الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

آن الأوان لتغيير النظام السياسي القائم.. منذ 2014!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تونس ذاك الوطن الذي يعاني اليوم من تفسّخ في نسيجه الاجتماعي بعد مروره بصدامات سياسية أدت إلى أزمات إجتماعية و إقتصادية وتجاذبات في اللعبة السياسية، وبقيت تلك التشنجات حاضرة وبقوة حتى مكنّت منظومة ما قبل 25 جويلية من البقاء في الحكم، وحوّلت تونس إلى مزرعة خاصة بهم يتصرفون كيفما يشاؤون،. و طبعًا كل ذلك هو تعزيز لفلسفة “النيو ليبرالية” التي تحقق مصالح الأفراد، ولا تحقق مصالح الجماعات، كل تلك الإرهاصات والتخبط السياسي و العبث أدت إلى انفجار ضخم، وهو حدثٌ جلل في تاريخ تونس المعاصر: في 25 جويلية 2021..

لم يكن مفاجئا فشل النظام السياسي التونسي في احتواء التناقضات بين الفرقاء السياسيين، ولا عجزه عن ردم الفجوة بين المواطن والحكومات المتعاقبة و الطبقة السياسية ، فالرهان كان دائما على عامل الزمن لكشف عورة هذا النظام السياسي الذي أسسته صفقات وتوافقات بين زعماء سياسيين تهيمن على مخيلتهم عقلية الغنيمة والبحث عن ضمانات لبقاء هيمنهم وسطوتهم على العملية السياسية، وليس التفكير بتأسيس دولة تكون ضامنة لحقوق المواطن التونسي.. النظام السياسي فاسد والجميع يعرف ذلك بمن فيهم الفاسدون أنفسهم، فساد النظام عميق وقديم ويحمي نفسه والمشاركين فيه بقوة، و الدعوات الحالية لتعديل النظام السياسي تؤكد فشل من قام بوضع دستور 2014، ، و تؤكد أنّ نظام الحكم البرلماني المعدل الذي تبنته تونس في دستور 2014، أحدث شتاتاً برلمانياً عمّق الأزمة في البلاد و خلق تداخل معقد في الصلاحيات وتشتيتها.. ، و خلّف عجز في إدارة دواليب الدولة، خلال العشرية الأخيرة..و بالتالي لابدّ من تعديل أو تغيير دستور 2014، بما يضمن نظاماً جمهورياً ديمقراطيّا اجتماعيّا يُؤسّس للاستقرار السياسي ويلبّي طموحات الشعب في الكرامة التي أساسها الحرية والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن مراجعة القانون الإنتخابي.. و بناءا على تطلعات الشعب من خلال الإستشارة الشعبية الإلكترونية تنظيم استفتاء شعبي يُسْأل فيه الشعب التونسي عن نوع النظام السياسي الذي يجب اتباعه، و من شأن نتائج الإستفتاء أن توضّح إمّا تعديل الدستور أم تعطيله تمامًا ووضع دستور جديد.. وفي تجارب الدول التي تسير في ركب الديمقراطية يكون الدستور هو الضامن لحلّ الإشكاليات السياسية التي تواجه النظام السياسي، إلاّ أنه في تجربة تونس ، على العكس من ذلك، بات الدستور الذي كُتب في عام 2014 جزءاً من المشكلة وليس الحل! وأصبح حجر عثرة أمام أيّ محاولة لتجاوز الصفقات والتوافقات في تشكيل السلطات التنفيذية.. وبدلاً من أن يكون الدستور في تونس هو الضامن لتفكيك الانسدادات السياسية، أصبح جزءاً لا يتجزأ من تركيبة هذه الانسدادات و بالتأكيد لم يكن دستوراً نموذجياً لبلد تراكمت فيه الأخطاء السياسية وضاعت فيه الثروات ويعاني من أزمة إقتصادية إجتماعية و سياسية بالأساس طيلة العشريّة السّوداء ، لذلك يجب الاعتراف بأن النظام السياسي الهجين الذي أتى به دستور 2014 الذي وُضع على أساس الترضيات فأنتج فصولا مفخخة معرقلة لتنفيذ أيّ مشروع وطني هو من كبرى خطايا الحياة السياسية في تونس بعد 2011..

