توترت العلاقة المصرية- التركية منذ سقوط حكم “الأخوان المسلمين” في مصر في تموز من العام 2013، والحدث من حيث النتيجة كانت له تداعيات مهمة على الضفتين الداخلية التركية والخارجية الإقليمية، تمظهر ذلك في الأولى، أي الداخلية التركية، برزمة من الانشقاقات التي خرجت من رحم حزب العدالة والتنمية والتي أفقدته ثلث قوته في الشارع على أقل تقدير، أما في الثانية، أي الخارجية الإقليمية، فقد شكل الحدث المصري آنف الذكر ضربة قاصمة قطعت أوصال المشروع التركي السائر نحو خلق تمددات له في المنطقة العربية.
هذا التوتر ستزداد حدته فيما بعد بفعل ملفات عديدة أبرزها التدخل التركي في سورية وليبيا والعراق، ثم بفعل ملف النفط والغاز شرق المتوسط، والحال السابق من التوتر ظل قائماً إلى ما يقرب من الشهرين حيث بدأت ملامح التغيير في المواقف تظهر إلى العلن مشيرة إلى إمكان حدوث تقارب مصري- تركي اقتضته ضرورات ناجمة عن حالة الاحتياج التي وجد كل من الطرفين فيها وسيلة للاستقواء بالآخر، بعد أن جرت مياه كثيرة في غضون السنوات السبع من عمر القطيعة التي حاولت فيها أنقرة، بكل ما أوتيت من قوة التآمر على القيادة المصرية بهدف إسقاطها.
كانت أولى المؤشرات قد ظهرت للعلن في حديث لوزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو أجراه معه موقع “بلومبيرغ” ونشر في 8 آذار الماضي، وفيه قال إن ” فتح صفحة جديدة مع مصر ودول الخليج يساعد في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة”، وبعد أربعة أيام من ذلك التصريح أعلن رئيس النظام التركي أن “اللقاءات قائمة على قدم وساق اقتصادياً وسياسياً واستخباراتياً” مع مصر، ثم تتالت المؤشرات بدءاً من الشكر الذي تقدم به رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لأردوغان على الجهود التي بذلها نظامه إبان رئاسته لمجموعة الدول الإسلامية النامية، وفقاً لما أوردته وكالة الأناضول في 8 نيسان الجاري، وبعد ذلك بيومين هنأ وزير الخارجية التركي نظيره المصري بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، الأمر الذي تلاه إيقاف أنقرة لبث برنامجين كانا مخصصين لانتقاد السلطة في مصر على قناتي “مكملين” و”الشرق”.
كل هذا لا يشير إلى مسار اعتباطي، وإنما هناك رؤية تكونت لدى الطرفين بأن الضغوط التي يتعرض لها كل منهما على حدة يجب أن تدفع للتلاقي ولو عند حدود “أهون الشرور”، فالقاهرة وجدت نفسها في ملف سد النهضة شبه معزولة، وهي بلا حليف دولي يمكن الاعتماد عليه، والأمر تكرس واقعاً صارخاً ما بعد فشل مفاوضات 6 نيسان الجاري في الكونغو، وفي 26 آذار الماضي أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن امتياز شق قناة تكون بديلة لقناة السويس تربط ما بين البحرين المتوسط والأحمر، والفعل سوف يؤدي إلى خسائر جمة ليست الاقتصادية هي الأهم فيها، فهو في جوهره سوف يقلل من أهمية قناة السويس التي كانت على مدى قرنين ماضيين أهم ممر مائي في العالم، وهذا ستكون له تداعياته الكبرى على الوزن والدور المصريين.
بدوره أردوغان يطمح لتحقيق انتصار سياسي خارجي بعدما لعب الإخفاق الاقتصادي دور “المفرخة” للعديد من القوى المناوئة لنظامه في الداخل، ثم تعزيزاً لمواقع إقليمية تحسباً لرياح أمريكية تبدو قريبة الهبوب باتجاه الجغرافيا التركية، ناهيك عن إمكان حدوث تصادم تركي روسي في “دونباس” شرق أوكرانيا الذي قد يبدو ممكن الحدوث.
في مطلق الأحوال فإن مصر تبدو أنها تنطلق في تقاربها الراهن مع النظام التركي وفق منظور براغماتي نوعاً ما، ومن المؤكد أن الخطوات التركية باتجاه مصر تشير إلى فشل، وتراجع مشروع نظام أردوغان في المنطقة.