ما زال الملف الإيراني للطاقة الذرية السلمية يراوح مكانه، في فترة المدير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذريّة، بسبب أنه يعمل بوازع أمريكي ظاهر، ليس في مقدوره أن يحيد عنه قيد أنملة، ف(رافايل ماريانو غروسي Rafael Mariano Grossi) دبلوماسي أرجنتيني، وقع اختياره مديرا عاما سادسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليس اعتباطا، وإنما لتوفّر شروط فيه، تناسب سياسة دول الغرب في تمرير الزاماتهم، وضغوطهم على الدول الأعضاء المنتسبين للوكالة، وهو أول دبلوماسي من أمريكا الجنوبية يتولى هذا المنصب، شغل قبل ذلك مقعد الأرجنتين في حلف الناتو من عام 1998 إلى عام 2001،(1) في عهد رئيس الارجنتين الرابع والأربعين من عام 1989 إلى عام 1999 ذو النزعة الليبرالية (كارلوس منعم) (2)، وهو ما يؤشر أن (رافائيل غيروسي)، قد يكون استقطبه حلف الناتو، ليكون في خدمته بعد ذلك من أيّ موقع يشغله، وهذا النوع من الشخصيات القريبة من المناصب الحساسة، تقع تهيأتهم وإعدادهم من طرف أمريكا ودول الغرب قبل ذلك، وإن أفضل الجواسيس وأكثرهم خفاءً من يقع تجنيده، وهو يعمل مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة من مدراء ومفتشين ومراقبين أمميّين.
من النماذج التي قدمت خدمات جليلة لأمريكا والغرب، الدكتور المصري محمد البرادعي (1997/2009) الذي لم يقصّر في اتهاماته لإيران بانتهاك التزاماتها النووية، فأسهم في اظهارها مظهر المتمرّد على الوكالة والمجتمع الدولي (3) واتهاما بحجب معلومات تخص برنامجها النووي، وبالمماطلة في الإجابة على طلب الدول الكبرى إيران تخصيب اليورانيوم في الخارج (4) ولم يكن (بوكيا أمانو) الياباني (2009/2019) (5)سوى أداة طيعة بيد أمريكا ودول الغرب مؤتمرا بأمرهم، وهكذا لقيت إيران من مدراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية عنتا وتصلّبا، في قبول برنامجها بعنوانه السلمي الواضح، وفيما أطنب محمد البرادعي في لم يتخلف عنه بوكيا أمانو في اتخاذ نفس المواقف السلبية تجاهها.
بالأمس تواطئ (غيروسي) بشأن الملف النووي الإيراني، وانظمّ إلى حملة إعلامية تتهم إيران بشبهة تخصيبها اليورانيوم إلى نسبة تفوق 84%، بدعوى وجود آثار له في موقع في وقت سابق الأحد، أفادت وكالة بلومبيرغ (Bloomberg) للأنباء، بأن وكالة الطاقة الذرية اكتشفت مادة يورانيوم مخصبة، بدرجة نقاء تبلغ 84% في أحد المواقع الإيرانية، وهو ما يقترب من درجة نقاء الأسلحة النووية.
وذكرت بلومبيرغ نقلا عن دبلوماسيين أن الوكالة الدولية تحاول تحديد الكيفية التي وصل بها اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء بنسبة 84%.(6)
ذكر دبلوماسيون إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقدت إيران بسبب عدم إجابتها بالكامل على أسئلة بشأن آثار لليورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة.
وأقر مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع قرار مقدم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا يحث طهران على التعاون مع تحقيق تجريه الوكالة. وقال المدير العام للوكالة إنها لم تتلق تفسيرات “موثوقة” لوجود جزيئات اليورانيوم. وقالت إيران إن آثار اليورانيوم ربما زُرعت في “عمل تخريبي”.
قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إنه على علم بما أوردته تقارير صحفية عن ارتفاع مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران، في المقابل نفت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الأمر ودعت الوكالة الدولية للحياد. وأضاف غروسي في تصريحات صحفية مساء الأحد أن الوكالة تناقش مع إيران نتائج أنشطة التحقق النووية الأخيرة، وأنه سيبلغ مجلس محافظي الوكالة بالتفاصيل على النحو المناسب.
في المقابل، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (بهروز كمالوندي) إن إيران لم تتخذ أي إجراء لتخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60%. وأضاف في ردٍّ على ما نشرته (بلومبيرغ) أن وجود ذرات لليورانيوم المخصب بنسبة تتجاوز 60% هو أمر طبيعي أثناء عملية التخصيب، وشدد على أن الأهم هو المنتوج النهائي الذي لا يتجاوز تخصيبه 60%، وأوضح أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلم ذلك بشكل جيد. وأضاف كمالوندي أن طرح الوكالة هذه المواضيع على الإعلام يشير إلى أنها بدأت تفقد حيادها، وأن هذا بكل تأكيد يؤثر على مصداقيتها.(7)
ما يجب قوله بخصوص الملف النووي الإيراني، أن على أيران أن لا تصغي إلى تسويفات غروسي أو غيره، فإنّ تجاربها السابقة مع الغرب والوكالة الدولية للطاقة النووية، أثبتت أن جميع المنظمات والوكالات الدولية تعمل لفائدة الغرب والصهيونية، وتنفذّ مخططات عرقلة تقدّم الدول المنعتقة من تبعيتها، فلا يغرّنّها معسول كلام غيروسي، ولا ضحكاته المصطنعة التي أظهرها على صفحة وجهه، فدبلوماسية الغرب بيع الكلام والمكر السيّء، واعتقد أن إيران لن تفرّط في حق واحد من حقوق شعبها، ولن تتنازل عن مكسب من مكاسب تقنية متطوّرة، ليست في متناول الشعوب السائرة في طريق النموّ.
أمريكا ودول الغرب مدججة بترسانات أسلحة نووية، لا يؤمن شرّها لأنها أنظمة حكم استعمارية، تتعامل مع غيرها من دول العالم بغطرسة واستكبار كبيرين، من السهل عليها استعمال هذه الأسلحة الفتاكة، بعدما انعدمت انسانيتها مقابل لهقتها على المادة، ولا رادع لها سوى أن يكون المستهدف محصّنا بنفس الأسلحة، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، ذلك هو الرادع الوحيد الذي يضع الغرب في حجمه، فالقوة لا تناجزها سوى قوة مماثلة لها، إن لم نقل أقوى منها.
المصادر
1 – رافائيل غروسي https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – كارلوس منعم https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – محمد البرادعي https://ar.wikipedia.org/wiki
4 – البرادعي يتهم مجددا طهران في آخر اجتماع لوكالة الطاقة الذرية برئاسته
https://www.france24.com/ar/20091126-iaea-iran-baradai-nuclear-programm
5– بوكيا أمانو https://ar.wikipedia.org/wiki
6 – الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدين إيران بشأن آثار يورانيوم في مواقع غير معلنة
https://www.bbc.com/arabic/world-61678916
7 – الطاقة الذرية تحقق في أنباء رفع إيران مستويات تخصيب اليورانيوم وطهران تنفي وتطالبها بالحياد https://www.aljazeera.net/news/2023/2/20