الإثنين , 25 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

قـِوَى الرِدّة.. تعمل على الشدّ إلى الوراء وتجويع الشّعب!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تعيش تونس اليوم حالة فريدة من كوكتيل عجيب من التناقضات ما بين طبقة سياسية فاسدة متآمرة مع أعداء شعبها سرقت أموال الشّعب واستعملتها لأغراض سياسية و إنتخابية ، وبين فئة أخرى مقاومة مجاهدة سطرت أعظم انتصارات في تاريخ تونس بإنهاء حكم الإخوان و دستورهم و برلمانهم و حكومتهم العاجزة..، قبلت الفئة الفاسدة أن تتآمر مع الأعداء في الخارج و الداخل لتجويع الشعب بأكمله لتركيعه ، لكن تونس و شعبها العظيم لن يركعا وستنقلب الدائرة على الفاسدين عاجلاً أم آجلاً .. و بالتالي نحن اليوم أمام عمليّة تجويع ممنهجة واستثمار في تجويع الشّعب للسيطرة عليه..لم تستوعب طغمة الفساد حتى الآن؛ الرسالة المدويّة الواضحة التي تقضي بأن يندثر النظام السياسي القديم ويُكنس بإرادة شعبية و فضح و محاسبة الفاسدين و المتمعّشين من نظام فاسد ، لأنّ هؤلاء يرفضون الديمقراطية التي فُرضت عليهم فرضا، فهُم لم يعرفوا العدل واحترام القانون والشفافية في تسيير الدولة، عشر سنوات تُدار الدولة بمنطق الغنيمة والولاءات والمصالح والانتهازية، والتموقع ضمن معسكر الفساد السياسي والمالي والإعلامي، ومناصرة دولة الفئات المتنفذة والإقطاعية السياسية، وواجهاتها الإعلامية التي تلهث وراء الارتزاق والتكسب.. تونس تتحرر من جديد بوجود الأحرار والصادقين من أبناء هذا الوطن العزيز، صفحة مشرقة في تاريخ البلاد، يفتخر بها كل من دعم المشروع الوطني الديمقراطي التحرري، وآمن بسلطة القيم و العدالة الاجتماعية ، ومشروعية الأخلاق الإنسانية في دولة القانون و إرساء ديمقراطية حقيقية.. كل الظروف الآن مهيأة لدعم المسار التصحيحي و لا يمكن لأحد الدفاع عن فكرة الرجوع إلى الوراء و إغتصاب إرادة الشّعب..

لا يمكن للشعب أن يدفع ثمن جرائم مجموعة منحرفة كانت تمسك القرار وتدير البلاد بشكل تعسفي ظالم، فأخطاؤهم ليست أخطاء الناس، وجرائمهم ليست جرائم الناس، وقراراتهم ليست قرار الناس والشعب، ببساطة لأنهم طغمة فاسدة.. استهتار هذه الطغمة الفاسدة بالناس، وبهذه الأساليب الفجّة والعنجهية، و التحيل والفساد و الإنحراف بمسار الثورة و أهدافها ، عوامل ولّدت قناعة راسخة لدى التونسيين بأن تحقيق الإصلاحات لا يتحقق عبر هذه المنظومة الساقطة وبرلمانها المزوّر، ولا عبر دستورها الملغوم أو قضائها والمُسيّس (بإستثناء بعض القضاة الشرفاء) ، ولا عبر المرجعيات الدينية المتسترة على الفساد والفاسدين، الأمر الذي منح الإنتفاضة الشعبيّة مشروعيتها، ودفع كل فئات الشعب للاشتراك فيها، والانضواء تحت لوائها، ووسع من حجم الدعم والإسناد لها، والالتفاف حول أهدافها التي تلبي طموحات التونسيين كافة، بكل أطيافهم وقومياتهم وفئاتهم السياسية والاجتماعية، لإسقاط النظام السياسي الفاسد و المنظومة السياسية الفاشلة، و تصحيح مسار الثورة التي انقلب عليها الاخوان،و لإحداث التغيير العميق في حياة التونسيين، وفتح أفق سياسي جديد بعد عشريّة سوداء اختطفت فيها تونس من قبل جماعة من اللصوص والعملاء يديرونها لحسابهم الخاص عن طريق واجهة سياسية فاسدة لا تعبأ بأرواح التونسيين ومستقبلهم وسيادة وطنهم بقدر اهتمامها بخدمة مصالحها ومصالح الطغمة المالية الفاسدة المشرفة عليها في الداخل ودوائر الهيمنة في الخارج..