لقد آن الأوان لتغيير دستور 2014 ، و تركيز الحديث على ضرورة البدء بتعديله وإعادة النظر في تأسيسه لنظام سياسي لا يُعبّر عن عقد اجتماعي، وإنما يُعبّر عن رغبة طبقة سياسية في كتابة دستور على مقاس ترويكا ذلك الوقت، فخطيئة كتابة الدستور قبل بناء مؤسسات الدولة وترسيخ حضورها في مجالات الحياة العامة، يجب أن تكفّر عنها جميع القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في المجتمع و في الساحة السياسية ، إذ لم يعد مبرراً التمسك بدستور يعترف الجميع حتّى من ساهموا بكتابه بعدم صلاحيته للبقاء ، وبات عائقاً أمام أي محاولة لإصلاح النظام السياسي وتحقيق الإستقرار المنشود .. و الغاية من جعله دستوراً جامداً معناها الإصرار على بقاء تشوهات ولادة هذا الدستور، في الوقت الذي يُعد هذا الأمر المبرر الرئيسي في الدفع نحو تغييره، لأنّها تعبير واضح وصريح عن مدى قصر نظر القوى السياسية والأطراف التي ساهمت في كتابته ورغبتها في أن تكون الفترة الانتقالية هي الحاكمة والمتحكّمة في مستقبل الحياة السياسية ، وهذا خلاف منطق التاريخ الذي تخبرنا تجاربه بأنَّ معيار تطوّر تجارب الأمم ورقيّها مقترن بظروف المستقبل وليس وفق شروط الماضي، و الدستور قابل للتطوير بتطور الزمان.. و بالتالي وجوب تغيير الدستور يجب أن يستحضر فشلَ تطبيق النظام السياسي الهجين والذهاب نحو نظام سياسي جديد عوضا عن النظام السياسي القائم، وذلك بهدف إقرار نظام واضح المعالم سواء كان رئاسيا أو برلمانيا خلفا لهذا النظام الهجين والغريب الذي أقره دستور سنة 2014 والذي أوصل البلاد إلى هذا النفق المظلم الذي لا تلوح بوادر نهايته في الأفق على المدى القريب..

نحن نرى أنّ الإستشارة الشعبية الإلكترونية ناجحة بكل المقاييس، رغم المحاولات اليائسة من بعض الأطراف السياسية لإفشالها ، كذلك نرى أنّ تكريس حقّ المواطنة واطلاق الحريات العامة وتمكين كلّ المواطنين من حقوقهم في تقرير مصيرهم و اختيار من يحكمهم ووفق البرنامج الذي يحقق مصلحتهم في اطار بناء أنظمة ديمقراطية بمشروع شعبي متكامل يختارها ويقرّها المواطنون الأحرار، هي في جوهر الاصلاحات السياسية التي تخدم تطوّر المجتمع وتنميته وتحقّق أكبر قدر من العدالة بين الناس و تقطع مع الأنظمة الفاسدة و الحلول المغشوشة التي تزين الاستبداد وتغرق فيه أو تلك التي تغري الناس ببدائل قوامها توظيف الدين في السياسة وخلط كل الأوراق خدمة لمصلحة أطراف داخلية معادية لمصالح الكادحين من جماهير الشعب وخدمة مصالح الدول الاستعمارية التي يتصرّف سفراؤها كأوصياء على الدولة التونسية و شعبها.. نحن في حاجة إلى وعي الشعب وتكاتفه ونهوضه، و في حاجة إلى تحمّل القوى السياسية المنحازة للشعب لمسؤولياتها وعليها أن تتشكل في تحالف وطني ديمقراطي واسع ينحاز للشعب ويمارس بديمقراطية ويتبنى مشروعا تقدميا ينهض بالمجتمع على كل الأصعدة..

