وسائل الاعلام الغربية الامريكية على وجه الخصوص والاوربية التي عادت ما تتبعها فيما يخص العداء لروسيا تصور كأن روسيا على اعتاب اجتياح أوكرانيا اليوم وليس غدا وتقوم بنشر معلومات مضللة وفبركات إعلامية في محاولة ٌلإقناع الراي العام الغربي على وجه الخصوص أن الامر قد وصل الى نقطة اللاعودة وبالتالي فإن على هذا العالم الغربي ان يتحرك للدفاع عن هذا الهجوم الوهمي.
وهذه الحملة الإعلامية التي جندت اليها الصحافة الغربية بحكم انها جزء لا يتجزأ من الدولة العميقة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية تهدف أولا الى خلق عدو لأوروبا اسمه الخطر الروسي والتهويل من هذا الخطر الدائم الوهمي على الدول الأوروبية. وهذا بحد ذاته يعطي المبرر للإبقاء على حلف الناتو وخاصة ان هنالك تملل في العديد من الدول الاوربية بدأ منذ سنوات حول مشروعية بقاء هذا الحلف الذي استخدمته وما زالت الولايات المتحدة تستخدمه كأداة عسكرية ومطية لتنفيذ سياساتها الخارجية العدوانية من انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية. وقد عادت الأصوات في اوروبا التي تنادي بضرورة تكوين قوة ضاربة أوروبية كبديل لحلف الناتو وخاصة بعد الانسحاب المذل للقوات الامريكية من افغانستان دون التبليغ المسبق للحلفاء التقليديين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وحلف الناتو أيضا يشكل البقرة الحلوب للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي لأن الولايات المتحدة تفرض على دول هذا الحلف ان تشتري الأسلحة الامريكية تحديدا. وقد راينا على سبيل المثال الغضب الأمريكي على تركيا عندما قررت شراء منظومة س-400 من روسيا والتهديدات التي وجهت اليها من الطرد من حلف الناتو الى فرض العقوبات الاقتصادية عليها …الخ حيث كان من المفترض ان تشتري تركيا منظومة الباتريوت الامريكية.
والى جانب ذلك هنالك مصلحة لأوكرانيا من وراء هذه الحملة الإعلامية وهي الاستمرار في تنصلها من تطبيق ما سمي باتفاقية مينسك لعام 2015 بعد ان تم اسقاط حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش المنتخب في فبراير 2014 في ثورة ملونة مدعومة من قبل الولايات المتحدة وأجهزة مخابراتها والمجيء ولأول مرة بأحزاب فاشية ونازية الى البرلمان الاوكراني وتسلم البعض منهم مناصب وزارية. ولقد تضمنت الاتفاقية بان تقوم الحكومة الأوكرانية الجديدة بمنح منطقة دونباس الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا نوع من الحكم الذاتي وعلى وجه التحديد لجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك اللتين اعلنتا انفصالهما عن الحكومة المركزية بعد الانقلاب الفاشي وحيث الأغلبية من السكان ناطقة بالروسية. والى جانب ذلك نصت الاتفاقية على ان تقوم الحكومة الأوكرانية بإجراء مباحثات مع الجهات المسؤولة في هاتين الجمهوريتين، ولكن بدلا من ذلك يقوم الجيش الاوكراني بالاعتداءات المستمرة على هاتين الجمهوريتين ومحاصرتهما بدعم من قبل الولايات المتحدة. وتقوم روسيا بتقديم الدعم لهاتين الجمهوريتين وخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية الأساسية كما وأنها أعلنت انها ستدافع عن الأغلبية الروسية فيهما. وروسيا لم تعترف بهاتين الجمهوريتين لغاية الان وتهتبر هذه الأراضي اراضي اوكرانية. وهذا الموقف الروسي لا يجد له ولو سطور في الصحافة الغربية.
باختصار المطلوب إبقاء حالة العداء لروسيا والإبقاء على حلف الناتو البقرة الحلوب للمجمع الصناعي الأمريكي والإبقاء على الهيمنة الامريكية في أوروبا ومحاصرة روسيا بالقواعد الامريكية وتقديم ربما أوكرانيا والشعب الاوكراني ضحية للأطماع الامريكية كما فعلت مع أفغانستان والعراق وغيرها من الدول.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني