أصدرت الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب بيانا مشتركا استنكرت فيه تعطيل صرف مستحقاتها المالية من الصندوق القومي الفلسطيني لمدة أربعة أشهر على التوالي وذلك بقرار فردي من قبل رئيس الدولة الوهمية السيد عباس المتفرد والمستأثر والمهيمن على مفاصل القرارات الفلسطينية المصيرية منها والغير مصيرية. ولا بد لنا من تسجيل بعض النقاط بهذا الخصوص:
أولا: هذا التصرف الارعن والمدان بكل المقاييس والأعراف والقوانين الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي همشت وغيب دورها ودور مؤسساتها بعد التوقيع على اتفاقية اوسلوا سيئة الصيت لم يأتي من فراغ ولم يأتي بسبب عدم وجود الاموال في الصندوق القومي الفلسطيني وليست هذه المرة الأولى. فلقد عودتنا القيادة المتنفذة في م ت ف وفي العديد من المحطات على استخدام أموال الصندوق القومي الفلسطيني كوسيلة رخيصة للضغط على الفصائل الفلسطينية وحتى على الحصة الغذائية للمقاتلين عندما كانت المقاومة الفلسطينية في لبنان. والامر هنا لا يختلف عن سابقاته السلطة تريد الضغط على هذه الفصائل حتى تغير من مواقفها وخاصة التي اتخذتها بعد استشهاد نزار بنات على ايدي رجال ان دايتون والتنسيق الأمني “المقدس”.
ثانيا: هذه المواقف المدانة والتصرف الفردي لم يكن ليكون لولا سياسة المهادنة للسلطة الفلسطينية الى حد ما من بعض الفصائل وذلك لضمان تسلم مستحقاتها التي هي ليست منة أو مكرمة من أحد بل حق لها ضمن الأطر الفلسطينية المتعارف عليها. وهذه المهادنة وعدم اتخاذ مواقف صلبة تجاه العديد من القضايا والقرارات التي اضرت وبشكل كبير مسار القضية الفلسطينية منذ اوسلوا ولغاية الان هو من اعطى السلطة الفلسطينية وبالتحديد السيد عباس والزمرة التي حوله ان يتصرفوا بها الشكل.
ثالثا: كما ذكرت سابقا ان المستحقات هي حق لكم وليست منة او مكرمة من أي أحد ويحق لكم ان تصدروا بيانا تدينون به أو تستنكرون هذا القرار الجائر. ولكن خوفي من ان الناس وربما اغلبهم سيطرح السؤال المشروع لماذا اتفقتم واصدرتم بيانا بشأن المستحقات المالية لفصائلكم ولم تتفقوا على نوع من توحيد الموقف في العديد من القضايا المصيرية او حول قضية محددة وآثرتم التصرف بشكل انفرادي مما كان له التأثير السلبي على الشارع الفلسطيني وحتى على كوادركم وقواعدكم الشعبية. ولا نجافي الحقيقية إذا ما قلنا ان ابعض من هذه الكوادر قد تركت فصائلكم لأنها لم تستوعب هذا الجفاء بينكم.
الكثيرون سيتساءلون لماذا لم تتفقوا كقوى يسارية لا خلاف بينكم ربما في العديد من القضايا المرتبطة بالايدلوجية على تشكيل قائمة انتخابية واحدة (قبل الإعلان عن الغاء الانتخابات) وكانت هذه ليس فقط فرصة تاريخية، بل ضرورة موضوعية لعودة اليسار الى الشارع الفلسطيني وعودة ثقته باليسار. لم يعد خافيا ان الشعب والشارع الفلسطيني فقد ثقته بالسلطة الفلسطينية، بل أيضا بالكثير من الفصائل الفلسطينية ايضا فمهادنة السلطة والتعامل مع كل إفرازات اوسلوا هو من أفقد اليسار الفلسطيني بشكل عام الكثير من شعبيته. هذه حقيقة يجب الاعتراف بها وتقيمها ومعرفة أسبابها الحقيقية للنهوض بالحركة الوطنية ككل ضمن مشروع وطني فلسطيني جامع وكل من لا يعترف بهذه الحقيقة فهو يكابر والمكابرة في مثل هذه الظروف لا تغتفر.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني