وسائل الاعلام الغربية هي جزء لا يتجزأ من المنظومة السياسية الحاكمة والدولة العميقة وهي الناطق باسمها والمدافعة عن مصالح “النخبة” أصحاب المليارات والشركات الكبرى وخاصة تلك التي تعمل في مجال التصنيع العسكري والطاقة وهي التي تتلاعب بعقول الناس البسطاء وتتلاعب بالرأي العام من خلال الفبركات والتضليل الإعلامي وتحرض على الدول التي ترفض أن تنصاع للمشيئة الامريكية وخدمة المصالح الامريكية على حساب شعوبها وفي غياب الاعلام البديل نتيجة القمع والارهاب أو نتيجة الضعف المادي لهذه المحطات الإعلامية التي تعتمد كليا على التبرعات الفردية للبقاء تترك الساحة الاعلامية بأغلبيتها المطلقة للإعلام المضلل ويصبح المواطن العادي اسيرا لهذا الاعلام والناطق بما يبث له من سموم وتضليل وكأنه حقيقة وبالتالي تضخيم أثر هذا الاعلام على الانسان العادي وهي الطريقة المثلى التي يتم من خلالها عملية غسل الدماغ والانسياق دون وعي لخدمة مصالح النخب السياسية الحاكمة.
مرة أخرى اثبتت الصحافة الغربية ووسائل الاعلام ان وظيفتها الرئيسية هي التضليل الإعلامي والتحريض والتهويل في قضية فاغنر وخلاف مجموعته من المرتزقة (الذي لا يتجاوز عددها عن 25000 مقاتل) مع القيادة العسكرية الروسية. فلقد دار الاعلام الغربي 180 درجة على نفسه بانقلاب إعلامي حيث حول فاغنر من شخص دموي إرهابي قاتل وعنيف موضوع على قائمة الإرهاب والمطلوبين الى شخصية ديمقراطية ولماذا هذا الانقلاب لأنه وقف ضد الجيش الروسي وقام بتصريحات ضد الرئيس بوتين…الخ. وسارع الاعلام الغربي بتضخيم الحدث وقرائنا في الصحف الغربية عناوين على صفحاتها الأولى تحوي كلمات منتقاة ” نهاية بوتين” والانقلاب على بوتين” و”مجموعة فاغنر تركت معسكراتها متوجهة الى موسكو” وأصبح البعض يتحدث عن “سقوط موسكو” وان هناك الكثير من عناصر الجيش الروسي انضمت الى مجموعة فاغنر بالزحف على موسكو وعلى ان اغلبية الجيش الروسي مشارك في الانقلاب وأن بوتين هرب من موسكو الى مكان غير معروف.
وفي أقل من 24 ساعة سوي الامر وانتهت الفقاعة وكأن شيئا لم يكن وأصاب قيادات العالم الغربي نوبات قلبية ربما لان التحريض والنوايا المبيتة وما كان متأمل لم يتحقق فلم تسقط موسكو ولم يسقط بوتين واضطر زيلنسكي لبلع كلامته من ان هذا التمرد على القيادة العسكرية الروسية هو “أول الغيث” وأثبتت الوقائع ان كل هذا الضخ الإعلامي لم يكن الا فقاعة وأن الجيش الروسي ما زال متماسكا خلف قيادته وما زال يوجه الضربات المؤلمة للجيش الاوكراني الذي يقاتل بالنيابة عن الناتو وان الشعب الروسي لم يخرج الى الشوارع في ثورة ملونة مناصرا ” للانقلاب” المعهود وبقي وفيا للقيادة المنتخبة سواء كره البعض بوتين او احبه في العالم.
مرة تلو الأخرى يتبين كذب الإمبراطورية الإعلامية الغربية والتلاعب بالراي العام العالمي، ولكن الكذب للأسف في بعض الأحيان لا يتضح الا بعد فوات الأوان كما كان الحال في العراق، وليبيا، وسوريا وغيرها.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني