وسط العديد من المصاعب التي يعاني منها الفلسطينيون، يُعد انقطاع الكهرباء من أكثر المشاكل انتشارًا؛ والتي تؤثر بشكل مباشر على كافة مناحي الحياة اليومية للمواطنين، فما بين تهديد للأمن الغذائي وخدمات المياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم، تتضاعف معاناة الفلسطينيين بسبب الانقطاعات اليومية للتيار الكهربائي.
أزمة الكهرباء التي تعود إلى العام 2006 في غزة حين دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية جميع المحولات في محطة الطاقة، تتفاقم يومًا بعد يوم، فالأمر لم يعد مقتصرًا على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على محطات الكهرباء أو وقف إمدادات الوقود للمدن المعتمدة على استيراد الكهرباء، بل ضاعفت سرقة الكهرباء الأزمة في البلاد.
سرقة الكهرباء
نسبة الفاقد في فلسطين نتيجة سرقة الكهرباء وصلت إلى 26%، في حين تصل نسبة السرقات في كل شركات التوزيع إلى 14%، ما يؤثر سلبًا على الخدمات المقدّمة للمواطنين، من حيث تحمُّل الأعباء المالية الناجمة عن هذه السرقات وتأثيرها في الخدمات المقدمة للملتزمين وما ينتج عنها من قطع للتيار الكهربائي من قبل المزوّد الإسرائيلي، بحسب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية ظافر ملحم.
وأوضح “ظافر”، خلال ورشة عمل حول “مكافحة ظاهرة التعدي على شبكات الكهرباء”، أن القطع الكهربائي الإسرائيلي المتواصل بمثابة عقاب جماعي يمارَس على أبناء الشعب، ويهدف إلى ضرب الوجود الفلسطيني في القدس.
شركة كهرباء فلسطين توقف التشرذم
الوضع في الضفة الغربية ليس بأفضل حالاً من غزة، حيث كانت أزمة الكهرباء في مدينة طولكرم ومنطقة الشعراوية، مطروحة على مائدة النقاشات في جلسة مجلس الوزراء، نهاية نوفمبر الماضي، والتي صادق خلالها على تمويل مشاريع الكهرباء الخاصة بمدينة طولكرم، ومنطقة الشعراوية، بقيمة مليون دولار لشراء محولات، ومعدات، ومد خطوط كهرباء، استكمالاً لمشروع سلطة الطاقة، ببناء خط للكهرباء بين محطة صرة وطولكرم، وبناء محطتي التحويل من أجل تغذية مدينة طولكرم من المحطة، وتزويد منطقة الشعراوية بقدرة تصل إلى 350 ميجا، حيث تم الانتهاء من بناء الخط الجديد بطول 13 كيلو متر من أجل حل أزمة انقطاع الكهرباء بشكل نهائي.
كما رحب مجلس الوزراء، بالتوصية الصادرة عن الاجتماع التشاوري، الذي شاركت فيه شركات توزيع الكهرباء، والشركة الناقلة، وسلطة الطاقة، والحكم المحلي، من أجل تأسيس شركة كهرباء فلسطين لوقف التشرذم في هذا القطاع الهام والحيوي، وتوحيد الجهد تحت عنوان وطني واحد، والتي تعد الحل الأمثل لتنظيم قطاع الكهرباء.
وزير الحكم المحلي مجدي الصالح، قال إنه لا يوجد حل لأزمة الكهرباء في منطقة الشعراوية إلا بالعمل المشترك بين البلديات في طولكرم، مؤكدًا في تصريح لإذاعة صوت فلسطين، بعد اجتماعه مع رؤساء البلديات، أن شركة كهرباء واحدة ستعمل على توزيع الأحمال والقدرات بشكل جيد للمواطنين كافة، كما في العام الماضي مع وجود تعاون مشترك بين الهيئات.
مصادر الكهرباء في فلسطين
وتشكل الطاقة الكهربائية في فلسطين نسبة 31% من إجمالي الطاقة المستهلكة حسب ميزان الطاقة الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء عام 2018، ويُعد القطاع المنزلي المستهلك الأكبر بنسبة 60%، يليه قطاع الخدمات والقطاع التجاري 26%، ويستهلك القطاع الصناعي 13%؛ بينما يستهلك القطاع الزراعي أقل من 1%.
