هي بلا شك من أروع الذكريات التي تحتفظ بها ذواكر السائرين في طريق الهدى إلى الله، وهي لا تقل قيمة عن مناسبات الإسلام الكبرى، إنها ذكرى عودة قائد الثورة الإسلامية الإمام روح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه من منفاه إلى طهران بعد ما يزيد على خمسة عشرة عاما مبعدا عن شعبه و بلاده، متحديا تهديد أزلام الشاه بإسقاطها نزلت الطائرة على أرض مطار مهرباد بطهران فكانت تلك اللحظات التاريخية حاسمة في ما تلاها من أحداث ثورية هامة ليبدأ الإيرانيون عصرا جديدا عنوانه التمهيد لدولة الإسلام العالمية وخدمة مشروع الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف
لقد كان يوما مشهودا في تاريخ إيران والأمة الإسلامية، يوم سطر فيه الشعب الإيراني ملحمة الوفاء لقائده، تجسدت خلاله فرحة عموم الشعب العارمة، وشكلت مشاهد جموعه وهي تتوافد على المطار وما حوله فغصت بهم السبل وقطعت كل حركة سوى ازدحام الثوار ترقبا لطلعة قائدهم البهية، التي طال اشتياقهم إليها لقد شكل اعلان عزمه على العودة إلى إيران شحنة معنوية ودفعا روحيا كبيرا لثواره وبدأت ملحمة النصر وعشرة الفجر المباركة يوم وصوله إلى اليوم العاشر 11/2/1979 ليتوج 16سنة من الكفاح العلمائي والشعبي خاضها الإيرانيون لإسقاط نظام عميل سخر بلاده في خدمة مشاريع الإستكبار والصهيونية، نزول الإمام الخميني على أرض بلاده مثل منعرجا حاسما في تاريخ إيران والأمة الإسلامية فقيادة عالم فقيه مجتهد لثورة لا نظير لها في التاريخ على الإطلاق فسحت المجال لعودة الأمل بقيام نظام الإسلام السياسي وفق معيار من صلب المنظومة الحكمية الإسلامية بقيادة فقيه جامع لشرائط الإجتهاد المطلق والعدالة
بين الدموع والدم عاش الشعب الإيراني أياما عصيبة، وخاض ملحمة سجّلها التاريخ المعاصر في طليعة أحداثه الكبرى، وحُقّ لها أن تكون على واجهته نموذجا ثوريّا نادِرا، فما انبثق من الإمام الحسين عليه السلام وعاشورائه الخالدة بإمكانه أنه يزهر ويثمر خيرا وبركة لرسالة الإسلام وحامليها منذ أن هبّت عليهم رياح كربلاء بعنفها الثوري، وحملتهم إلى حيث يجب عليهم أن يكونوا رجال الله في الدّفاع عن دينه، وعباده الذين رضِيَ لهم القدوم إليه ملبّين نداءه، كلما سقط منهم شهداء، احتشد أهلهم وأحبّاؤهم لوداعهم، ومع بزوغ فجر جديد من المقاومة، كبرت حشود الثوار حول قيادتها، وازدادت أعدادهم يوما بعد يوم، وربى سيل الثورة أمواجا بشرية متلاطمة، صادمة بحضورها جلاوزة النظام الشاهنشاهي المُرْبكين أمام بركان ثورة لم يعهدوا ضخامته وقوة اندفاعه أمام مختلف أنواع الأسلحة.
لم يغب عن قائد الثورة الاسلامية منذ أن شعر نظام الشاه وأجهزته الاستخبارية والقمعية السافاك بخطره الالتفات إلى ضرورة تشكيل حزام من العلماء العاملين والمؤمنين بمشروعه الثوري فكانوا حلقة الوصل بينه وبين شعبه، وهو يعيش في منفاه الأساسي بالنجف الأشرف، حيث قضى فيها أربعة عشرة عاما، اشتغل فيها بالتواصل مع قواعده في إيران عبر وكلائه وتلاميذه، الذين لم يقصّروا في هذا المجال، رغم المخاطر الشديدة التي اعترضتهم، فبذلوا قصارى جهودهم في تبليغ شعبهم بكل بيانات ونصائح الإمام، إلى أن تمت صفقة إبعاده من العراق بين صدام والشاه، عندما انتاب صدام نفسه نفس الشعور بالخطر، من وجود الإمام الخميني في العراق، سيؤثر على الشيعة العراقيين علماء وقواعد، ومن المؤكد أن المخابرات العراقية هي التي أوعزت له بموافقة الشاه على طلبه، في إبعاد الإمام الخميني إلى خارج العراق.
