي مبادرة متكاملة من الأطراف المتفاوضة يجب أن تنظر من الآن لما بعد المشيشي وإلى خلق مناخ يسمح بتوفير حد من التوافقات في إطار القانون والدستور. ما عدا ذلك وفي حال تواصل العبث و العناد و التصعيد فالبلد مفتوح على المجهول كما لم يكن يومًا في تاريخه الحديث وكل السيناريوهات حتى أكثرها قتامة قد تكون واقعًا..لا بد ان يتحمل الشعب مسؤوليته ومن الضروري تعديل الدستور حتى يصبح من الممكن تنظيم استفتاء حول نظام الحكم..و يبدو أن النظام السياسي الحالي أصبح جثة في حالة تعفن ونظام الأحزاب لم يعد يخدم الدولة والحكومة “مسكينة” لا حول لها ولا قوّة..
يبدو أنّ النظام السياسي القائم في تونس ردّة فعل و خوف من النظام الرئاسوي الإستبدادي وهو نظام هجين لا هو رئاسي و لا برلماني.. و ما الفائدة من نظام سياسي هجين لا ينتج شرعية مكتملة، ولا طرف فيه يتحمّل المسؤولية كاملة.. لابد من تحرير الدولة من هذا النموذج السياسي الهجين وذلك عن طريق إعادة النظر في النظام السياسي ومنح الشعب التونسي حقّ الإستفتاء لإبداء رأيه في نظام رئاسي أو نظام برلماني، لتمكين جهاز واحد من حكم البلاد و محاسبته وتحميله مسؤوليات الحكم، لدينا نظام انتخابي ودستور لا يسمح بوجود حزب قوي يحكم ولا يسمح بوجود برنامج سياسي يُطبق، فإلى متى ستستمر هذه الفوضى التي أفقرت الشعب التونسي وتسببت في حالة فوضى وعجز سياسي غير مسبوق..و تونس تعيش حالة انتظار و الدستور أكله الحمار…!!