التحضر أو المعاصرة على المستوى الفردي والمجتمعي لا يعني التشبه بالغرب أو بالدول المتقدمة واستنساخ نمط حياتها بحذافيرها، كما ان الأصالة والحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية لا يعني التمسك بكل العادات والتقاليد القديمة والانغلاق على الذات والنظر لكل ما يأتي من العالم المتقدم حضاريا كغزو ثقافي أو مؤامرة خارجية، فالآخرون من غير العرب والمسلمين ليسوا بالضرورة شياطين كما أن العرب والمسلمين ليسوا ملائكة، ومن الممكن التوفيق بين الأصالة والمعاصرة كما طالب ودعا علماؤنا ومفكرونا الأوائل وكما يقتضي العقل و تمليه مصلحة الشعوب.
عندما يقول علماء المسلمين بأن الإسلام صالح لكل عصر وزمان فهذا لا يعني ضرورة مطابقة واخضاع كل جديد للنص القرآني والحديث النبوي وخصوصاً في ظل تعدد القراءات والمفسرين والمجتهدين، بل ضرورة إعادة تفسير وشرح النصوص المقدسة بما يتماشى مع مقاصد الشريعة ومقتضيات العصر دون المس بجوهر الدين، أو كما قال أحد علماء وفقهاء المسلمين أبن القيم “أينما يكون العدل فثمة شرع الله” أو كما قال آخرون أينما تكون مصلحة الأمة فثمة شرع الله.
في المجتمعات العربية كثير من السلوكيات وأنماط التفكير الخاطئة والمستفزة، وعندما يتم نقدها بسبب خطورتها المجتمعية وأضرارها الاقتصادية وما تنقله من صورة سلبية عن مجتمعاتنا العربية الإسلامية يقال إنها عاداتنا وثقافتنا وأصالتنا ويجب التعايش معها والحفاظ عليها، وإن تجاهلتها ولم تلتزم بها يُنظرُ إليك كشخص عديم الذوق وجاهل أو يتم نعتك بالتكَبُر والتعالي على المجتمع وتقاليده وربما بالكفر والمس بالمقدسات!!! .
كثير مما يعتبرها البعض بالعادات والتقاليد ما هي إلا مظاهر تخلف أو عادات وتقاليد وأنماط تفكير سياسية واجتماعية كانت متناسبة مع زمن غير هذا الزمن، وبعضها يتم إضفاء القدسية عليها أو نسبتها للدين وهي ليست من الدين في شيء، ففي مجال السياسة مثلا : رفض التعددية السياسية والحزبية باسم وحدة الأمة ، رفض الديمقراطية بذريعة معارضتها مع مبدأ الشورى، رفض مبدأ الثورة لتعارضه مع إطاعة ولي الأمر والخوف من الفتنة، النظر للملك/ الرئيس كأب الأمة والشعب الأبناء، أو الشيخ والشعب مريدين، أو راع والشعب رعية.
وفي مجال الحياة الاجتماعية: الزواج المبكر وتعدد الزوجات، التفاخر بكثرة عدد الأبناء، التعصب للقبيلة والعشيرة، عدم احترام النظام والقانون، عدم احترام الوقت، عدم احترام المرأة والتقليل من قيمتها، النميمة وعدم احترام الخصوصية، علو الصوت أثناء الكلام، الزيارات حتى العائلية بدون موعد مسبق، عمل المعوذات والأحجبة والعلاج بالقرآن، ختان الفتيات، زيارة الأضرحة وأولياء الله الصالحين، التطرف أو التعصب الديني، الاعتقاد بأن لبس النساء للحجاب وإطلاق الرجال اللحي هي من صميم التدين وفيها صلاح للمجتمع في حين أن مظاهر التديِّن الشكلي غالبا ما تكون على حساب التحلي بالأخلاق الحميدة ومكارمها الخ.
كل هذه الأمور مجرد عادات وتقاليد وأنماط تفكير تتناسب مع ظروف زمانها وليست من أصيل ثقافتنا وهويتنا وليست من جوهر الدين، إنها مظاهر تخلف يجب إعادة النظر فيها وتجاوزها.
Ibrahemibrach1@gmail.com