أعتبر البقاء ضمن منظمات دولية، مهما كانت صبغتها ونشاطها، أسّسها الإستعمار الفرنسي أو البريطاني، هو تعبير عن الخضوع له، ونوع من الإستلاب السياسي والفكري، وطالما أنّ الاستقلال والتحرّر من ربقة الإستعمار، يتوجّب الخلاص من كل متعلّقات العلاقة به، بل إنّ على هؤلاء المستعمرين أن يعيدوا للشعوب المنتهكة حقوقها المنهوبة من خيراتها ومواردها، وبعد الإعتذار مما ارتكبته قواتهم، يأتي التعامل معهم على قدم المساواة.
تجري الإستعدادات في تونس، وتحديدا بجزيرة جربة السياحية، لإقامة القمّة الفرنكوفونية بعد تكرار تأخير انعقادها بسبب جائحة كورونا، و(بعد انقضاء 52 عاما على إنشاء المنظمة الدولية للفرنكوفونية، تحتضن الجمهورية التونسية، وهي عضو مؤسس للمنظمة، المؤتمر الثامن عشر لرؤساء الدول والحكومات التي تشترك في استخدام اللغة الفرنسية، والذي يطلق عليه إسم القمة الفرنكوفونية.
وتنعقد القمة في جزيرة جربة يومي 19 و20 نوفمبر 2022 لتدارس موضوع “التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني”. وتتزامن هذه القمة الفرنكوفونية الثامنة عشرة مع موعد الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء وكالة التعاون الثقافي والتقني، التي تمّ إحداثها يوم 20 مارس سنة 1970، وأطلق عليها لاحقا اسم المنظمة الدولية للفرنكوفونية. (1)
تزامن هذه القمة مع ظهور تململ من الإنتماء الفرنكوفوني، صدر من عدد من الدول الإفريقية، فعلى سبيل المثال فاجأتنا حكومة مالي بموقف وطنيّ يستحق التقدير والإعجاب – إذا لم يكن مدفوعا من طرف دولة استعمارية أخرى كأمريكا وبريطانيا التي تتنافس مع فرنسا في السيطرة على الدول والشعوب الإفريقية- فقد دعت الحكومة المالية فرنسا الى سحب قواتها من مالي دون قيد أو شرط(2) واليوم دعا وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب الثلاثاء في مجلس الأمن إلى عقد جلسة خاصة بشأن فرنسا، متهما باريس بـ”الإنتهاكات المتكررة للمجال الجوي المالي” و”الإزدواجية والتجسس وزعزعة الإستقرار”.(3)
إنّ ما خلّفه الاستعمار الفرنسي من آثار سلبية تمثلت في ارتكابه سلسلة من الجرائم بحق الشعوب المستعمرة في افريقيا جعل كل مبادرة تأتي من ساسته مهما كانت في ظاهرها تبدو طيبة ففي داخلها يجب الاعتقاد بأنه فيها استغلال ودونية عُرفتْ بها الدولة الفرنسية المبنية على العنصرية وهي حاملة شعار (حرية أخوة مساواة)، ترى نفسها بلد تسويق الديمقراطية وتعتقد أنّ لها أهلية الاشراف على دول وشعوب العالم خصوصا مستعمراتها القديمة، وهذا من أخطر ما تتعامل به الإيليزيه وحاكمها ماكرون ومن سبقه في الحكم.
وتضم منظمة الفرنكفونية 55 دولة عضوا كانت من مستعمرات فرنسا سابقا، وإلى جانب 13 دولة لها صفة مراقب. وبالإضافة إلى المستعمرات الفرنسية القديمة تضم المنظمة دولا مثل بلجيكا ولوكسمبورغ ومقاطعة الكيبك Québecالكندية. وقد تأسست يوم 20 مارس/ آذار 1970، لذلك صار هذا اليوم يوما عالميا للاحتفال بالفرانكوفونية.(4) وأضعف الإيمان بتونس أن تراجع الحكومة تاريخ عيد الاستقلال حتى لا يصادف يوم الفرنكوفونية.
أمّ القمة الفرنكوفونية، فهي لقاءات رؤساء دول البلدان العضوة في المنظمة الدولية للفرنكوفونية، تقام هذه القمم منذ سنة 1986 كل سنتين، أثناء هذه القمم، يقوم رؤساء الدول أو الحكومات بالتحدث والنقاش في السياسة الدولية، والإقتصاد الدولي، التعاون بين الناطقين بالفرنسية، وكذلك حقوق الإنسان، التعليم، الثقافة، والديمقراطية. (5)
الغاية الفرنسية التي نبعت من فكرة الفرنكوفونية، هي مواصلة الهيمنة على دول مستعمرتها، بطرق وأشكال مدنيّة مختلفة، سياسيا بجعْلها تحت تأثير إدارتها السياسية للعالم، لا تخرج بأيّ حال عن مسارها، واقتصاديا باستغلال مواردها الطبيعية والبشرية، بما يجعل مصانعها الكبرى تعمل لتكون أسواق الدول الناطقة بالفرنسية وِجْهات عرضها واستهلاكها، وهذا ما جعل أحرار افريقيا يعبّرون كل من جهته، على رفضه لسياسات فرنسا الإستعمارية، والتي لم تتغير أبدا.