ونظرًا للأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية، تفتقر فلسطين إلى مصادر الإنتاج المحلية للكهرباء لسد احتياجاتها، باستثناء محطة توليد كهرباء غزة ومشاريع الطاقة المتجددة؛ إذ تعتمد بشكل رئيسي على الاستيراد من الدول المجاورة ومنها إسرائيل ومصر والأردن.
وتزود “شركة كهرباء إسرائيل” الضفة الغربية بالكهرباء من خلال 237 نقطة ربط على نظام الضغط المتوسط (33Kv&22Kv). ويؤدي هذا النظام إلى ارتفاع نسبة الفاقد والانقطاعات الكهربائية المتكررة، ونقص القدرة في كثير من المناطق؛ إضافة إلى ارتفاع قيمة التعرفة الكهربائية، أما في قطاع غزة فتدير “شركة كهرباء غزة” نظام التوزيع الكهربائي في القطاع الذي يعاني نقصًا حادًا في الطاقة الكهربائية؛ إذ إن القدرة المتوفرة حاليًا للقطاع والتي يحصل عليها من مصادر ثلاث تصل في حدها الأقصى إلى 220 ميغا-واط، منها 120 ميغا-واط من شركة كهرباء إسرائيل، ونحو 60 ميغا-واط تنتجها محطة توليد الكهرباء بغزة، فضلا عن 30 ميغا-واط كانت توفرها مصر عبر خط لمدينة رفح ولكنه أصبح معطلاً منذ عام 2018 واستبدل بإمدادات الغاز.
بارقة أمل في نفق مظلم
العديد من الحلول لأزمة الكهرباء، طرحها خبراء أولها بالطبع رفع الحصار الإسرائيلي البري والبحري على قطاع غزة، وعودة إمدادات الطاقة، فضلاً عن خطط الربط الكهربائي العربي بفلسطين بدءاً من الأردن من جهة الضفة ومصر من جهة غزة، والذي بات أمرًا حتميًا لخلق بدائل من مصادر التزويد.
ولعل الجهود المصرية للمشاركة في تطوير حقل الغاز البحري في غزة، تمثل بارقة أمل تلوح في آخر نفق أزمة الكهرباء المظلم، فمصر تهدف إلى الاستحواذ على تطوير حقل الغاز الطبيعي البحري في غزة، فيما سيكون دفعة للاقتصاد الفلسطيني، وفي ذات الوقت أحد الحلول المطروحة لأزمة الكهرباء في القطاع الذي يعاني نقصًا في إمدادات الطاقة.
ويقع حقل غزة البحري، على بعد حوالي 30 كيلومترًا قبالة ساحل غزة، ولكنه غير مطور بسبب الخلافات السياسية والصراع مع إسرائيل، فضلا عن العوامل الاقتصادية، والمشروع كان آخر مرة في يد شركة النفط العملاقة (شل)، التي تخلت عن حصتها في عام 2018، فيما يبحث الفلسطينيون عن مجموعة أجنبية جديدة لتتولى المسؤولية، وستحتفظ الشركات الفلسطينية بما لا يقل عن 55٪ من الأسهم، بحسب قرار مجلس الوزراء في ذلك الوقت، بحسب “رويترز”.
وقال مسؤولون، إن شركة الغاز المصرية المملوكة للدولة (إيجاس) بدأت العام الماضي محادثات مع صندوق الاستثمار الفلسطيني PIF وشركة اتحاد المقاولين CCC، وهو تحالف من الشركات المرخصة لتطوير الحقل.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع غزة البحري يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو أكثر بكثير مما هو مطلوب لتشغيل الأراضي الفلسطينية ولديه الإمكانية لتحقيق فائض للتصدير.
جهود قطرية لحل الأزمة
ومن مصر إلى الخليج، حيث سبق أن تدخلت قطر في مرات عديدة للمساهمة في حل أزمة التيار الكهربائي المتفاقمة في القطاع، عبر الشاحنات المحملة بالوقود، والمنح المالية لاستمرار توريد الوقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة، وكان آخرها العام الجاري بتقديم منحة تقدر بـ 360 مليون دولار لدعم تنفيذ مشاريع وتوريد وقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء بغزة، بحسب وزارة الخارجية القطرية.
وكان رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة، السفير محمد العمادي، أعلن في وقت سابق، عن مشروع لإنشاء محطة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء وإنشاء خط غاز لصالح محطة التوليد الوحيدة في القطاع ضمن خطوات للمساهمة في حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لكن يبدو أنّ المشروعين تعطلا دون توضيح أسباب.
* باحثة سياسية