من كان متأثّرا أو موافقا لآراء الغرب الإستكبارية، بخصوص مواقفه المتّصلة بقضايا وحقوق شعوب عالمنا الثالث، خصوصا بلدانها التي استهدفها متعمّدا مدفوعا بعداوته لها، فليراجع موقفه الذي تبنّاه، حتى لا يكون قد استغفلته سياسات دوله الخبيثة، ومن تأثّر بغلواء ثقافته السقيمة، وتقارير إعلامه الذّميمة، فشأنه وما اختاره في دنياه، والرجال الأحرار ذوي بصيرة، يُعْرَفون بأفكارهم ومواقفهم الحاسمة، التي لا يخافون فيها لومة لائم، فيُمّيَّزون عن غيرهم من المُداهنين عبيد الدنيا، وتُبّع دول البغي والظلم.
إنّ ما جرى في إيران بصفة متواصلة خلال الشهور القليلة الماضية – وإيران مستهدفة من43 سنة في فكرها ونظامها الإسلاميين- يجعلنا نستبعد أيّ احتمال كونها عفوية وغير منظمة، فقد اكتسبت دول الغرب تجربة عملية، في تحريك الشعوب واستنهاضها – وتجربة الربيع العربي لا تزال ماثلة بقتامة ظلمة نتائجها – وقيادتها نحو الأهداف التي رسمها، ليجد فسحة جديدة في تعامل سياسي واقتصادي أمتن ترضاها الشعوب المخدوعة، بعد طي صفحات دكتاتوريات، كان الغرب يعوّل عليها في إطار هيمنته على دول العالم المستضعف، يمكننا أن نبني عليها تصورات منظومة العداء للإسلام المحمّدي الأصيل، الثابت على مرّ التاريخ، مصداق قول النبي (ص) (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة لا يضرهم من خالفهم.)(1) وفي حديث: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم.)(2)
إنّ من تأمّل هذا الحديث أمكنه أن يعرِف مقصد النبي (ص) من تلك الطائفة، فهي جزء من الأمّة كبُرت أو صغُرت، اعتبرها من اعتبر إيران ( بلاد فارس قديما)، وما قدّمته خلال 14 قرنا، من كبار المحدّثين والعلماء من مختلف العلوم، خصوصا علوم الإسلام والطبّ والفلك والحساب والكلام ( الفلسفة)، وازداد الأمر وضوحا في الثلث الأخير من القرن الماضي، عندما ثار الشعب الإيراني المسلم، وانتصر بقيادة عالم فقيه عارف، هو الإمام الخميني رضوان الله عليه، الذي دعاه إلى إقامة حكم الله في الأرض، على صيغة ولاية الفقيه الإسلامية، حيث أن دور الفقيه لا يقتصر فقط على إصدار الفتوى دون الحكم، بعد استخراجها من مصادرها التشريعية، بل وأيضا على الحكم بها وإنفاذها في المجتمع، مع السهر على أمن أفراده ومساواتهم في الحقوق والواجبات.
الطائفة التي قصدها النبي في إخباراته الغيبية، زادها توضيحا في حديثين متطابقين معنى جاءا تفسيرا لأسباب نزول آيتين كريمتين، قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قومكم ثم لا يكونوا أمثالكم) (3) فقد ذكر المفسرون والحفاظ بشأنهما أسباب نزولهما، عن ابي هريرة قال: تلا رسول الله (ص) الآية، فقالو: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله (ص) على منكب سلمان ثم قال: (هذا وقومه هذا وقومه.) (4) وقوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) (5) عن أبي هريرة أيضا في حديث: وضع رسول الله يده على سلمان ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء.) (6)
الغرب يعرف تماما حقيقة النظام الإسلامي في إيران، ولا يشكّ في محصّل قناعاته أبدا لكنه يخفيها عن شعوبه متظاهرا بأنه لا يعلمها، ويدرك قطعا بأن النظام الإيراني جادّ في مسعاه، لإعادة الإعتبار للإسلام، ليس في إيران وحدها، بل وفي العالم أيضا، وقد تعهّد بحمل قضاياه المصيرية على عاتق مسؤوليه، بدأ من المؤسس إلى القائم بالشأن بعده، لم يتغيّر مسارهم الذي خطُّوهُ لأنفسهم قيْدَ أُنْمُلَةٍ، وفي مقدّمتها قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي لم يبق له – وقد توضّحت الرؤية في السنوات الأخيرة – الآن سوى الله سبحانه وتعالى، وصمود مقاوميه في القطاع وصحوة الضفة معه، ودعم إيران الغير مشروط لهم بالأموال والأسلحة، وهذا ما أزعج دول الغرب وعملاؤهم في المنطقة العربية، وحملهم على معاداة إيران وبذل ما وسعهم من جهود مادّية ومعنوية، من أجل عرقلتها فيما مضت فيه من مشاريع، بيقين تام أنّها سوف تنجح، وما توفيق هذا النظام العتيد الّا بالله، ورجاله صادقي العهد والوعد.
