شأنهم شأن الكثير من المتابعين، يحرص مشجعو كرة القدم الإسرائيليون على متابعة مباريات كأس العالم، ويرغب كثيرٌ منهم في السفر إلى قطر لحضور المبارايات في الأندية والملاعب، وتشجيع فرقهم الرياضية التي يحبونها، وألا يكتفوا بتأييدها من خلف الشاشات، أو معرفة أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أعلن الاتحاد الرياضي الإسرائيلي أن آلافاً من المستوطنين قد اشتروا بطاقات دخول، رغم علمهم أن هناك إشكالياتٌ كثيرة وعوائق تحول دون سهولة دخولهم إلى قطر ومتابعتهم المباريات فيها، إلا أن ذلك لم يمنعهم من شراء بطاقاتٍ ودفع أثمان كبيرة لبعضها.
على الرغم من وجود علاقات مشتبهة بين الدوحة وتل أبيب، واتصالاتٍ مباشرة وغير مباشرة بينهما، إلا أن قطر تعلن أنها لا تعترف بالكيان الصهيوني، ولا تطبع العلاقات معه، وترفض تسيير رحلات مباشرة بين الدوحة وتل أبيب، وبغض النظر عن الدعوى القطرية، وما إذا كانت صحيحة أو مخالفة للحقيقة والواقع، فإن مشاكل كثيرة قد وقعت بين الجانبين خلال فترة الإعداد للمونديال، شارك في بعضها الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، في محاولةٍ منه لحل المشاكل وتذليل الصعاب بين الطرفين، خاصةً ما يتعلق منها بدخول الإسرائيليين إلى قطر لمتابعة المباريات، والشروط التي وضعتها لتيسير دخولهم إليها.
لكن قطر لم تتمكن من فرض شروطها بالكامل ولا تستطيع ذلك لو أرادت، إذ إنها تلتزم بشروط الاتحاد الدولي لكرة القدم، وتتعهد بتسهيل دخول الراغبين في متابعة المونديال أياً كانت جنسياتهم والدول التي يأتون منها، ولا تملك الحق في التضييق عليهم ورفض دخولهم، وإلا ما كان لها أن تستضيف مباريات كأس العالم، ولعلها تضحي بالكثير من ثوابتها وتتنازل عن العديد من شروطها أمام فرصة استضافتها للمونديال، فهذا شرفٌ عملت لأجله طويلاً وضحت في سبيله كثيراً.
وقد رحب كلٌ من رئيس الحكومة المنصرف يائير لابيد، والمكلف بنيامين نتنياهو بحضور الإسرائيليين مباريات كأس العالم في رحلاتٍ مباشرة، وذكر لابيد الذي بذل فريقه جهوداً كبيرة مع قطر والفيفا للتوصل إلى حلولٍ عمليةٍ، وشكرهما على الصيغ المقترحة، أنه تم الاتفاق على فتح مكتب إسرائيلي في قطر لرعاية المشجعين الإسرائيليين، وكذلك رحب خلفه نتنياهو بحضور مستوطني كيانه مباريات كأس العالم، وأعرب عن سعادته البالغة بالرحلات المباشرة بين تل أبيب والدوحة، وتمنى للمشجعين الإسرائيليين تجربة كرة قدم رائعة.
لسنا ندري مدى صحة ما تسرب من أخبار، التي تقول بأن قطر قد حذرت الحكومة الإسرائيلية من مغبة التصعيد الأمني والعسكري في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة إبان فترة المونديال، وأنها تتطلع إلى فترة هدوء وعدم اعتداء إسرائيلي ضد الفلسطينيين، ليقينها أن الأوضاع في فلسطين المحتلة حساسة جداً، وأنها تؤثر على المزاج العربي والإسلامي كله، وتتسبب في ردود فعل واضطراباتٍ غير محسوبة، مما قد يؤثر سلباً على فعاليات المونديال، إلا هذا ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية ودولية.
لا شك أنها، شأنها شأن أي دولةٍ أخرى تستضيف مبارياتٍ أو اجتماعاتٍ دوليةٍ، تريد نجاح المونديال التي قاتلت لأجل الفوز به، وأنفقت مليارات الدولارات استعداداً لاستقباله، وبنت ملاعب جديدة، وشقت طرقاً، وأفردت مساكن، وأخلت فنادق، وتعاقدت مع دول الجوار والمناطق المحيطة، وعملت أقصى ما تستطيع لضمان نجاحها، واتفقت من كبريات شركات الأمن الأجنبية، المتخصصة في الأمن الاستباقي والميداني، للحيلولة دون وقوع أي خطأ من شأنه أن يتسبب في فشل المونديال.
لأجل ذلك يبدو أن الحكومة القطرية قد أبرمت عدداً من الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، تتعهد من طرفها بتسهيل دخول ومشاركة المشجعين والمتابعين الإسرائيليين، وضمان أمنهم وسلامتهم، وحمايتهم من أي اعتداءٍ عليهم، وتأمين رحلاتٍ مباشرة من تل أبيب إلى الدوحة، تقوم بها شركاتٌ خاصة يتم التعاقد معها بهذا الشأن، لمهمةٍ محددةٍ ولمرةٍ واحدة، وأملت قطر شروطها على الحكومة الإسرائيلية، وإلا ستكون مضطرة لإلغاء الرحلات المباشرة، وربما التضييق على دخول المستوطنين الإسرائيليين من أي دولةٍ يأتون منها.
تقدر الأوساط الرياضية الإسرائيلية أن قرابة 10.000 – 15.000 إسرائيلي قد يحضرون مباريات كأس العالم في الدوحة، إلا أن هذه الأرقام ترصد عدد الإسرائيليين الذين سيصلون الدوحة من تل أبيب مباشرة، ولا تشير إلى أن آلافاً آخرين من المشجعين الإسرائيليين قد يأتون من دولٍ أخرى سيحضرون المباريات، سواء ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية، أو من أولئك الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، علماً أن أغلب الإسرائيليين يتمتعون بجنسياتٍ مزدوجة، ويحملون أكثر من جواز سفر، وهو الأمر الذي يسهل عليهم دخول البلاد العربية بجنسياتهم الأجنبية.
كم كنا نتمنى على الحكومة القطرية أن تنتصر لفلسطين وأهلها، وأن تقف إلى جانبهم وتتضامن معهم، وتصر على شروطها بمنع المستوطنين الإسرائيليين من الدخول إليها وحضور المباريات الدولية فيها، وأن ترفض على الأقل تسيير رحلاتٍ مباشرةٍ بينها وبين الكيان، إن كانت لا تستطيع الوقوف في وجه الفيفا ومخالفة شروطها، أما وأنها قد سمحت لهم وأذنت بدخولهم، فلتسمح بالفعاليات الفلسطينية، ولتتيح المجال للفلسطينيين والمتضامنين معهم لاستغلال فترة المونديال في استعراض قضيتهم وبيان مظلوميتهم، وفضح الممارسات الإسرائيلية العدوانية ضدهم.