ودخل كاجيتا المعملَ ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا، وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وكان شعر بنشوة من رنة الجرس، حتى قال: أروع ما سمعت في حياتي.
وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع أمر التنفيذ منه.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
ضربها بحزم الليزر من ثلاثة أجهزة لمدة ثمان ساعات بقوّة واحد جيجا وات لكلٍ منهما، انتقل الفعل مباشرة إلى باقي العائلة المتمرّكزة في القنابل الثلاثة بخاصية التواصل الكمومي لشرودنجر ففعّلت القنابل وجذبتْ الأساطيل الثلاثة.
وبحسب معادلة قنابل الثقوب السوداء التي وضعها كاجيتا فإنه بعد تحولهم إلى قنابل ثقوب سوداء ثلاث جذبت مياها حجمها ثمان كيلومتر مكعب وقعت في أفق أحداثهم الثلاثة على مدار الثماني ساعات.
***
بعد فترة وجيزة من تفعيل القنابل الثلاثة انقطعتْ وسائل الاتصال بالأساطيل الثلاثة، فظنّ المتصلون أن شبكات الاتصال فيها عطب وتحتاج لإصلاح وصيانة، فاتصل بعضُ القيادات من غرفة عمليات بقادة الأساطيل الثلاثة وربان سفنها بيد أن الهواتف لا تعطي أيّ إشارة.
فأصاب الجميع الحيرة والدهشة والهلع، على الفور تمّ نقل الحالة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
***
أرسلت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية طائرة استطلاع من أحد حاملات الطائرات القريبة إلى تلك المواقع، فلم يجدوا أي أثر للأساطيل الثلاثة.
فحلقت عند موضع أحد الأساطيل الثلاثة، فلم تجد الطائرة أي أثر للأسطول.
شاهد رائد طيار سفينة فرنسية على بعد من موقع الأسطول المختفي فنزل بالبراشوت على متنها.
لم يكد يلامس جسده متن السفينة إلا وكر عليه حرس السفينة، شهروا الأسلحة في وجهه، قال قائد الحرس: «انبطح أرضا وضع يديك خلف ظهرك وتكلم من أنت.»
فرفع يديه إلى الوراء وقال: «أنا رائد من القوات الجوية الأمريكية.»
قال قائد الحرس بحزم: «ولم نزلت على متن سفينتنا بلا إذن؟ ألم تر العلم الفرنسي يرفرف عليها؟»
قال الضابط: «أهلا بكم، نزلت عليها لأنكم حلفاؤنا، جئت لأستكشف عن الأسطول البحري الذي كان على بعد بضع كيلومترات منكم.»
كبلوه وساقوه إلى العميد الفرنسي البحري، وهو ربان السفينة.
عندما رآه عرف سبب هبوطه على متن السفينة، ومع ذلك سأله في غضب وحزم: «كيف تنزل على متن سفينة حربية بلا إذن أيها الرائد؟»
أجابه: «أنا رائد كما ترى في القوات الجوية الأمريكية، وجئت أستكشف عن أسطولنا البحري الذي كان على مقربة منكم سيادة العميد.»
هزّ العميد رأسه وقال: «اِئْتُوني بكشافة السفينة ليسمع بأذنيه عما حدث لسفينتهم الحربية، ويعلم ماذا حدث لنا أيضا؟»
جاء رئيس الكشافة المسئول عن رصد ما حول السفينة من خلال رادارات السفينة فقال له: «لقد رصد لنا الرادار اختفاء الأسطول بالكامل وما حوله في حجم قدره ثماني كيلو متر مكعب على مدار ثماني ساعات، ولدينا جهاز لقياس تسارع الجاذبية الأرضية، وقد سجل لنا مقدارا من الجاذبية من الموقع الذي اختفى منه الأسطول، كنا نراقب الأسطول عن كثب وكلما زادت الجاذبية كنا نبعد بسفينتنا إلى الوراء، ولما انقضت الثماني ساعات اختفى كل شيء، الأسطول وما حوله في المساحة وزالت الجاذبية، كانت المياه حول السفن والفرقاطات وحاملات الطائرات الخاصة بكم تنقص شيئا فشيئا وكأن ثمة مجموعة كبيرة من الحيتان كانوا يبلعون ذاك الماء.»
صعد الرائد إلى طائرته، أصابته الدهشة وسيطر عليه الفضول الذي كان يدفعه نحو معرفة سبب ذلك.
استقل الطائرة مجددا وذهب إلى الموقعين الآخرين لكن لم يجد أحد يمكن أن يزوده بأي معلومات.
كتب تقريره حول المواقع الثلاثة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
***
بعد وصول تقرير رائد طيار أرسلت الإدارة الأمريكية إلى وحدة تكنولوجيا الفضاء لاستكشاف الأمر عن الأساطيل الثلاثة المختفية.
بعد بضع ساعات فقط جاءتهم صور الأقمار الاصطناعية بملفين فيديو عن أسطولين فقط، أما الأسطول الثالث فقد كان خارج نطاق الأقمار الصناعية أثناء عملية الاختفاء.
