تونس تتدحرج كل يوم وبسرعة متفاقمة وهي لا تجد إلى حد الآن ما يكفي من أصوات الحكمة والعقل لإيقاف هذه الكارثة المحدقة.. ، و بات من المستعجل التحرك ووضع حد لهذه الأزمة التي تضع كامل الدولة على شفا حفرة، لأنه واقعيا لا يمكن لأي طرف فرض تصوره للحل الذي يراه الأصح والأسلم ، و أعتقد أن الحل الأسلم ، الدعوة إلى هدنة عاجلة والتفاعل معها والدفع نحو الحل لا نحو المزيد من الدوران في دوامة مفزعة..
بات واضحاً لدى غالبية الشعب أنّ منظومة الحكم المتواصلة من 2011 إلى اليوم، نخرها السوس وأصبحت غير قادرة على معالجة الأزمة الشاملة والعميقة التي تهز البلاد، وهناك قناعة راسخة بأنّ هذه المنظومة هي السبب الرئيسي في هذه الأزمة بالنظر إلى خياراتها اللاّشعبية واللاّوطنية التي جاءت عكس ما انتظره الشعب التونسي و سياسة الهروب إلى الأمام والإنكار لم تعد تجدي نفعاً و الأفضل الإعتراف بوجود أزمة ثقة و الكف عن الخزعبلات و اللعب على الشعب و العبث بمؤسسات الدولة ، و أعتقد أنه حان الوقت لتدخّل العقلاء ويتحملوا مسؤولياتهم ويفرضوا أنفسهم على المشهد، خصوصاً بعدما صار واضحاً أن بعض الأطراف السياسية لا يمكن أن تحقق أية مكاسب وأن كل ما حققُّوه يتلخص في الإساءة إلى الوطن و للشعب ، وبعدما تبيّن أن استمرارهم في العبث بمؤسسات الدولة ولهيبتها يعني الإستمرار في المزيد من الإساءة إلى الوطن و الشعب البريئ..
اليوم أصبحت الأحزاب السياسية في حالة فشل لا تهمها مصلحة الشعب في هذا الظرف الدقيق بقدر ما يهمها التموضع داخل الساحة السياسية بكل السبل، و القوى السياسية التي تدير اللعبة السياسية لا يهمها شيئ وهي تعمل بالعبث واللامبالاة ولم تتقدم حتى خطوة واحدة تنفع هذا الشعب ، ولم تُلبّي للشارع مطلباً واحداً يستحقه غير المعاناة منذ الثورة ولحد الان.. حين تتحول الممارسة السياسية إلى عبث فإن أي فعلٍ ينتج عنها سيكون عبثيا ومدمرا، بل أصبحت سلوكاً سياسياً واضحاً وضوح الشمس، تلقي بآثارها المدمرة على حياة المجتمع ومصير المواطنين، ويدمر مؤسسات الدولة.. ، اليوم بات العبث السياسي هو سيد الموقف، وهو من يتسيّد المشهد بعد غياب أو غُيّبت أخلقة العمل السياسي ، لذلك على الجميع تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن أمام الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن الوضع الوبائي الراهن الذي يستوجب هدنة سياسية عاجلة من أجل تخفيف الاحتقان كي تتيح للوطن ونخبه البحث عن كيفية تجاوز المخاطر التي فرضها هذا العبث الذي يبدو أنه مستمر دون الالتفات لخطورته.. و بات المشهد مملّاً بالفعل، لا بل إنه يبعث على الاستفزاز والتَّقَزُّزِ لان العبث السياسي يظهر في أبشع ملامحه يوماً بعد يوم..
لا يبدو أن هناك انفراجاً قريباً في الأزمة السياسية المعقدة التي تعيشها تونس، و يبدو أننا في الهاوية اليوم، والحزام السياسي للحكومة لا يملك أيّ دور، والمشيشي لا أرى أنه قادر على إيجاد الحلول ، تونس باتت في وضع إفلاس غير مُعلَن، وأنه لم يعُد لها من خيار سوى الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي ، الأزمة السياسية و الإقتصادية و الفشل الذي تعيشه البلاد نتيجة التصعيد و سياسة الهروب إلى الأمام الذي أدى إلى هذه الأزمة الغير مسبوقة..، الحكومة فشلت في اقرار الإجراءات الصحية والاجتماعية والاقتصادية في مواجهة الجائحة والتأخير والتخبط والتراجع عنها مرارا و فشلت في معالجة الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية ، فضلا عن التستر وانعدام الشفافية والتشاور فيما يتعلق بالملف الاقتصادي والمفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، التي أدت إلى فقدان ثقة الشعب التونسي بطريقة غير مسبوقة منذ الثورة، و فشلت في طمأنة المواطنين على مستقبل تونس، حزام المشيشي البرلماني ساهم في تعميق حالة الإنسداد السياسي والقطيعة بين مؤسسات الدولة برئاساتها الثلاث عبر تمسكه بحكومة المشيشي الفاشلة.. و يبدو أنه لن يكون هناك حل للأزمة الراهنة إلا برحيل الحكومة و الدعوة إلى الحوار.. و أعتقد أن كلفة تغيير الحكومة أقل بكثير من كلفة بقائها في ظل هذا العجز اللّامسبوق.. و من الأفضل على المشيشي الذهاب إلى خيارين لا ثالث لهما ، إما الذهاب إلى رئيس الجمهورية و يلتقيا على طاولة الحوار وأن يُحاولا طرح كلّ نقاط الخلاف والصراع بينهما وأن يعملا على إيجاد حلّ لتلك الخلافات من أجل مصلحة تونس وشعبها او الإستقالة، لإنقاذ تونس من حالة الفوضى والتشنّج و تعطيل سير دواليب الدولة..
أيها الساسة، لقد سئم الشعب وعودكم وعبثكم وتلاعبكم وخصومتكم وصراعاتكم، وعليكم أن تعوا ذلك جيداً، فالمواطنون ليسوا سذجاً لتتلاعبوا بحقوقهم ومقدرات وطنهم، فحكموا عقولكم قبل فوات الأوان، فالشعب يريد سياسيين يحترمون أنفسهم ويحترمون شعبهم، فالوضع يزداد تأزيماً نتيجة هذا العبث، ويزداد تدهوراً لاستمرار صراعاتكم العبثية وحروبكم الكارثية، في حين يئن الوطن والمواطن نتيجة عبثكم هذا، فهل تعون وتعودون لرشدكم قبل فوات الأوان، البلاد غير قادرة على تحمل المزيد من العبث و المناورات، و الشعب يريد سياسيون يحترمون انفسهم و يحترمون هذا الوطن و شعبه ، لا مجال للخطأ و نحن داخل وضع متأزم على جميع الأصعدة..