وما نشاهده اليوم من تغيير جيو سياسي في بعض البلدان الإفريقية، جاء نتيجة متوقعة رافضة لاستمرار بلدانهم الإنقياد لفرنسا، ومواصلة أسلوب تحكمها فيهم، ف(الإنقلابات التي نراها تتعدّد (مالي ثم بوركينا فاسو الواقعتان ضمن دائرة نفوذ فرنسا، وأخيراً محاولة غينيا بيساو، الغنية بالنفط والواقعة تحت تأثير شركة “توتال” النفطية الفرنسية أخيراً)، تعبّر عن ترجمة فعلية، رفض الأفارقة لسياسات فرنسا الإقتصادية والدّفاعية، على وجه الخصوص، وهي ترجمة فعلية، أيضاً، لأصوات باتت ترتفع في أفريقيا، أن كفى ما جَنَتْه فرنسا علينا من مظالم، وقد كان لبعضها وقع وصدى في القمّة الفرنسية الأفريقية منتصف العام الماضي (2021)، واجتمع الرئيس ماكرون بممثلين عن المجتمع المدني الأفريقي، حيث تم التّعبير عن وجوب اعتذار فرنسا عن تلك السياسات، بل وتعويض الأفارقة عن تداعياتها عليهم جراء التخلف، والفشل والفقر، بل والصّراعات/ الحروب وهي الشعارات، ذاتها، التي ارتفع صداها، منذ أعوام، في أكثر من دولة أفريقية، تتحدث، كلها، عن وجوب انسحاب فرنسا من القارة، وتوقفها عن استنزاف مواردها.(6)
من خلال ما تقدّم يظهر أننا مقبلون على صحوة سياسية إفريقية، من شأنها أن تسحب البساط من تحت هيمنة فرنسا على مستعمراتها القديمة، وقد افتتحت المزاد مالي وبوركينا في انتظار وطنيين آخرين يلتحقون بهما، ليشكلوا معا حائط صد متين، يحول دون استغلال فرنسي جديد، لبلدان نهبتْها هيمنة استعمارية عنصرية مجرمة، وإن ادّعى أهلها بأنهم حملة مدنيّة وأهل تقدّم، بينما هم حملة تفقير أفريقيا ونهب مواردها الطبيعية.
لذلك أقول إن بقاء تونس تحت مظلة الفرنكوفونية، هو خطأ يجب أن يقع إصلاحه، فليست الفرنسية سوى لغة انتماء استعماري، ليس من المنطق الإستمرار عليه، واستبدال الفرنسية بالأقليزية أصبح مطلبا عقلائيا مُلحّا اليوم، باعتبارها لغة التقنيات والعلوم الأولى، دون أن ننسى بأنه آن الأوان للإهتمام أكثر باللغة الأمّ العربية، فيكفيها خذلانا إهمال أجيالنا المتعاقبة لها، حتى عجزت عن مواكبة تطورات العصر الحديث.
من كان يعتقد أن هذه المنظمة هي سبيل نجاح من انتسب إليها فهو واهم، بل لو راجع سياساتها منذ تاسيسها وجد فيها مصلحة فرنسية وعقما دون ذلك.
وأخيرا أقول لإخواننا الأفارقة: إقطعوا مع من سامكم العذاب، وإمتهنكم ونهب خيراتكم، فاستقلالكم اليوم، مرتهن بالخروج من هذه المنظمة المشبوهة، إلى فضاء العالم الرحب، توجّهوا شرقا إلى الصين الشعبية، فهي الأولى إقتصاديا اليوم في العالم، وذات مبادئ تأسست من ثورة عمالية كبرى، تعاملوا معها بندّية فسياساتها قائمة على ذلك الأساس، وهي ليست بسوء ثعالب الغرب المكّارة وإضماراتها الخبيثة.
المراجع
1 – القمة الفرنكوفونية: تونس قبلة 88 دولة عضو في المنظمة الدولية للفرنكوفونية يومي 19 و20 نوفمبر
https://www.shemsfm.net/amp/ar/383689/
2 – مالي تطلب من فرنسا سحب جنودها من البلاد بدون تأخير
https://www.swissinfo.ch/ara/47360516
3 – مالي تتهم فرنسا بـ”الانتهاكات المتكررة” لمجالها الجوي و”الازدواجية والتجسس وزعزعة الاستقرار”
https://www.france24.com/ar/
4 – المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية https://ar.wikipedia.org/wiki/
5 – القمة الفرنكوفونية https://ar.wikipedia.org/wiki/
6 – كيف أبقت فرنسا إفريقيا مستعمره تابعة لها تمتص خيراتها ليل نهار
https://www.alwihdainfo.com/a113697.html