وجلس قادة وزارة الدفاع مع قادة القيادة المركزية للقوات البحرية، وشاهدوا على مدار ثماني ساعات اختفاء الأسطولين شيئا فشيئا والماء يُسحب إلى أسفل.
حاملات طائرات عملاقة وسفن حربية وفرقاطات وغواصات، كل هذا اختفى في ثلاث حوادث مجهولة.
وكان ثمة مساحة من اليابسة بجانب الشاطئ تقع تحت تأثير أفق الحدث (هو جزء من المساحة 8 كم مكعب) عليها بعض الأطفال يلهون بالرمال فاختفوا أيضا، ابتلعتهم الأرض، لكن تساءلوا أين الأرض نفسها؟
والإجابة أن تلك المساحة من الأرض اختفت معهم، وكأنّ قطعة أرض نقصت من مساحة الكرة الأرضية.
وهذا من أعجب ما شاهدوه.
وتساءلوا فيما بينهم: أنقيد الحوادث الثلاث ضد مجهول؟!.
وتساءلوا: لماذا لم يهرب الأطفال عندما شاهدوا ما يحدث في البحر؟
وقرروا عرض الأمر على الاختصاصيين لحل هذه الألغاز.
***
فلما عرض الأمر على العلماء ولاسيما علماء الفيزياء النووية وعلماء مختبر سيرن بسويسرا اجتمعوا على أن ما يفعل ذلك إلا ثقب أسود.
لكن الثقوب السوداء في السماء، وأكثرها قريبة من مركز ثقل درب التبانة، فحاروا أيضا. فعرضوا الأمر على وكالة الناسا.
فجاءهم رئيس الناسا بصحبة بك، وشاهدا الصور، هنا تفجع رئيس ناسا على الفور وهو يقول بأنها قنابل الثقوب السوداء.
سألوه مرة أخرى.
قال: «هي قنابل الثقوب السوداء.»
قال بكْ : «إذن قد صنعها كلب اليابان كاجيتا أثناء وجوده في مختبر فهمان بالوادي الجديد، وأمريكا كلها في خطر.»
قال رئيس ناسا: «إذن أمريكا كلها في خطر.»
سألوه عن شأن الأطفال فأجابهم: «لأنهم كانوا واقعين تحت جاذبية الثقوب السوداء، كانوا يحاولون الهرب لكن أفق حدث قنبلة الثقب الأسود كانت تشدهم نحو مركزها.»
واتصلوا على الفور بجورج رامسفيلد.
***
اجتمع الرئيس الأمريكي جورج رامسفيلد بحكومته كاملة لأنها مسألة تخص وجود أمريكا نفسها في هذا العالم.
واستقروا بعد مناقشات عديدة على النزول الكامل لكلمة رئيس ناسا الذي حدد حجم الكارثة بقوله: «هذه هي قنابل الثقوب السوداء، هو كاجيتا، وقد يستطيع أن ينقص من الكرة الأرضية مساحة الولايات المتحدة الأمريكية في بضعة أشهر.»
وقد وضع لهم الحل بقوله: «لا يمكن لأحد دفع هذا الشرّ عنا سوى اثنين بحسب علمي، جاك ولدنا وصديقه فهمان، ومن لطف الله بنا أنّه الآن في أرض الوادي الجديد بمصر مع صديقه فهمان صاحب اكتشاف الجرافيتون الملعون.»
قال الرئيس عندئذ: «إذن نتصل به ونرسل فرقة من المارينز لحمايته فربما بعد هذه الكارثة يكون من مخطط اليابان قتل جاك، وليس جاك فحسب بل فهمان أيضا.»
وقبل فض الاجتماع جاء الرئيس الأمريكي اتصال، نظر في الهاتف فاضطربت عيناه، قال عندئذ متلعثما: «إنه رئيس وزراء اليابان.»
وظل ينظر إليه بضع ثوان كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر، أما الوزراء فطفقوا يزدردون ريقهم، بعضهم استطاع والبعض الآخر توقف الريق على أبواب حناجرهم.
وبيد مرتعشة امتدت إلى الهاتف وفتحه.
قال رئيس وزراء اليابان: «يا عزيزي واحدة بواحدة، ولقد رفقت بكم واكتفيت بثلاثة أساطيل، وأسطول رابع سوف يضرب بالرصاص.»
قال الرئيس الأمريكي: «أي واحدة تقصد؟»
قال رئيس وزراء اليابان وهو يقهقه: «واضح أن عندك زهايمر، هو انتقام لما حدث في عام 1945، الحرب العالمية الثانية، أنسيت قنبلة ناجازاكي وهيروشيما؟»
قال الرئيس الأمريكي: «تكلمني عن ثأر مضى عليه أكثر من مائة عام؟»
أجابه: «حجم الكارثة يجعلها كأنما حدثت من ساعات، اسمع أيها الرئيس الأمريكي، لا أحب أن أسمع نشاز أصواتكم من بعد اليوم، عيشوا في بالوعات المجاري كالجرذان حتى لا أرى وجوهكم مرة أخرى .»
***