مقابل ذلك يجهل بعض العرب شعوبا وحكومات، ويتجاهل البعض الآخر حقيقة إيران، فمن لم يقرأ جَهِل، ومن قرأ وتبيّنت له حقيقتها من خلال هذه النصوص القرآنية والنبويّة، ومع ذلك وقف ولم يعبّر عما قرأه بانتهاج سلوك غير معادٍ لها على الأقل، أمّا من لا يخافون في الله لومة لائم فستحْمِلْهُ مقاصدها إلى اعتمادها حكومة وشعبا، دولة يعتزّ بها ويناصرها كل مسلم غيور على مستقبل دينه وقضاياه العالقة، وعلى رأسها قطب قضايانا التحرّرية فلسطين الحبيبة.
ومنذ أن قام النظام الإسلامي في إيران واجه أعداءه الغربيين، أعداء الإسلام المحمّدي بمفرده، الذين حرّكوا أجهزة إعلامهم، في موجات متتابعة من الدعايات المغرضة والتشويهات والأكاذيب، ولولا مصداقيته وحسن نواياه لسقط من زمان، بدليل أن ما تعرضت له إيران منذ الإنتصار التاريخي العظيم الذي حققه شعبها العظيم، بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، من عدوان ومظالم متعاقبة تمثلت في العدوان العسكري الذي تحالف عليها الغرب ودول العرب العميلة له، والذي انتهى بانكسار العدوان وانتصار إيران، ولم تتقرر ادانة صدّام بانه المعتدي إلا بعد غزوه الكويت 2/8/ 1990 ، حينها اضطرت دوله المتحكمة في المنتظم الأممي للإعتراف بمسؤولية صدّام الكاملة في العدوان الذي أمر بشنّه على إيران سنة 1980، والذي تواصل ثماني سنوات أكلت فيها خيرة شباب الثورة الإسلامية.
بعدما يئست أمريكا ومعها تُبّعها من دول الغرب، من اسقاط النظام الإسلامي عسكريا، رغم استعانتها مادّيا بدول الجوار العربي، وأمولهم النفطية التي ذهبت هدرا، في الإفساد في الأرض، عوض تعميرها وإصلاحها، انتهجت أساليب أخرى في عرقلة نموّ المؤسّسات الإيرانية، بتسليط عقوبات إقتصادية جمّة عليها، لو سُلّط بعضها على نظام آخر لسقط بسرعة، فصمود هذا النظام بشعبه يؤكّد على حقيقة واحدة لم يعيها الغرب وأتباعه، وهي أن نظام وليّ الفقيه مستمرّ ولا خوف عليه، برعاية قوّة غيبية كبرى، هي الله سبحانه، الذي وعد بنصر من ينصر دينه، وقد كفى هؤلاء الشرفاء الأحرار هذا الباب وزيادة، فهنيئا لهم فيما وصلوا إليه.
دول الغرب مجتمعة بقيادة أمريكا، لم يعد لها ما تفعله من أجل إيقاف تقدم وسرعة نموّ إيران، في تجربتها الإسلامية الجديدة، من أجل بناء مجتمع الأمّة الصالحة، والامساك بنواصي العلوم النافعة وتقنياتها المتطورة، وامتلاك أسباب القوّة والمنعة الدفاعية والهجومية، في صدّ أي عدوان والردّ عليه، بقي لها فقط استعمال خبث بث الأكاذيب والإشاعات المغرضة، كآخر حلّ وهو الأضعف من بين حلقات العدوان على إيران، وسينتهي بكنس عملاء هذا الغرب الأفّاك.
المصادر
1 – مسلم كتاب الإيمان باب نزول عيسىج1ص95ح156/ البخاري كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي (ص) لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين/
2 – مسلم كتاب الإمارة باب قوله (ص) لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق/ سنن ابن ماجة المقدمة باب إتباع سنة رسول الله ج1ص48ح10/سنن أبي داود باب أول كتاب الفتن والملاحم ج4ص290ح4252
3 – سورة محمد الآية 38
4 – سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن باب سورة محمد ج5ص303ح3260
5 – سورة الجمعة الآية 3
6 – جامع أحاديث البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897