تواجه الدولة التونسية هذه الأيام، دعوات من أهل الشر ومن يقف وراءهم للخروج إلى الشوارع في محاولة خبيثة لإختلاق فوضى قد تؤمن لهم طريق العودة إلى الحكم و السلطة و الإمتيازات.. يُصرّ “التحالف الشرّير “على نهجه التحريضي ، سعيًا وراء تغيير الواقع بالفوضى، و الرهان على تحريك الشارع لخلق فوضى هو في أمس الحاجة لها لإنهاك الدولة وإسقاطها.. إنّ صناعة الفوضى في تونس كان من ورائها ساسة لم يفقهوا معنى الديمقراطيّة أبدا ، ولم يفقهوا معنى الوطنيّة أبدا ، ولم يدركوا مخاطر الإنهيار أبدا ، ولم يتعلموا من تجارب التاريخ أبدا ، ولم يكن لديهم إلاّ التعّصب وزرع روح الفتنة في المجتمع و جرّ البلاد إلى الهاوية.. لم يهدأ هؤلاء الذين إستنزفوا مرات رسوبهم في الحياة السياسية، ولم يفقدوا الأمل في العودة ولو عبر حرق البلاد و التنكيل بالشّعب ، فحاولوا تأجيج الغضب في الشارع التونسي مستغلين الأوضاع الاقتصادية التي يتعرض لها البسطاء، فأنفقوا أموالهم ووقتهم، واشتروا أقلاما سخروا أصحابها لحث الشعب على الخروج في مظاهرات فوضوية.. لقد بات واضحا أن الهدف الأول و الأخير لتحركات و مساع قوى الشرّ و المافيا التي تقف خلفهم هو تجويع التونسيين و جعلهم مهددين في مأكلهم و أمنهم و مستقبلهم و جعل الدولة ضعيفة تعبث فيها الفوضى و الفساد و تقدّمها لقمة سائغة في أفواه الدول التي تتآمر على أمنها واستقرارها و قوت شعبها المغلوب على أمره.. هؤلاء لا يمكن ان يفهموا الديمقراطية بمفهومها الصحيح لأنهم ليسوا خونة فحسب، بل لصوص سلطة يعتبرون هذه السلطة مكسب اذا وصل اليهم يتشبثون به ويصرون انه حيث وصل إليهم فهو ملك لهم لا يعطونه لغيرهم وقد عُمِي على عيونهم أن ينظروا للسلطة كوسيلة لخدمة الشعب وأنّ الديمقراطية في احسن مسمياتها أن تكون معارضا للسلطة من اجل خدمة الشعب حتى لا تتجه البوصلة بإتجاه واحد لعله يكون خاطئاً اذا اشترك الجميع في سلطة فاسدة.. هؤلاء المتشبثون بالسلطة من أجل مصالحهم لا يترددون من فعل أي شيء من اجل تحقيق هذه المصالح ومن اجل حماية أنفسهم من المساءلة بسبب ما قاموا به من فساد و خيانة حتى وان كان ذلك يمس بكرامتهم ومستقبلهم السياسي الذي هو بالأساس ساقطا لأنه خاطئ..
تُصرّ حركة النهضة و شركائها في الحكم على تنصّلهم من مسؤولية فشلهم في الحكم طيلة 10 سنوات مضت، تجربة الحكم عرت الإخوان إذ أنهم لم يقدموا مشروعا إقتصاديا أو سياسيا بديلا ، بل تبين أنهم فقط مهتمين بالوصول إلى السلطة..، وباتت جماعة الإخوان و حلفائهم و براشوكاتهم يراهنون على الشارع مجددا أملا في العودة للحكم أو التموقع السياسي بعد عشر سنوات من تجربة فاشلة أفضت في خواتمها إلى إنتفاضة شعبية أسقطت نظامهم و برلمانهم و حكومتهم العاجزة و حتى دستورهم الملغم ، ولم تقبل الجماعة وحلفاؤها استيعاب أن التونسيين لم يعودوا يرغبون في وجودها في المشهد السياسي بعد عشرية كاملة من الفشل، ولهذا تواصل المناورة بطرق عدة و ترفض الإقرار بفشلها وتحاول إثارة الفوضى لأنها تعودت أن تولد وتنتعش من رحم الفوضى ، وتنسى الحركة ومن معها أن عصر المسيرات انتهى وإضمحلّ تأثيرها خاصة حين تكون مجرد استعراض مدفوع الأجر، كمناورة يائسة قد تعود بهم إلى المشهد السياسي، عبر الإستثمار في الأزمات المفتعلة لتجييش الشارع ضد قيس سعيّد، ولاستعادة شعبية متهاوية والخروج من حالة العزلة.. الورقة التي يلجأ لها الإخوان والداعمون لهم دائماً هي الفوضى، ومحاولة إثارة زوبعة إعلامية، واللجوء للخارج.. الثلاثية التي طالما لجأت لها الجماعات الإخوانية في أكثر من بلد، وفي تونس تحاول الجماعة حشد أتباعها للخروج إلى الشارع لخلق فوضى هي في أمس الحاجة لها قد تؤمن لهم طريق العودة إلى الحكم و السلطة و الغنيمة.. وهذا التكتيك أصبح مكشوفاً للجميع؛ فوحدها الفوضى هي التي تقوِّي وتدعم الحركات الإنتهازيّة الإخوانية و أذرعتها، وفي سبيل ذلك لم يترددوا في التعاون مع قوى الشرّ من الداخل والخارج والعمل في جبهة واحدة مع منظومة العشريّة السّوداء سيئة الذكر لضرب تماسك الجبهة الداخلية للوطن، وإشعال الفتنة، و تحريك الشارع التونسي ، وإهانة رموز الدولة والتطاول على القيادة السياسية، و محاولات إسقاط الدولة!، من هنا أصبحت المؤامرة أكثر وضوحاً للجميع يريدون فقط تشويه تونس و إسقاطها، ويريدون ارجاعها عن مواصلة الطريق، مارسوا كل الوسائل والسبل وسخروا كل الأدوات من المرتزقة والعملاء والمأجورين و ألبسوهم رداء المعارضة.. وهو الأمر الذي تأكد بما لا يدع مجالاً للشك، وبدا أمام الجميع أن تونس مستهدفة ولا يراد لها أن تحقق النجاح أو أن تتعافى.. فالقضية بالنسبة لهم إرادة وعزم قوي للعودة إلى كرسي السلطة مهما كلف الثمن، فإن التنكيل بالشّعب وإنهيار الدولة لا مشكلة بالنسبة لهم، إذاً القضية بالنسبة لهم وفي أي الأحوال مكسب.. وحين أدركوا جيداً أنه لا رغبة في استمرار حركة النهضة لعبوا دور الضحية لإستعطاف الشعب و الرأي العام الدولي ، ولم تنطلِ هذه الأكاذيب على التونسيين ، فالتجربة واضحة والشعب تعلم الدرس جيداً، و من الحمق تكرار نفس الأخطاء..، و من يريد إستنساخ 2011 هو خارج السياق و خارج الزمن ،ولا يستطيع أحد أن يعيد عقارب الساعة إلى ما قبل 25 جويلية ولا ثورة 2011..
الحذر كلّ الحذر من مؤامراتهم الخبيثة التي لن تبقي و لن تذر و التي يمكن أن تدخل البلاد في أتّون من التّناحر و الاقتتال و الفوضى و الدّمار، و هذا كلّه بسبب الغباء و الأنانية المعهودة من الذين تعوّدوا على السيطرة و النّهب لمقدّرات الشّعوب و العيش على ظهر الوطن و الشّعب مثل الطّفيليّات و الفطريّات الضارّة، نعم إنّهم عاشوا لسنوات كالطّفيليات و الفطريّات الضّارة، فهناك من الطّفيليّات ما هي نافعة، و لكنّهم طفيليّات فاسدة و مفسدة لا يتوقّع منهم صلاح و لا إصلاح.. و القاصي و الداني من المواطن العادي إلى المواطن المهتم و المتمرّس بالسّياسة، كلّهم يعلمون جيّدا أنّه بعد خلعهم من السلطة، و بعد فشلهم في العودة عبر صناعة الفوضى و خلق الفتنة و التحريض، و بعد استفاقتهم من الصّدمة انطلقوا في تجييش الشارع بهدف إضعاف الدولة ، و قد تفنّنوا في تعطيل دواليب الاقتصاد و أخذوا في تطبيق سياسة الأرض المحروقة في وجوه من استلموا الحكم بطريقة شرعيّة عبر التفويض الشعبي و المشروعيّة الشعبيّة و لكن كل ما يفعلونه يُعتبر تنكيلا بالشّعب و تدميرا للوطن، و كأنّهم ليسوا تونسيّون و لا يعني لهم الوطن شيئا فهم عديمو المسؤولية و ليس لهم من الوطنيّة و حب الوطن إلاّ الكلام الذي يتشدّقون به من منبر إلى منبر و قد سئمنا مشاهدتهم على الشاشات و النظر إليهم في الطّرقات و لكنّهم لم يستحوا و يعوا.. لابدّ أن تتخذ الدولة موقفاً صارماً وحازماً يُعيد لها هيبتها ويكسر شوكة المتآمرين و العابثين بالبلاد و بالسلم الأهلي ، وذلك كما تفعل جميع دول العالم في الدفاع عن استقرارها وأمن شعوبها، وإلاّ فإن الميوعة في التعامل وإظهار الليونة و التراخي في محاسبة العابثين و التصدّي لهذا المخطط الخبيث، وعودة المتآمرين إلى مواقعهم لا شك أنه سيساهم في فوضى قادمة ، وستكون أقوى من أن تواجهها الدولة إذا لم تُغيّر سياستها في التعامل مع من عبث بالبلاد و نكّل بالشّعب..
صحيح أنّ مسار الـــــ 25 جويلية إستثنائي وصحيح كذلك أنّ الخطوات الثابتة التي قطعناها قد اختزلت عديد المآسي والويلات وتمت في وقت وجيز جدا.. ولكن ما نعيشه الآن يفتح صفحة أخرى جديدة ومغايرة نحتاج في قراءتها إلى الحكمة والتعـــقل و التقييم والتقويم ، لأنّ الأمر عاجل وخطير فلا ينبغي أن ننسى أنّ سقوط المنظومة السابقة وجزء من أركانها قد تم في أيام محدودة وحسم في سويعات محسوبة حددت مصيرنا وأفضت إلى فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد و العباد ، لا ينبغي تضيعها في أيام وسويعات محدودة فنبدع مرتين : مرة في إستعادة الدولة التونسية من مختطفيها ومرة في التفريط فيها !! …أمام خطورة هذه التطورات فإن الواجب الوطني يفرض الإصطفاف إلى جانب الدولة التونسية و الشعب التونسى وقيادته.. و مراعاة الحذر في التعامل مع هذه التحركات من جانب بعض الأطراف السياسية ، إن ذلك يحتم مزيدا من الثبات والتماسك والإصرار على استكمال مسيرة إنقاذ الوطن.. إنّ تونس أمام خيارين، إما الدولة وإما اللاّ-دولة و الفوضى التي يريد البعض تكريسها.. و على التونسيين أن يختاروا الدولة التونسية و حمايتها من الإختطاف مرة ثانية.
عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم