الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

بصيرة المؤمن في موالاة صاحب التمهيد…بقلم محمد الرصافي المقداد

بصيرة المؤمن اليوم مطلوبة في زماننا وفي كل زمان، ليستعين بها في مسيرته الدينية، خصوصا وقد أظهر أعداؤنا من تخطيطاتهم الماكرة، ما من شأنه أن يُرْدي في الهاوية كل من لم يتسلح بملكة البصيرة، فليس أضرّ على المؤمنين، من غياب البصيرة وفقد البوصلة، قال تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) (1).

ومعرفة المؤمن بأحوال زمانه مساحة أمن له، لاستكمال طريقه نحو حسن الخاتمة، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)(2) فلا يلتبس عليه شيء من ابتلاءاتها، لتكون معالجته لها من خلال تعامله معها، متحصّنا بالصبر والمصابرة، على تخطي عقباتها مهما كبُرت، طالما هو متابع لأطوارها وسابر لأغوارها، ومنهجه الذي ارتضاه لنفسه، يحتّم عليه أن يكون فوق تمام معرفته الحاصلة من تجاربه، مطّلعا على كيفية معالجة أيّ طارئ يطرأ عليه فيها، بمعنى أدقّ، أن يحسن قراءة تطوّرات الساحة المحلّية والإقليمية والدولية، فما يجري فيها من أحداث، من شأنه أن يؤثّر على الجميع بنسب متفاوتة من الإيجاب والسّلب، ومن خلال معرفته العملية الحاصلة، يسهل عليه إتخاذ الموقف الصحيح.

فلا يكفي أن يعزل المؤمن نفسه بين ركام موروثات اختلط فيها السقيم بالسليم، ولا يمكنه أن يستخلص هذا من ذاك، من دون أن تكون له مرجعية رشيدة حكيمة، عاملة بكل طاقاتها، من أجل بلوغ مستوى مجتمع التمهيد المطلوب، وليس من بعض الجهات والأشخاص، مجرّد رفع شعارات وتصدّر مشاهد، واطلاق خطب رنّانة بحق أهل البيت عليهم السلام، وتجاهل واقع الحال، الذي بدت واضحة فيه خطط أعداء الإسلام المحمدي الأصيل، ليوقعوا الضرر به من داخل أسواره، خصوصا إذا وجدوا حاضنة له مستعدّة للقيام بذلك، تحت أي عنوان ومُسمّى، وتاريخنا حافل بالمؤامرات من هذا النوع الخبيث، فكم من ثورة أُجهضت من طرف عناصر مُدّعية، تغلغلت داخل الكتلة الإيمانية، أحسنت منطق التعبير والبيان، وانتشرت كلماتهم بين السامعين، فصدّقهم من تعوّد على إعطاء أذنيه لكل ناعق.

لم يغِب على أئمة الهدى تنبيه أولياؤهم إلى ضرورة معرفة الزمان أهْلاً ومخطّطاتٍ، فجاءت نصائحهم دقيقة، ومنبّهة إلى ضرورة استعمال البصيرة للتّمييز بها بين ما هو حق يجب اتباعه وما هو باطل يجب اجتنابه، فقد جاء عن الإمام علي عليه السلام): حسب المرء… من عرفانه، علمه بزمانه.)(2) هذا العلم المطلوب، من شأنه أن يمنع المؤمن من الوقوع في شبهات المشاريع الدخيلة، وإن تعنونت بعنوان إيماني، وشخصياتها التي تتلبس بلبوس الدين، وتظهر بمنطق العالم الخطيب المفوّه، وكم من عالم لم ينفعه علمه، وكم من خطيب ظهر بحسن كلامه، فأرخى له المفتونون عنان أزمّتهم، يقودهم إلى غير وجهتهم الصحيحة، دون أن يحترسوا من كون هذا الرجل أو ذاك يحمل مخططا، لا يعلمون منه شيئا تقريبا، قد يكون له الأثر السيء على مسيرتهم الإيمانية.

