بين إيران وأمريكا مواقف مبدئية لهذا الجانب أو ذاك، فقد ظهرت بالنسبة لإيران بناء على ثورتها الإسلامية، التي قامت ونجحت في قطع أواصر العلاقة بينها وبين أمريكا، على أساس أنها دولة مستغلة ومستكبرة، أساءت إلى دول العالم وفي مقدمتهم إيران، لذلك قام الشعب الإيراني بطرد بعثتها الدبلوماسية بصورة مهينة جداّ، وبالنسبة لأمريكا الدولة العظمى التي تربعت على عرش العالم، ولا تريد أن يقف في وجه سياساتها الإستكبارية الظالمة أحد، صراع بدأته إيران بإعلان التمرّد عليها، في تحدّ لم يسبقها إليه أحد، رغم وجود من تعتبرهم أمريكا أعداء وتصنّفهم على قائماتها السوداء، أمريكا كما وصفها الإمام الخميني رضوان الله عليه بالشيطان الأكبر، لم يعد لها مكان في إيران، فقد لفظها الشعب الإيراني ونظامه لفظ النواة، وإيران بالنسبة لأمريكا دولة مارقة خارجة عن طوعها، تبذل ما في وسعها من جهود من أجل الإيقاع بها، بتدبير وحياكة مؤامرات ضدّها لم تتوقف إلى اليوم، نِيّة قادة أمريكا الخلاص من نظام كاشف لمخططاتها الفتنوية الهدّامة، ومحرّض عليها في سياساته وعلاقاته، والسكوت عليه سيسبب لها ضررا فادحا، من شأنه أن يشجّع دولا أخرى على التمرّد عليها.
ومع كل هذه المواقف وهذا العداء المتبادل، يبقى باب الحوار والمفاوضات مفتوحا، لكن دون تواصل مباشر، وعبر وساطات بدت معروفة لا نشكّ في حسن نوايا بعضها، مفاوضات غير مباشرة خاضها الطرفان الإيراني والأمريكي، بخصوص قضايا عالقة بينهما، منها أساسا ملفّها النووي السلمي، الذي عرقله الكيان الصهيوني بالإفتراء على إيران وتشكيك صدقها وحسن نواياها من هذا الملف، وما تخلّل ذلك من تبادل مقترحات بشأن السجناء الإيرانيين والأمريكيين المعتقلين في البلدين، للوصول بها إلى صفقة تبادل جديدة بين الولايات المتحدة وإيران، وهي بلا شك مفاوضات استغرقت وقتا طويلا حتى استوت على اتفاق نهائي، والإيرانيون حريصون من خلال الوسطاء الثلاثة العماني والقطري والسويسري عبر سلسلة من الخطوات (2) على أن تكون الصفقة مضمونة 100%، فعادة ما يستعمل الجانب الأمريكي أساليب متعددة في الخداع والمراوغة وعدم الوفاء بالتزاماته ونقض عهوده كما حصل سابقا في اتفاق الجزائر وفي الملف النووي.
فقد صرّح وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني، “اتفقنا خلال الأيام الماضية مع واشنطن حول مسألة تبادل السجناء”، مضيفا: “في حال تنفيذ واشنطن لتعهداتها في اتفاق تبادل السجناء سنشهد عملية التبادل خلال فترة قصيرة”. وأكد عبد اللهيان استعداد بلاده لإجراء عملية تبادل السجناء مع واشنطن، داعيا الأخيرة لاتخاذ خطوات فنية في هذا الصدد.. فيما فنّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في تصريح لوكالة “أسوشيتد برس”، إن “تصريحات عبد اللهيان كاذبة”، مؤكدا أن “الولايات المتحدة تعمل بلا كلل للإفراج عن جميع المواطنين الأمريكيين المحتجزين في إيران”.(3) تصريحات نيد برايس جاءت لتفسد الاتفاق وتعطل عملية التبادل، واتهام ايران بالكذب تلفيقة سياسية تعود الأمريكيون عليها، خصوصا وقد عُرِفوا في العالم بنقض العهود والإدعاءات الكاذبة، وهذا بحدّ ذاته ما يدعو الدبلوماسية الإيرانية لأخذ حذرها الكامل، من تلوّن أمريكي يأتي فجأة ودون سابق انذار، خصوصا إذا توفّرت له فرصة العبث بأي ملفّ مطروح للحلّ.
(وينصّ الاتفاق بين الدولتين على تبادل السجناء بين الجانبين وإلغاء تجميد جميع الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية والعراق وبعض الدول الأوروبية.