رحلة الأمل والرّجاء التي تطلّع إليها الشعب الإيراني وهو في أوج صراعه مع جلّاديه من نظام الشّاه، تُعًبرُ فريدة في زماننا، ومن عادة الشعوب المتحررة، أن تختم ثوراتها بحلول القائد بين جماهيره، ليعبّروا عن فرحتهم بذلك اليوم – إذا استثنينا الثورة الكوبية – لكنّها بالنّسبة لإيران كانت مختلفة تماما، حيث كان قرار القائد العودة إلى بلاده صائبا، عبّر فيه الإمام الخميني رضوان الله عليه عن موقف قائد حكيم، مؤمن بقدرته الخارقة على قيادة شعب في ثورته، حتى يوصلها برّ الأمان، شعب وفيّ آمن به مصْلِحا ليس لإيران وحدها، وإنما للعالم الإسلامي أيضا، من خلال اهتمامه بمظلومية الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته وينسحب ذلك على مستضعفي العالم بأسره.
وحركة الإمام الخميني الإلتحاق بأبنائه الثوار، كانت مفاجئة للعالم، ولكنها لم تكن مفاجأة للشعب الإيراني الذي خبِرَ قائده وعرف مدى شجاعته، وكانت جموعه المليونية الزاحفة نحو مطار العاصمة طهران، خير دليل على إيمانها به، وتمسّكها بشخصه قائدا تاريخيا لثورته الإسلامية، تراه المنقذ لإيران من حقبة تبعية لأعداء دينه حان وقت قطعها وتغييرها.
وجهة الإمام الخميني الأولى بعد نزوله إلى طهران هي مقبرة الشهداء التي حل بها بصعوبة نظرا لكثافة الحضور الجماهيري من حوله وقد سُدّت الطرقات المؤدّية اليها، وكان المشهد يفوق وصف الصحافة العالمية، وذهول مراسليها أمام طوفان بشري، عجزت كاميراتهم عن احتواء انتشار ثلاثة ملايين عاشق ومحبّ، هزهم الشوق إلى رؤية قائدهم من جديد، بنفس فكر التحدّي الذي أعلنه للشاه في معارضته الأولى له.
مقبرة الشهداء (بهشتي زهراء) التي كانت قبلة الإمام الخميني ومحطّته الأولى، هي تعبير منه على قداسة هؤلاء الأبرار، الذين قضوا بساحات المواجهة في سبيل أن تتحرر إيران، من نظام فاسد عميل، وتحديد خطابه المتحدّي لنظام الشاه، منطلقا لعشرة فجر تحرّر شعب، أنهكه نظام لم يراعي له حرمة، ولا أقام له وزنا، تابعها العالم الإسلامي وبقيّة العالم باهتمام كبير، إلى أن (تمّت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته)(1)
ولا أجد أبلغ تعبيرا عن شخص الإمام الخميني، ما قاله بشأنه الصحافي الكبير المرحوم محمد حسنين هيكل: (الخميني رصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي، لتستقر في قلب القرن العشرين)(2) وهي في الواقع رصاصة لا تزال تخترق الزمن، حتى ظهور صاحب حركة التمهيد، التي بدأها الإمام الخميني، ليوصلها أبناؤه وخليفته المؤمّن على المسيرة المظفرة المباركة، إلى المولى صاحب العصر والزمان.
المراجع
1 – سورة الأنعام الآية 115
“الامام الخميني” القائد القدوة 2 –
https://ar.mehrnews.com/news/1915094/