منذ البداية كان من الواضح ان الحرائق التي نشبت في حوالي 17 محافظة وبنفس التوقيت تقريبا لم تكن حوادث عرضية او مصادفة بل كانت مفتعلة وعلى أيادي إرهابية من الخلايا النائمة التي صدر اليها التحرك وبشكل متزامن لإحداث أكبر ضرر بشري ومادي في الجزائر. فهي كغيرها من الدول وحتى المتقدمة الى ابعد الحدود لا تملك الامكانيات المادية والتكنولوجية لمكافحة ما يقرب من 100 حريق في آن واحد ولنا في الحرائق التي إندلعت في كاليفورنيا الامريكية أكبر دليل على هذا. فدول العالم التي نشبت فيها الحرائق وخاصة انها نشبت في مناطق معزولة يصعب الوصول اليها لم تكن يوما من الايام تضع إحتمال نشوب مثل هذا العدد من الحرائق التي تجاوز عددها اكثر من مئة حريق كما هو الحال في تركيا واليونان والبيرو مؤخرا.
الجزائر كانت وما زالت في عين العاصفة ويجب ان لا ننسى النشاط الارهابي الذي استمر ما يقرب من عشرة سنوات في تسعينات القرن الماضي حيث كانت المجموعات الارهابية تجوب المدن والقرى النائية على وجه التحديد وتقتل جميع سكان هذه القرى دون تمييز وتبقر البطون وتقطع الاوصال بشهوة قتل حيوانية وكله تحت اسم الدين وتكفير الناس, كما كانت جحافل الوهابيين تجول شبه الجزيرة العربية تذبح وتسفك الدماء تحت شعار الدين وتكفير الغير والعقاب.
والجزائر اليوم مستهدفة اكثر من الماضي ولاسباب عديدة ضمن المناخ السياسي السائد في المنطقة والهجمة الامبريالية التي تقودها بشراسة الولايات المتحدة منذ عقود من الزمن وخاصة بعد غزو العراق 2003 والتي اشتدت منذ ما يقرب من عشرة سنوات في محاول لتركيع المنطقة بأكملها والقضاء على الدول العربية الوطنية.
وتاتي هذه الحرائق متزامنة مع وقوف الجزائر ضد القرار الذي إتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بمنح الكيان الصهيوني صفة عضو مراقب بالاتحاد الافريقي. وتعمل كل من الجزائر وجنوب أفريقيا على تحشيد أكبر عدد من الدول الافريقية للضغط على المفوضية للعدول عن هذا القرار الذي يتمسك به رئيس المفوضية لانه يدخل ضمن صلاحياته الادارية. ولقد عمل الكيان الصهيوني ومهد الطريق لاخذ هذا القرار من ضمن حملة ممنهجة وزيارات لعدة دول أفريقية والتي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن من قبل وزراء خارجية للكيان الى جانب زيارة رئيس الوزراء نتنياهو والتي نجحت في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع عدة دول أفريقية. هذا في الوقت الذي لم تعمل جامعة الدول العربية على إتخاذ اية خطوات أو إجراءات لمنع تنفيذ القرار الاخير أو الضغط على المفوضية للتراجع عن قرارها أو حتى بيان إدانة مما يؤكد مرة أخرى أنها لم تعد عربية وإنما أداة طيعة لخدمة مشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة وما حدث في ليبيا وسوريا على الاقل ودورها التدميري لم يعد خافيا على أحد.
وبالاضافة الى ذلك فإن الجزائر لها موقف ثابت وواضح ولم تحيد عنه منذ ستينات القرن الماضي بشأن النزاع بين المغرب والشعب الصحراوي في الصحراء الغربية والذي يتمثل بتنظيم استفتاء للشعب الصحراوي ليقرر بحرية مصير أراضيه وأن القرار لا يعود للجزائر ولا للمغرب ولا للولايات المتحدة ولا لفرنسا ولا لمجلس الامن لان الامر يتعلق بحق غير قابل للتصرف حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. ولا بد من الاشارة هنا الى ان المغرب قد حظي “بمكرمة” من الرئيس الامريكي السابق ترامب بالاعتراف بالسيطرة والسيادة المغربية على الصحراء كما فعل مع الكيان الصهوني بإعترافه بالقدس الموحدة عاصمة الكيان. وهذا الاعتراف كان له ثمن التطبيع العلني والصريح للمغرب مع الكيان الصهيوني كجزء من تطبيق ما سمي “بصفقة القرن”.
والجزائر وقفت ضد طرد او تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية منذ البداية وأذكر انه عندما قامت بعض الدول الخليجية بناء على آوامر البيت الابيض طلب تسليم مقعد سوريا في القمة العربية التي عقدت في الكويت عام 2014 وقفت الجزائر موقفا مبدئا رافضة هذا المقترح وهددت بالانسحاب من المؤتمر والذي على أثره لم يتم تنفيذ آوامر واشنطن بهذا الخصوص. والجزائر لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا بالرغم من المحاولات العديدة لاغراءها بأموال البترودولار لشراء موقفها السياسي.
والجزائر وبتصريح من الرئيس الجزائري اعلنت رفضها للتعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تستخدمهما الولايات المتحدة بشكل خاص والدول الغربية بشكل عام لتدمير البنى الاقتصادية الوطنية ضمن فتح البلاد لاستثمارات الشركات الاجنبية لنهب ثروات البلاد من خلال الانضمام لنظام العولمة الاقتصادية, ورفع الدعم الحكومي عن المواد الاساسية لطبقة الفقراء والمهمشين وإرتفاع الاسعار وفرض الخصخصة وبيع القطاع العام ودعم نمو طبقة محلية طفيلية مستغلة وفاسدة تعمل لحساب الاجنبي…الخ والتي بمجموعها تجعل البلد تابعا إقتصاديا وسياسيا للأجنبي. ولنا في دولنا العربية أمثلة واضحة وجلية مثل مصر ولبنان على وجه الخصوص.
والجزائر مستهدف أيضا لدعمه بما يقوم به الرئيس التونسي قيس سعيد على طريق تغيير النظام السياسي في تونس ومحاسبة الفاسدين وحيتان المال. هذه التغيرات إذا ما نجحت فأنها ستشكل مع الجزائر قطبا مهما في الشمال الافريقي سيكون له إنعكاسات هامة على مستوى المنطقة وتشكل عقبة ومحور رئيسي للتصدي لانبطاح النظام العربي الرسمي والهرولة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني. ولكل هذه الاسباب الرئيسية يعتبر الاستهداف الاخير للجزائر عن طريق الحرائق هو جزء لا يتجزأ من العدوان على الجزائر من أطراف لا تريد الخير لهذا البلد الصامد. هكذا يجب ان نفهم موجة الحرائق التي اندلعت وبشكل متعمد ومعد ومع سبق الاصرار كما صرح مسؤول جزائري.
* كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني
bahij.sakakini@gmail.com