نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريرا لمراسلها، جوليان بورغر، قال فيه إن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، الذي توفي الأربعاء، سيظل اسمه مرتبطا بـ”أكبر عملية عسكرية فاشلة في تاريخ الولايات المتحدة”.
وأوضح الكاتب في تقريره أن عملية غزو العراق عام 2003، جرت بحجة امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، لكنها لم تكن موجودة أصلا.
وفضلا عن ذلك، بات اسم رامسفيلد ورفاقه مرتبطا باستخدام التعذيب على نطاق واسع، ما شوه سمعة الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت.
ولن يتم تذكر القرارات السيئة التي اتخذها كوزير للدفاع فقط، بحسب الصحيفة، ولكن محاولاته التستر على الحقائق المقنعة التي لم تكن تتطابق مع رؤيته، الشخصية.
وكشفت الوثائق التي ظهرت بعد الغزو أن رامسفيلد كان واعيا بالثغرات في المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق يملكها، ولكنه قدم المزاعم على أنها حقيقة مطلقة.
وقلل الوزير الأسبق من أهمية التمرد الذي ظهر ضد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة بعد سقوط صدام حسين، وصور انهيار النظام والأمن من خلال تعليقه المعروف “الأمور تحدث” والذي ظل يلاحقه حتى نهاية حياته.
وأدى تردده لقبول التحذيرات التي لم تتطابق مع رؤيته إلى تنفير الجنرالات وقادة وضباط الجيش منه.
وساهم إصراره على أن الوضع آمن بالنسبة للقوات الأمريكية في العراق باستخدام الجنود عربات الهمفي الخفيفة ولمدة عام هناك مما زاد من عدد القتلى الأمريكيين بالقنابل البدائية.
وفي عام 2006 اتخذت مجلة الجيش “آرمي تايمز” خطوة غير اعتيادية وطالبت باستقالته. وفي افتتاحية بهذا الشأن قالت: “فقد رامسفيلد المصداقية مع القيادة بالزي العسكري والجنود والكونغرس والرأي العام الواسع”. وأضافت: “فشلت استراتيجيته وتنازل عن قدرته على القيادة. ومع أن الفشل في العراق يقع على كاهل الوزير إلا أن قواتنا هي التي ستتحمل اللوم”.
وعندما عين جورج دبليو بوش رامسفيلد وزيرا للدفاع عام 2001، ظن الكثيرون أنه سيكون وزملاؤه من فترة جيرالد فورد، مثل ديك تشيني، نائب بوش، من يلعبون دور الضبط الحكيم لرئيس أيديولوجي قليل الخبرة.
وبعد هجمات أيلول/سبتمبر ظهر رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز وتشيني كدعاة حرب متشددين، وآمنوا بأسوأ السيناريوهات مثل علاقة صدام حسين مع القاعدة وأنه يملك أسلحة بيولوجية وأنه يقترب من تصنيع القنبلة النووية.
وأصبح رامسفيلد معروفا بتأملاته الفلسفية بشأن التفريق بين “المعروف المعروف، المعروف اللامعروف واللامعروف غير المعروف” وما لم يقله هو أن كل المعلومات عن أسلحة الدمار الشامل التي زعم أن العراق كان يملكها تقع في الفئة الثالثة “اللامعروف غير المعروف”.
وفي أيلول/سبتمبر نشر مدير الاستخبارات في هيئة الأركان المشتركة تقريرا جاء فيه: “حاولنا تقدير اللامعروف، وقدرنا ما بين صفر إلى 75 بالمئة وفي كل مراحل البرنامج”.
وقال رامسفيلد في تعليق مرفق بالتقرير “هذا كبير”، لكن التقدير لم يترك أي أثر حول مزاعمه التي آمن بها.
وفي كانون الثاني/يناير 2003 زعم رامسفيلد أن صدام لديه “مخزون ضخم لم يعلن عنه من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بما فيها غاز الأعصاب والسارين والخردل والجمرة الخبيثة والبكتيريا المسممة وربما الجدري”، مضيفا: “ولديه برنامج لامتلاك وتطوير الأسلحة النووية”.
ونظرا لإحباطه من المجتمع الاستخباراتي الذي فشل في التوصل إلى نتيجة تؤكد قناعاته، بدأ بعملية جمع استخباراتي عن العراق موازية للمخابرات الأمريكية واعتمد فيها على المنفيين العراقيين مثل أحمد الجلبي.
وهؤلاء، بحسب الصحيفة، هم نفس المنفيين العراقيين الذين أقنعوا رامسفيلد وتشيني وولفويتز بأن العراقيين سيرحبون بالأمريكيين كمحررين بعد سقوط صدام ووضع الأسس لبناء ديمقراطية عراقية.
وبنظرة للوراء كان رامسفيلد متفائلا حول النزاع، ففي تشرين الثاني/نوفمبر قال إنه لا يعرف إن كانت الحرب ستستمر لخمسة أيام، خمسة أسابيع أو خمسة أشهر مضيفا: “على أي حال فلن تستمر أبعد من هذا”.
وبنفس الثقة بدأ رامسفيلد التورط الأمريكي بـ “أساليب التحقيق المعززة” والتي يعترف اليوم وبشكل واسع أنها كانت تحتوي على التعذيب.
وفي خربشة واضحة على واحدة من المذكرات التي قدمت إليه في 2002 تساءل عن سبب قصر الوقوف الإجباري على أربع ساعات مع أنه يستطيع الوقوف على مكتبه ما بين 8-10 ساعات.
وترك رامسفيلد ميراثا آخر لا يزال يثقل كاهل الولايات المتحدة منذ عقدين وهو سجن غوانتانامو والذي قال إنه “أقل الأماكن سوءا” لاحتجاز المشتبه بتنفيذهم أعمالا إرهابية ومن يقبض عليهم في ساحة المعركة وبعيدا عن النظام القانوني الأمريكي.
وحاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إغلاق المعتقل الذي أصبح إحراجا للولايات المتحدة وعقبة لتحقيق العدالة لعائلات ضحايا 9/11.
وكان استخدام التعذيب أثناء التحقيق سببا في التأثير على موثوقية الأدلة مما أخر عمليات محاكمة المتهمين الرئيسيين.
وفي مذكراته، قبل رامسفيلد على مضض أنه أصدر “تصريحات غير صحيحة” في تأكيداته عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق ولكنه “فوجىء وشعر بالقلق” بالتعرف على مدى استخدام التعذيب في عمليات التحقيق الأمريكية.
ووصف التعذيب في معتقل “أبو غريب” بأنه أظلم ساعة في مسيرة عمله بالبنتاغون. والمشكلة أن رامسفيلد قدم هذه التجاوزات على أنها “خلل” في النظام لا نتيجة لسياساته، ولن يغفر التاريخ له أبدا.