وسط التوقعات المسبقة والسقوف المنخفضة , التقى الرئيسان بوتين وبايدن في قمةٍ قد تكون الأغرب وربما الأقل نتاجاً , على الرغم من روعة بحيرة جنيف وفيلا لاغرانج …
البعض راّها قمة لإدارة الخلاف , لكن ما حصل هو خلافٌ بلا إدارة , خصوصاً من الجانب الأمريكي , الذي أرادها قمة من أجل القمة , نتيجة الإرتباك الواضح في السياسة الخارجية الأمريكية , وخشية الإنزلاق في مسلسل الحلول وإنهاء حالة الفوضى التي فرضتها السياسة الأمريكية خلال العقدين الأخيرين , فالخلافات بين موسكو وواشنطن أكبر من أن تُحل في لقاءٍ لأربع ساعات .
القمة جاءت كما أرادها بايدن , مبارزة إعلامية منفردة , وما تم تصديره بدايةً من صور مباشرة , مصافحة جيدة , إبتسامات متبادلة , وعبارات المديح المتبادل , ومحاولة الرئيس بوتين عدم إثارة وصفه بـ “القاتل” و”بلا روح” , وبادر لوصف عدوه بايدن بأنه :”شخصية بناءة , تحمل القيم” و ” بأنه “رجل متوازن ومهني” , لقد كان الرئيس بوتين حريصاً على القمة وعلى الخروج بنتائج إيجابية , واستطاع منذ ما قبل القمة قراءة النوايا الأمريكية , بإفشالها وتحويلها إلى مهاترات ومشاحنات إعلامية , بدءاً من لقائه مع “سيمونز” الصحفي الأمريكي في شبكة NBC قبيل يومين من القمة , وأسئلته الإستفزازية وبالتحديد سؤاله :”هل أنت قاتل” , ناهيك عن التدافع والصراخ الذي افتعله الصحفيون الأمريكيون أمام قاعة القمة , في سلوك مشين يتجاوز البروتوكول الصحافي والإعلامي .
لقد تحدث الرئيس بايدن عن القمة بأنها مواجهة “وجهاً لوجه” , واستعد لها تماماً , من خلال جولته الأوروبية إلى كورنوال ولقاءات مجموعة السبع وبروكسل ، وزعماء الناتو والاتحاد الأوروبي , وبدا كمن ينفخ عضلاته بلقاءات أمريكية – أطلسية , وأمريكية – الإتحاد الأوروبي , ولقاءات أمريكا والحلفاء والشركاء , وأراد ظاهرياً توحيدهم في وجه موسكو وبكين , قبيل “القمة-المبارزة” مع بوتين , لكنه في جوهرها أراد تأكيد إحتوائهم وإختزالهم وضمان ولائهم للجولات القادمة في مواجهة موسكو وبكين.
هرع نحو بحيرة جنيف , ووصل إليها قبل بوتين بعشر ساعات , لتأكيد استعداده للتحدي وقدرته على الفوز , لكن بوتين تلاعب بأعصابه ووصل قبيل القمة بساعة واحدة , متجاهلاً سخونة رأس وعضلات بايدن.
يالها من بداية لقمة انتهت بالإشادة بتمديد معاهدة ستارت النووية الجديدة , وبإعلان عودة سفراء البلدين إلى موسكو وواشنطن , وبإعلان إمكانية اللقاءات الثنائية لإيجاد الحلول والعمل لإحلال الإستقرار الإستراتيجي في العالم , عبر ردم الهوة “العميقة” والتوترات بينهما التي تتحمل مسؤوليتها القيادات السياسية الأمريكية ,على حد وصف الرئيس بوتين.
إذا كان الغموض والتحليلات والتوقعات تحيط بنتائج القمة , مع عدم توفر أياً من مؤشرات التفاؤل , حيال بعض الملفات كـ “القطب الشمالي” و”سوريا” و”أوكرانيا”, إلاّ أنه من المؤكد أن واشنطن تمتلك وسائل التصعيد السياسي والعسكري , لكن موسكو تمتلك ثبات الموقف والإصرار على إعتبار هذه الملفات خطوطاً حمراء لا يمكن لها أن تقبل بشأنها بأي تراجع أو مقايضة أو هزيمة.
لقد بدت الأحداث وتصاريح الرئيسين خارج القاعة أهم بكثير مما دار داخلها , وحصلت المبارزة الفردية وكلٌ على حدة , وجاء كلام بايدن رداً على ما قاله بوتين لوسائل الإعلام .. كان بايدن قاسياً في الحديث عن الهجوم السبراني , وقال أننا نمتلك قوة للرد “لا يعرفها بوتين” وسنرد بنفس الطريقة , وانتقد الحريات في روسيا في إشارة مباشرة للمعارض أليكسي نافالني , وأكد “الصورة السيئة” التي ستلحق بروسيا فيما لو أصابه مكروه , فيما سبقه بوتين بإنتقاد الحديث عن حقوق الإنسان والقيم الأمريكية , مع استمرار وجود “السجون السرية” , وما يحدث “في غوانتانامو” , وعنف الشوارع و”الأحداث الرهيبة” في مظاهرات حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة.
لقد كشف الرئيس بوتين أجواء القمة ومدى “نجاحها” بقوله :”لكي تتم مثل هذه اللقاءات يجب أن تكون هناك ظروف مواتية” , وختم كلامه بقوله : “السراب في الأفق”.
خلاصة القمة … بدا الرئيس بوتين أكثر ثقة وراحة , وأعلن الكرملين عدم تفاجئه من نتائج القمة , أما بايدن الذي أتعبته إستعدادات ولقاءات ما قبل القمة ووجبات الطعام الساخنة وأنين الأوروبيين المكبوت في بريطانيا , فبدا مرهقاً ولم يشعر بالراحة وبالإنتصار في القمة…ولم يستطع التفوق على سلفه ترامب الذي فشل في القمة السابقة من الحصول على جائزة نوبل للسلام , ولم يستطع بايدن الخروج بلقب “شوفالييه” أوروبي لمبارزة بوتين ومواجهته “وجهاً لوجه” على حد تعبيره.