كما كان الإمام الرضا (ع) اهتمّ في مشروعه الإسلامي الشامل بتكوين الأمة الإسلامية ورأب الصدع وإصلاح العلاقات الإجتماعية بين أبناء الأمة المحمدية فإنّه بذل اهتمامه أيضاً لمشروع بناء المجتمع الإسلامي النموذجي من خلال الإستفادة من رابط الولاء بينه وبين أتباعه ومحبيه ليكون هؤلاء هم الجماعة الصالحة الشاهدة على الأمة الإسلامية، وليمثّل هؤلاء المنتسبون إلى الإمام عقائدياً دور الأسوة الحسنة للأمة في مراعاة حقوق الأخوة الإسلامية وليكونوا هم الروّاد للقيام لله وفي الطليعة لتحقيق مصالح الأمة الإسلامية.
وقد قام الإمام بتحقيق هذا الهدف النبيل من خلال تعليم وتربية أتباعه لالتزام بالقيم الأخلاقية الفردية والإجتماعية وتذكيرهم بالفضائل وتحذيرهم من الرذائل وقد سعى جاهداً لنشر الوعي والبصيرة الدينية ليصنع منهم شخصيات رسالية يشعرون بالمسؤولية الجسيمة على عاتقهم لمواساة الفقراء والمستضعفين ولنشر الإخاء والمودة في المجتمع.
يجب علينا أن نتمعّن ونتأمّل أكثر في التراث الروائي من الإمام الرضا عليه السلام ونحلّلها من هذه الزاوية ونستفيد منها الدروس والعبر في بناء المجتمع المثالي الشاهد على الأمة فإنّ هذه الخطوة أي صناعة وتقديم القدوة الأخلاقية تعتبر من أهمّ أركان وركائز الحركة التربوية الصانعة للمجتمع الإسلامي.
من هذه الوثائق الإستراتيجية، الرسالة التاريخية التي أرسلها الإمام الرضا عليه السلام إلى السيد الجليل عبدالعظيم الحسني(ره) وهي من جوامع كلمات الإمام حيث قدّم فيها مجموعة من النصائح الأخلاقية الفردية والإجتماعية يظهر من خلالها عمق مشروع الإمام واهتمامها البالغ لمعالجة السلبيات التی تفسد العلاقات الإجتماعية وتفصم عرى الصداقة والأخوة الإسلامية.
وإليكم نصّ الحديث:
الإمام الرضا عليه السلام ـ لِعَبدِ العَظيمِ الحَسَنِيِّ ـ : يا عَبدَ العَظيمِ ، أبلِغ عَنّي أولِيائِيَ السَّلامَ، وقُل لَهُم أن لا يَجعَلوا لِلشَّيطانِ عَلى أنفُسِهِم سَبيلاً ، ومُرهُم بِالصِّدقِ فِي الحَديثِ وأداءِ الأَمانَةِ ، ومُرهُم بِالسُّكوتِ ، وتَركِ الجِدالِ فيما لا يَعنيهِم ، وإقبالِ بَعضِهِم عَلى بَعضٍ ، وَالمُزاوَرَةِ ، فَإِنَّ ذلِكَ قُربَةٌ إلَيَّ . ولا يَشغِلوا أنفُسَهُم بِتَمزيقِ بَعضِهِم بَعضًا فَإِنّي آلَيتُ عَلى نَفسي أنَّهُ مَن فَعَلَ ذلِكَ وأسخَطَ وَلِيًّا مِن أولِيائي دَعَوتُ اللّهَلِيُعَذِّبَهُ فِي الدُّنيا أشَدَّ العَذابِ وكانَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ . وعَرِّفهُم أنَّ اللّه َ قَد غَفَرَ لِمُحسِنِهِم وتَجاوَزَ عَن مُسيئِهِم إلاّ مَن أشرَكَ بِهِ أو آذى وَلِيًّا مِن أولِيائي أو أضمَرَ لَهُ سوءًا فَإِنَّ اللّه َ لا يَغفِرُ لَهُ حَتّى يَرجِعَ عَنهُ ، فَإِن رَجَعَ ، وإلاّ نَزَعَ روحَ الإيمانِ عَن قَلبِهِ وخَرَجَ عَن وَلايَتي ، ولَم يَكُن لَهُ نَصيبًا في وَلايَتِنا ، وأعوذُ بِاللّه ِ مِن ذلِكَ
(الإختصاص , جلد 1 , صفحه 247)
فكما قرأتم في نصّ الحديث إنّ أهمّ التوصيات في هذه الوثيقة التاريخية هو النهي عن الصراعات المقيتة والعبثية التي عبّر عنها الإمام بـ(تمزيق بعضهم بعضاً) فإنّها في بيان الإمام تستتبع أشدّ العذاب في الدنيا والخسران في الآخرة وأنّ أذية ولياً من أولياء الله لايغفر له إلا بالتوبة عنها والا تؤدي الى ما لايحمد عقباه من نزع روح الإيمان عنه والخروج عن ولاية اهل البيت عليهم السلام.
* مدير رابطة الحوار الديني للوحدة