يعود أصل هذا الكتاب إلى ندوة تم تنظيمها من قبل “منتدى التفكير في الحراك العربي” بمشاركة نادي علم الاجتماع والأنثربولوجيا بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس يوم 7 مارس 2015. وقام الأستاذ الأستاذ عادل بالكحلة، منسق الندوة، بجمع مادته التي تتكوّن من مجموعة من الورقات البحثية والشهادات والحوارات ذات التخصصات المتعددة.
ولكن من سوء الحظ أن هذا العمل الجماعي تأخر كثيرا نظرا لإخلال الكثير من المختصين في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية بوعدهم لنا بإنجاز ورقاتهم، الواحد بعد الآخر، ولعدم تعاون الوزارة الأولى ووزارة التجارة و وزارة التنمية الجهوية والتعاون الدولي و وزارة الخارجية و وزارة الداخلية، بتونس، لمدنا بالإحصائيات والمعلومات الضرورية لورقاتنا، ثم لإخلال الكثير من الناشرين بتحمل أعباء هذا الكتاب، مما اضطرنا لطبعه على نفقتنا.
ونحن نعتذر اعتذارا شديدا لتأخر صدور هذا العمل، لأننا نعتبره وسيلة من وسائل الدفاع عن سوريا، بل وسيلة للدفاع عن تونس الحقيقية التي تعتز بشهدائها في فلسطين ولبنان وضباطها الذين انخرطوا في الجيش العربي السوري منذ استقلال الجمهورية العربية السورية.
إن العلاقات بين بلاد المغرب وبلاد الشام عريقة جدا، منذ الحضور التجاري لأهل صور، إلى اقتبال الكتاميين لنخبة مثقفة من مدينة حماة، إلى رحلات بعض مفكري النهضة الشاميين لتونس والجزائر، فلجوء الكثير من الناشطين والمثقفين والمناضلين من البلدين إلى دمشق( ولعل أشهرهم عبد القادر الجزائري وعبد العزيز الثعالبي…). فلسوريا المعاصرة فضل كبير على التونسيين والجزائريين اقتصاديا وسياسيا ودراسيا ومعرفيا ودفاعا عن الذات العربية-الإسلامية.
لقد كانت الحرب العالمية على سوريا واستغلال الكثير من القاصرين والمراهقين التونسيين وقودا لتلك الحرب صدمتين غير متوقعتين لنا. فكانت هذه الندوة بحضور الطلبة والأساتذة من جامعة تونس، تأكيدا جديدا لعرفان أكثر التونسيين بالجميل للجمهورية العربية السورية، وكشفا علميا وموضوعيا لوقائع ذلك.
من المعلوم إن هذا العمل الجماعي في البحث العلمي عبر مشاركة عدد من الباحثين من ذوي الاختصاصات العلمية المختلفة يعد إنجازا مهما ومطلبا معرفيا في تحقيق التكامل والتوثيق لمختلف جوانب موضوع الندوة التي تناولت العلاقات التونسية السورية، سواء في جانبها التاريخي أو في مستوى وضعها الرّاهن والمستجد ما بعد 2011. فقد أصبحت الأزمات السياسية والديبلوماسية بين الدول تشكل ظواهر علمية تزخر بالكثير من نقاط البحث وتحتمل زوايا نظر وتدقيق متعدّدة، لأن هذه الأزمات ليست ثابتة وليست ذات طبيعة واحدة، إذ تختلف باختلاف ظروفها وأسبابها وبحسب تغير سياقاتها الزمكانية.
نؤكّد أنّه من الصعب الإلمام في ندوة أو كتاب بمختلف أبعاد العلاقات التاريخية بين تونس وسوريا ومعرفة آلياتها المعلنة والخفية في مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما إن النظرة العابرة للأحداث العربية الرّاهنة ولدت أخطاء سياسية وانحرافات في العلاقات السياسية والديبلوماسية نتيجة الأحكام الارتجالية والازدواجية في المواقف التي سلكتها بعض الأنظمة العربية تجاه الدولة السورية التي أعادت ترتيب العلاقات بين سورية وأشقائها العرب وفق مصالح الأعداء. ونتيجة سوء التقدير وانخراط بعض الأنظمة العربية والقوى السياسية الرجعية في صفقات السمسرة السياسية والحرب الناعمة على عدد من الأقطار العربية مثل: ليبيا وسوريا، بالوكالة، حتى سقطت الأمة كلها ضحية للخطة التقسيمية الاستعمارية الجديدة.
بدأنا عرض مضامين عملنا الجماعي هذا بمقال افتتاحي للباحث الإناسي عادل بالكَحْلة أطر فيه مجمل ما يكتنف العلاقات التونسية-السورية، في العمق التاريخي، وفي الراهن الاقتصادي، وخاصة في أتون الحرب العالمية على سوريا وعلى محور المقاومة. ثم انقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة محاور بحسب مدارات الاهتمام التي بحثت فيها الورقات ومشاركات الباحثين فيه. فقد اهتم المحور الأول بالإرث التاريخي لطبيعة العلاقات التونسية السورية المعاصرة في مختلف مستوياتها مع المؤرخين سالم الحداد وعبد القادر النقبي.
أما المحور الثاني فقد اهتمت ورقاته بالبحث في أسباب الأزمة التي شهدتها العلاقات السياسية والديبلوماسية في ظل التحولات الإقليمية والعربية والعالمية لما بعد 2011 ومعالمها وآثارها. فمع عالم الاجتماع مصباح الشيباني تناولنا عسكرة الدبلوماسية التونسية آنئذ في سياق الاستلاب السّيادي. أما الباحث في العلاقات الدولية رياض الصيداوي، فقد تناول دعم الاخوان المسلمين التونسيين للارهاب العالمي في سوريا. أما المختص في الحضارة العربية الاسلامية بوجهها القانوني، الباحث عبد الجليل عمران، فقد عرض للجانب القانوني لقطع العلاقات التونسية السورية. وأما الباحثة في الديمغرافيا، هاجر عرايسية فقد درست حالة اللاجئين السوريين بتونس في ظل أزمة الكورونا.
بينما تضمن المحور الثالث مجموعة من الشهادات للموظف التونسي بالسفارة التونسية بدمشق محمد الصالح الأحمدي، عارضا فيها حيثيات قطع العلاقة الدبلوماسية مع الدولة السورية. وقد ضمنا كتابنا حوارات مع عدد من الفاعلين السياسيين التونسيين والسوريين حول العلاقة بين تونس وسوريا في ظل هذه الحرب العالمية على سوريا، للناشط المدني المشارك في بعثة جامعة الدول العربية إلى سوريا: أحمد المناعي، والأديب السوري المقيم في تونس: هادي دانيال، وسفير تونس الأسبق بسوريا: الهادي بن نصر. وقد جمع ملحق كتابنا بعض آخر الاتفاقيات الاقتصادية التونسية السورية.
المنسق: د. عادل بالكَحْلة
المُراجع: د. مصباح الشيباني