وحسب ما نشرته وكالة تسنيم الدولية للأنباء في إيران، فأنه من المقرر في هذه العملية أن يتم تحويل أموال إيران في كوريا الجنوبية من الوون “عملة كوريا” إلى اليورو، وهو ما تم القيام به ومن ثم من المقرر إيداعها في حساب مصرفي في قطر ليكون متاحاً لإيران.
ويبلغ حجم الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية المقرر الإفراج عنها 6 مليارات دولار وبعد إيداع هذه الأموال في حساب مصرفي في قطر، تجري أيضاً عملية تبادل السجناء، حيث يتم إطلاق سراح أربعة من الرعايا الأمريكيين “سيامك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز وسجين آخر” مقابل إطلاق سراح نفس العدد أو أكثر من الإيرانيين السجناء في أمريكا.
وأفادت الوكالة، أنه سيتم نقل الأموال المجمدة من كوريا الجنوبية إلى سويسرا قبل تحويلها إلى قطر، كما أن الاتفاق مع واشنطن يشمل الإفراج عن 5 سجناء من كل طرف، وبدأ بالفعل الإفراج عن مبلغ من أموال طهران المجمدة في أحد البنوك الأوروبية، وكذلك يشمل الاتفاق الإفراج عن 10 مليارات دولار في كوريا الجنوبية والعراق.) (4)
جدير بالذّكر أن السجناء ذوي الجنسية الأمريكية، معتقلون في إيران بتهم بالتجسس لصالح أمريكا، وهي تهم ثابتة عليهم وليست مجرّد ادّعاءات إيرانية، وهذا ما جعل هؤلاء بنظر القانون الإسلامي الإيراني مذنبون بحق البلاد، ومعرّضون لأشدّ العقوبات، وقد اضطرت إيران إلى استعمالهم للمبادلة مع أمريكا، ليس من أجل استعادة أموالها المجمدة ظلما وعدوانا، في بنوك عالمية واقعة تحت سيطرة قانون العقوبات الأمريكية المسلطة على إيران، بل أساسا من أجل تحرير مواطنيها المعتقلين في أمريكا، بتهم التعاون مع بلادهم في كسر العقوبات.
ما يمكن ملاحظته فيما وقع تسريبه إعلاميا، أن إيداع المبالغ الإيرانية المجمدة جاء مشروطا، بحيث تودع في قطر بحساب خاص، لتسدد منه مشتريات الدواء والغذاء، يُعْتَبر من قبيل حفظ ماء الوجه الأمريكي، وهذا ما لا تقبله الدبلوماسية الإيرانية، باعتباره فخّا أمريكا، من شأنه أن يسمح لها بالسيطرة على تلك الأموال من جديد، بعد انتهاء عملية التبادل، ووصول السجناء الأمريكيين إلى أمريكا، ذلك أنه بإمكان الأمريكيين بما يملكونه من خبث ودهاء وتحكّم في البنوك العالمية، إعادة تجميدها من جديد هناك، بحيث لا يمكن لإيران الإستفادة منها، وهذا ما يجب التنبّه إليه من طرف الإيرانيين، هذه الأموال وغيرها من الأرصدة المجمّدة، بمقتضى قرار أمريكي جائر، هي حقوق مبيعات النفط والغاز الإيرانيين، ملك إيراني لا ينازعه على إيران أحد، ويجب وقف عملية التبادل – إن كانت الأمور فيها احتمال تحيّل يخفيه الأمريكيون – وإعادة السجناء إلى سجنهم ما لم تصل الأموال نقدا إلى طهران، والحزم في هذا الملفّ مطلوب، وتفويت الفرصة على الأمريكيين للّعب والعبث ضرورة قائمة، وإيران منذ أن قام نظامها الإسلامي أثبتت باعا وجدارة لم يبلغها غيرهم، وهي باختصار ليست بالخبّ ولا الخبُّ يخدعها .
المراجع
1 – الخبّ هو الرجل المخادع
2 – صفقة بين أمريكا وإيران.. هذه تفاصيلها
https://q-streetjournal.com/?p=62260
3 – البيت الأبيض: الإعلان الإيراني بشأن التوصل لاتفاق تبادل سجناء مع أمريكا “كاذب”
https://sputnikarabic.ae/20230312/1074643040.html
4 – إيران تنقل خمسة أمريكيين من السجن إلى الإقامة الجبرية تمهيدا لصفقة تبادل وإفراج عن أموال
https://ar.m.wikipedia.org/