ويطابق حديث الإمام الصادق عليه السلام، مع حكمة جدّه مولى الموحدين عليه السلام، وقد جاء فيه: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) (2)، إنّ في تجارب الأئمة عليهم السلام وخلّص تلاميذهم ومستصفى أتباعهم، لعبرة لمن يريد أن ينجو من إتباع الشبهات، وزماننا هذا مليء بأمثلة ظهرت على الساحة، في رجال تلبسوا بلبوس العلماء، دعت بألسنتها إلى اتباع أهل البيت عليهم السلام، لكنهم في الواقع لم يأتوا من تلقاء أنفسهم، بل جيء بهم إلى ساحة معينة، لأجل تنفيذ مخطط هدفه تفريق الثلة المؤمنة عن اجتماعها، وتحريفها عن مسيرتها الصحيحة.

وفيما أفضاه الإمام علي بن أبي طالب لكميل بن زياد: (إنَّ هذه القلوبَ أَوْعيةٌ، وخيرَها أَوْعاها للعلمِ، احفَظْ عنِّي ما أقولُ لكَ، الناسُ ثلاثةٌ: عالمٌ رَبَّانيٌّ، ومتعلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ، وهمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلونَ مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنورِ العلمِ، ولم يَلْجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ) (4).

فمن كان عالما ربانيا فقد عصم نفسه عن الدخول في متاهات لا يلجها سوى المفتونين، أولئك الذين لا قدرة لشياطين الإنس والجن على غوايتهم والتمويه عليهم، وذلك مقام أولياء الله الكُمّل عليهم السلام، ومن حصُل على علم ينجيه من هلكات الدعاة إلى الدنيا، وإن كان ظاهرها دعوة الى الدين، فغالبا ما يلتجئ هذا الصنف من الدعاة، وما أكثره في زماننا وفي كل زمان، إلى استعمال أساليب متنوعة من المخاتلة والتمويه، لكي يصدّقهم السامعون، ويطمئنوا إليهم على أساس أنهم أهل صلاح وتقوى ودعوة إلى الله.

وجاء في حكمة أخرى لسيد البلغاء عليه السلام: (الركون الى الدنيا مع ما تُعَايِنُ منها جهلٌ، والتقصير في حُسن العمل إذا وثِقْتَ بالثواب به غُبْنٌ، والطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجْزٌ.) (5) فمع معاينة ما يجري في الدنيا من تلوّن عباد، وتآمر آخرين، منهم من يظهر الإيمان ويستبطن النفاق، يتكلم بلسان الدين ويلبس لباسه، ليرى الناس صورته وقدرته، فينخدع به من لا طاقة له باختباره، ونصيحة أمير المؤمنين عليه السلام هنا، تدعونا إلى اختبار الناس، إذا أردنا أن نتخذهم خلانا أو أصحابا، فليس أقوم من اختبار المتسلقين حياتنا، من أجل معرفتهم عمليّا، ولا مكان للمعرفة النظرية هنا، لأنّها لا تُعطي الصورة الحقيقية للشخص ولا تعبّر عنه من خلال كلماته، بل من خلال مواقفه.

وإن أخطر ما في دعوات أدعياء العلم والمعرفة، من أصحاب الألسن المعبّرة بطلاقة عن مفاهيم إسلامية، استبعاد السياسة من حياة المستدرجين إليهم، على أساس أنّ ذلك ليس مهمّا، وليس من أولوياتنا الدينية، فيتمّ حصرهم في مجالات عقائدية ومسائل خلافية، يقوم بنشرها بما فُسِح له المجال الإعلامي ذلك، وليست تلك الخدمة بالمجان، ونحن نعرف جيّدا أن مجالنا الإعلامي موبوء وقذر، بتاريخه القديم والحديث، وأيّ دعوة تأتي من هذا الباب، يجب أن ينظر إليها على أنّها ليست بريئة، وقد تحمل في طياتها مشروعا مُسترابا في أمره.

ساحة الدين هي ساحة الله سبحانه تعالى وملكه، ذلك الصراط المستقيم الذين جعله مقصد الذين آمنوا بأحكامه وائتمروا بأوامره وانتهوا عن نواهيه، فلا يغترّنّ مُغترّ بسهولة اختراق ساحته والعمل فيها كما يتراءى له، من دون مستمسك يعطيه حقّ مباشرته، كما قال تعالى: (  ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون) (6) ، وهذا أمرٌ مهمّ يجب التنبه له، وسلوك هذا الصراط  – لمقعد شياطين الإنس والجنّ فيه ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم)(7) – يحتاج إلى بصيرة التمييز بين قوّتين تتنازعانه، قوة الهداية التي يحصل عليها المؤمن، من خلال اتباع منظومة اتّباع عباد الله الصالحين، ومنها ولايةّ الفقيه التي أسّسها الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه، واستلمها من بعده الإمام القائد الخامنئي أدام الله بقاءه وعزّه، هذا المنهج العمليّ هو الطريق الصحيح للتّمهيد الحقيقي، لمولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه، فيه يلتقي الدين بالسياسة، والعلوم بالتكنولوجيا، والصناعات المدنية بالعسكرية المتطوّرة، والفكر المستنير بنور العلماء الأبرار، وثقافته المعبّرة على السّموّ المعرفي نتاج الثورة الإسلامية التي انفتحت أبواب معارفها، في إطار الإعداد الذي حث الله سبحانه عليه، لتكوّن هذه العناصر معًا منظومة الإسلام الشمولي الأصيل، الذي يَعتبر أتباعه أنّ دوره أساسي في تهيئة المجتمع المسلم، حتى يكون مثاليا، قادرا على تحقيق إرادة الله في الأمّة القانتة له، القادرة على تحقيق وعده الحقّ، في وراثة عباده الصالحين لأرضه، وتطبيق دينه الذي ارتضاه لهم.

وما دعا أمريكا وحلفاؤها إلى مواجهة هذه الظاهرة الصحّيّة للإسلام، بعد ظهور باكورة ثورة قوم سلمان المحمّدي، في شكل نظام ولاية الفقيه العادل، باستعداء الدول العميلة عليها، وتشويه صورتها إعلاميا، وعرقلتها اقتصاديا بالعقوبات الظالمة، وأكثر من ذلك اعداد منظمات وجمعيات في بلادنا العربية والإسلامية، مختلفة الأدوار في هذا المجال، والإنفاق عليها بسخاء كبير، في إطار تعبئة جبهة دعيّة للإسلام، تقوم بالتشويش على هذا المنهج الولائي، وعرقلة مشاريعه الإسلامية، بتحييد المسلمين عن نهجها وتشويه وتشكيكا، والأجهزة الأمريكية المتخصصة تعمل عبر مؤسسة التلاقي وغيرها من المؤسسات المشبوهة، على استدراج الشباب المسلم من أجل تحييده عن مولاة هذا النظام العتيد، في مسعى لوقف انتشاره، على ساحة التمهيد الحقيقي للمصلح العالمي، وتحويل وجهته واهتماماته إلى أشياء تراثية وحصرها مناك، دون الإهتمام بواقع الحال، وما يستوجبه من أولوية.

من سوء تقدير ولاية الله تعالى أن يوقفها من يوقف عند المعصومين فقط، وهي ولاية متواصلة في سلسلة ولاية الله، في ذخيرة الأئمة وصيّتهم الهامة، في موالاة فقهائهم العدول وإتّباع نهجهم، الذي هو نفسه نهج الهداة المعصومين بلا فرق، ففي زيارة عاشوراء مثلا نجد: ( وأتقرب الى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليّكم، والبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب، والبراءة من أشياعهم واتباعهم.. إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، ووليّ لمن والاكم، وعدوّ لمن عاداكم) وانكار وجوب الدخول تحت خيمة وليّ الفقيه، ضرْبٌ من الجحود وانكار الحقّ الذي بدا كفلقة الصبح الصّادق، فيا حبّذا الرجوع إلى الله واعتماد سبيل الوليّ الممهد ففي ذلك منجاة لصاحبها وتقوية لنهج أثبت أنه جدير بالموالاة.

المصادر

1 – سورة القيامة الآية 14/15

2 – بحار الانوار ج 75 ص80/عيون الحكم والمواعظ الليثي الواسطي ص 126.

3 – الكافي الكليني ج1ص27/ميزان الحكمة محمد الرّي شهري ج2ص1157/ تُحف العقول عن آل الرسول ابن شعبة الحرّاني ص356/

4 – نهج البلاغة الامام علي باب المختار من حكم أمير المؤمنين الحكمة عدد 147 ص 664 شرح وتبويب علي محمد علي دخيل / جامع أحاديث السيوطي ج29 ص76 ح2135 /تاريخ دمشق ابن عساكر ج50ص251 / الخصال الشيخ الصدوق ص186/

5 – نهج البلاغة باب المختار من حكم امير المؤمنين الحكمة عدد 383 ص 733 شرح وتبويب علي محمد علي دخيل

6 – سورة البقرة الآية 189

7 – سورة الأعراف الآية 16

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024