تخفيض الترقيم السيادي لتونس الى CCC مع أفاق سلبية ، و على الرغم من ضخامة المشكلات الحالية التي يواجهها الاقتصاد التونسي فإنه لابد من القول إن هذه المشكلات ليست وليدة اللحظة بل هي نتاج طبيعي للسياسات الاقتصادية التي إنتهجتها الدولة التونسية على إمتداد عقود طويلة ، فضلاً عن تراكمات طويلة من سوء الإدارة وإنعدام الشفافية وغياب سياسات المحاسبة والمساءلة وتفشي الفساد الأمر الذي أفضى إلى كل ما يعانيه الاقتصاد التونسي في هذه المرحلة من خراب وعجز بالمعالجة وصل لحالة من اليأس، السبب الأول و الأوحد و الوحيد فيه هو الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 2011 و تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و تفاقم الأزمة من سنة إلى أخرى بسبب عدم استقرارها، وخضوعها للتجاذبات السياسية و الحزبية. لابدّ من مصارحة التونسين والتونسيات بالحقائق المُرّة و لابدّ من تقديم جرد حساب مفصّل عن عشرية النكبة.. يجب مصارحة الشّعب بأن السفينة على قاب قوسين أو أدنى من الغرق نتيجة تراكمات من الفشل و الفساد طيلة السنوات العشر الماضية ،وأنّ المطلوب لإنقاذ البلاد من الخطر الجاثم يتطلب تقاسم التضحيات ونكران للذات وأنّ قدر هذا الجيل بالذات هو تكبد التضحيات من اجل الجيل القادم ومستقبل الوطن ولاسترداد سيادته وحرية قراره، فلم يعد هنالك مكان اليوم لمزيد إهدار الوقت ولا للتجاذبات ولا إلى التلكؤ من اي طرف كان ولا المزايدات ولا للحسابات الضيقة بعد ان باتت البلاد مهددة بالافلاس واصبحت مرتهنة بصفة واضحة الي الدائنين الخارجين ..وقد بات من باب الوطنية على كل الجهات التحلي بالحكمة وبروح المسؤولية لتمكين البلاد من الخروج من عنق الزجاجة..اليوم و أكثر من أي وقت مضى ينتظر الحكومة عمل جبار لرفع هذه التحديات، عليها ان تتوجه مباشرة الي الشعب للتحدث إليه و مصارحته وتوعيته بما ينتظره واقناعه و إعلامه بما تعتزم اتخاذه من اجرءات عملية سريعة لارساء العدالة الجبائية وللمحافظة علي قدرته الشرائية وللضغط الحقيقي على الاسعار ومقاومة التسيب والفساد والرشوة المنتشرة والإثراء الفاحش وغسيل ونهب الاموال و التهريب و الإحتكار والتجارة الموازية وغيرها من الآفات التي نخرت ولاتزال إقتصاد ومعنويات البلاد طيلة العشرية الاخيرة التي انقلبت فيها كل الموازين رأسا علي عقب.. هذا هو الطريق الأمثل لوضع البلاد مجددا علي السكة ولكسب ثقة المانحين الدوليين والمستثمرين المحليين وتأمين رجوع الماكينة الاقتصادية للدوران بعد عشرية سيطرت عليها الهوايتية والفوضوية والزبونية وتراجعت فيها البلاد اشواطا كبرى إلى الخلف، علما انه ليس لنا طريق اخر اذا ما أردنا وضع حد للعبث وتأمين افضل الظروف لاقلاع بلادنا اقتصاديا في اقرب الاجال الممكنة وحمايتها من كل المغامرات غير محسوبة العواقب…

ويبقى سؤال: هل تنجح تونس في الخروج من أزمة الاقتصاد مطروحا؟.. فسواء حدثت أزمة أم لا، فإن تونس مُلزمة بتعلم كيفية “العيش على شفى جرف الفوضى” على مدار السنوات القليلة المقبلة، وسوف يكون المحدد الأهم على المدى الطويل للنجاح هو مدى قدرة تونس على مقاومة أمراض الديمقراطيات المعاصرة، و المعارضة المريضة بالنرجسية و الغارقة في الشعبوية المدمرة، فهذه المشاكل وتلك تطل بوجهها القبيح الآن، إن إجراء إصلاحات سياسية؛ الإستشارة الوطنية و الإستفتاء و الانتخابات التشريعية القادمة، وتنفيذها، هي علامة على التقدم الذي تحرزه البلاد، ويجب أن نحيي هذا التقدم ونشيد به، لكن تبقى مصاعب تنفيذها في ظل العراقيل المفتعلة ليست إلا في بدايتها..تونس لا يمكن أن تعود إلى الوراء مرة أخرى، و النظام السياسي الهجين لا يمكن أن يتواصل ، و تونس الآن لابدّ أن تتحرك بخطوات إيجابية إلى الأمام رغم العراقيل المفتعلة ..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024