منظومة الخراب الساقطة وإن كان هناك الكثير من السّقط لم تسقط حتى الآن فما زالت عروقها تضرب في كل المؤسسات وما زالت أذرعتها تتحرك هنا وهناك، تحركها مافيا من المنتفعين من منظومة العشريّة السّوداء و المتمعّشين من المنظومة السياسية الساقطة ، و العديد من مفاصل الدولة لا تزال تحت قبضة المافيا واللوبيات وحركة النهضة وحلفاءها الذين لايزالون فاعلين ومتواجدين في عالم المال والاعمال والتوزيع في كل مفاصل الدولة عموما.. تلك الطبقة أو الفئات والتي يجمعها مسمّى منظومة حكم اللصوص ترفض بل تنشب مخالبها بأي مشاريع تغييرية و ترفض إرساء دولة القانون و تخشى المحاسبة ، كونها ستقضي على مصالحهم ومن الطبيعي أن ينظروا إلى هذه البلاد بأنها إقطاعية يملكونها هم وأبناؤهم و من لفّ لفّهم ، وما الشعب إلاّ عبدًا لهم مسخرًا لخدمتهم وخدمة أولادهم وأزلامهم.. و إن غاية هؤلاء الوحيدة هي إسقاط مسار 25 جويلية ، عبر كل الأساليب والأدوات بما فيها شنّ الحرب على قوت الشعب التونسي وهو ما تجسّد في الارتفاع الجنوني في الاسعار ، علاوة على تعمّد سحب مواد أساسية من السوق عادة ما تكون محلّ متابعة من السلطات …، وهو ما يؤكد مجددا أن المنظومة السابقة هي من تتحكم في المجال الاقتصادي والتجاري.. و ما يحدث اليوم ليس من الظواهر التي تعكس الجشع والربح غير المشروع، بل هي شبكات منظمة الهدف منها تجويع المواطنين وضرب السلم الأهلية لغايات سياسية مفضوحة لا تخفى على أحد.. إنّ قوى الردّة بما تضمّه من رجال الأعمال الفاسدين والمناوئين لمسار الإصلاح الذي يخطوه الرئيس قيس سعيّد يريدون دفع المواطنين نحو الانفجار الاجتماعي عبر تهديدهم في قوتهم من خلال الزيادات في الأسعار و إحتكار المواد الأساسية .. و على وزارة التجارة فرض المزيد من الرقابة والضرب بيد من حديد على كل من يمارس المضاربة والإحتكار، و ردع المحتكرين من أجل إعادة التوازن للأسواق وإستقرار الأسعار..و على الحكومة و أجهزتها إطلاق عملية إنقاذ اقتصادي تُنهى سياسة المنظومة المنهارة، بإتجاه خطة إنقاذ البلاد من منظومة التدمير الممنهج ، و السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة التي لم تكن سوى واجهة لحكم بارونات المافيا بقيادة حركة النهضة وحلفائها.. الإصلاح العميق هو أول شروط النجاح.. و تصحيح المسار في تونس لن ينجح دون محاسبة الفاسدين و تنقية الحياة السياسية و القيام بإصلاحات سياسية عميقة و إصلاحات عاجلة اقتصادية وتنموية واجتماعية، تضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وعليه، نرى أن الأهم من الإصلاحات السياسية المرتقبة، أو تغيير نظام الحكم، الذي بات ضروريًا، هو أن تعمل الحكومة، بشكل جاد وسريع، على إيجاد حلول عاجلة لإنعاش الاقتصاد المتعثر ومكافحة الفساد، والتصدي للفاسدين و المحتكرين و المتستّرين على المفسدين و التصدي لسياسة التجويع الممنهجة و التنكيل بالشّعب فهي لا تعبر إلاّ عن الإنحطاط الأخلاقي والسياسي الذي وصلت إليه لوبيات الفساد و من يقف خلفهم.. لابدّ من وضع حدّ لعبث المافيا ووضع حدّ لسياسات تجويع الشعب التونسي ومحاسبة كلّ من تورّط في التنكيل بالتونسيين ونهب مقدراتهم وتدمير اقتصادهم وبيع قرارهم الوطني.. طيلة السنوات العشر الماضية منظومة حكم اللصوص نهبت خيرات البلاد وثرواته دون رادع ، و تُملي علينا سياسات سدّ عجز المديونية التي نهبوها أصلاً جراء سياسات الفساد والسياسات الحمقاء ، قلة تسرق المال وأغلبية مطالبة بتسديده .. فأي وطن هذا !!

إن هذا التدني السياسي و الأخلاق و المناورات السياسية تؤكد أن الوجوه السياسية ليسوا معارضين لقرارات رئيس الجمهورية كما يزعمون وإنما هم حفنة باعت نفسها وباعت وطنها لمن يدفع أكثر حيث لا مبدأ يجمعهم ولا عقيدة توحدهم وإنّما يوحدهم ويجمعهم مرض الحقد والكراهية ضد تونس.. نحن أمام أُناس لا ولاء لهم إلاّ لعواصف الفوضى و الغنيمة التى شاركوا فى هبوبها على تونس قبل الـــــ 25 جويلية ومازالوا يحلمون بعودة هذه الرياح العاصفة لكي ينساقوا في ركابها مجددا مع أن كل الشواهد تؤكد لكل ذي عينين استحالة أن يحل الظلام بدلاً من النور أو أن ينتصر الشر على الخير مرة أخري، بعد أن استوعب التونسيون كل دروس الفوضى والخراب والانهيار التي واكبت فترة العشريّة السّوداء، بل إنني أعتقد أنهم سوف يعاودون فتح أسواق جديدة لبيع الأوهام وعرض بضاعة جديدة بتجار جدد تحت وهم الاعتقاد بأنهم ربما يتمكنون من اختراق جدار الوعى للتونسيين ومن ثم يحلمون بأن تمكنهم رياح الفتنة والتحريض من إطفاء شموع الأمل المضاءة على طول وعرض البلاد بعد تحرير تونس من مختطفيها ، أعتقد أن مخزون قوة الوعى عند التونسيين هو الضامن الأكبر لبناء قدرة الإجهاض ضدّ هذه المحاولات الصبيانية المتكررة مهما تتعدد المناورات وتتجدد الرهانات عند الذين يحركون هذه الدمى ويحرضونهم على الدولة و شعبها..

اليوم و أكثر من أي وقت مضى، تبدو الحاجة إلى وحدة سياسية_شعبية في الوقت الراهن أكثر إلحاحاً وضرورة عاجلة ينبغي الوصول إليها ، لابدّ من التحصين والتطويق الذاتي عبر الإستثمار في توحيد صفوف مختلف القوى والمكونات السياسيّة و الشعبيّة داعمي إنتفاضة 17-25 تحت مظلّة واحدة، والتنسيق في المواقف والتوافق في الآراء، لرسم ملامح المرحلة الانتقالية و لإنجاح الإستحقاقات القادمة ، بغية الوصول إلى تونس الجديدة ويمكن لموازين القوى الجديدة أن تعطي دفعة قوية للشّعب التونسي للمشاركة في الإنتخابات القادمة.. و قطع الطريق أمام المتربصين و قوى الردّة و رُعاتهم في الداخل و الخارج .. إنّ الهدف المنشود الآن هو أن نعيد للدولة هيبتها و للشعب سيادته لنستطيع بالفعل أن نجعل الهدف أكبر من كل الأزمات فإذا انتصرنا سيعكس ذلك لنا القدرة على العبور من المستحيل، و أننا قادرون على الخروج من هذه الأزمة لننجو من تلك الأزمات ونبني بأنفسنا قوة حقيقية وإرادة تمكننا من تحقيق المستحيل بإرادة التونسيين لبناء دولة المواطن وسيادة القانون ، تونس اليوم تواجه تحديات متعددة في الداخل والخارج، هذه المرحلة هي مرحلة الوقوف مع تونس الجديدة لتعبر من الأزمة التي وُضعت بها وعاشتها منذ 2011، زمن ما عُرِف زوراً بالربيع العربي.. اليوم هو يوم الوقوف مع الدولة التونسية لتعبر إلى برّ الأمان.. ننتظم لننتصر…

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024