إن من لم يقرأ تاريخ أمريكا بأقلام أحرار هذا العالم، ليس بمقدوره أن يخلص الى نتيجة، أنها نظام أرعن متغطرس، منغمس في الشر والفساد والجريمة بحق اغلب دول وشعوب العالم، منذ تأسيسه الخبيث، الى يومنا هذا، وحتى أوان زواله، ومن قام على دماء المظلومين وأرواحهم، حقيق به أن يزول من خارطة السياسة العالمية، لتستريح منه الدول الحرّة وشعوبها.
أمريكا التي عبرت بكل وقاحة على لسان رئيسها، أنها أرسلت قواتها إلى العراق وسوريا، من أجل استنزاف حقول النفط، والإستيلاء على مدّخرات الذهب، كما حصل في العراق، وصور الإستيلاء على مخزون الذهب العراقي قد وثّقها جنود أمريكيون.
وأمريكا التي ركزت قواعدها حول آبار النفط في دويلات الخليج، بدعوى حماية مصالحها هناك، وهي تخادع العالم بأنه ليس لها مصلحة في الواقع هناك، سوى أنها نصبت نفسها حامية لأنظمة، مفروضة على شعوب تلك المناطق، أتمّ رئيسها حلقة استغلاله، بابتزاز تلك الانظمة، معتبرا إياها بقرات، سيحلبهن ما درّ فيهن حليب، وسيتركهن الى مصائرهن، متى جفت أضرعهن.
إدّعاء أمريكا بأنها دولة انسانية، ونصبت نفسها مدافعة عن حقوق الانسان، لا محلّ لها من الإعراب في عالم الحقوق الإنساني، فهي تعتبر بالأرقام أول خارقة لتلك الحقوق، ليس في داخل أمريكا فقط، وإنما خارجها أيضا، فقواعدها وسجونها السرّية، منتشرة في دول رضيت به، وقبضت ثمن ذلك السّماح، وهي تدرك جيّدا أن غاية أمريكا واهدافها بعيدة عن الانسانية، وحتى مصلحة تلك البلدان نفسها.
إيران الإسلامية التي استهدفت في حرب بيولوجية غير معلنة بفايروس – ولا ازال متمسكا بهذه الفرضية – كانت بحاجة ماسة الى رفع الحصار الظالم، المسلّط عليها من طرف الإدارة الامريكية، حتى تتمكن من مواجهة مخاطر انتشاره، والتي لو استمرت في التكاثر، لشكلت خطرا على جميع الانسانية، وهو موقف إنساني محض، يجب أن يبادر اليه كل نظام انساني، يمتلك حس المسؤولية، ويحرص على سلامة غيره، ويهمّه انقاذ حياة الانسان، بقطع النظر عن انتمائه وفكره وعرقه، كل ما ظهر من طرف أمريكا كان مجرّد دعاية سياسية، بتقديم المساعدة لإيران، إذا طلبت هي ذلك، وهذا استدراج أمريكي خبيث، ردّت عليه إيران بأنها تشكّ في العرض الأمريكي، وتدعو في المقابل المجمع الدولي، لكسر الحصار عنها، والتمرّد على العقوبات الأمريكية الظالمة المسلطة عليها.
ولئن شمتت الادارة الامريكية فيما حصل للصين وإيران، من تفشّي الاصابات بفايروس كرورنا covid19، ولم يكن ذلك خافيا، فإنّ الصين وإيران بادرتا الى التحرك، من أجل كبح جماح انتشاره، ليس في بلديهما فقط، وإنما في أي مكان يمكن تقديم المساعدة والعون فيه، وقد عبر العميد حسين سلامي، قائد قوات حرس الثورة الاسلامية الإيرانية، بأن بلاده مستعدة لتقديم المساعدة للشعب الأمريكي، للتغلب على جائحة الفايروس، تعبيرا منه أن إيران لا تعادي الامريكيين، وإنما تعادي سياسات نظامهم الشيطانية، وهنا يبدو الفرق بين النظامين.
مغالطة أمريكا للدول والشعوب في عدد من القضايا، أشهر من أن تخفى فأين أسلحة الدمار الشامل، التي ادعى وجودها وزير خارجية الرئيس الأمريكي جورج بوش، كولن باول Colin Powell، واتهم بها العراق، فغزته بتحالف عالمي، انخرطت معها دوله، في غباء لا يمكن تبريره، إنما كان انقيادا لإرادة سياسة الخداع الأمريكية، ثم تطوى صفحة ادعائه، كأنّ شيئا لم يكن، بعد تسعين يوما من البحث المكثف، في كل أرجاء العراق، شارك في مختلف اطوارها وفرقها وبعثاتها، أكثر من 1200 خبير، وتكلفت مهمتهم 300 مليون دولار- على حساب الشعب العراقي – لم تجد بعثات التفتيش شيئا مقنعا، يثبت صحة الدعوى الإدارة الأمريكية.
ومن تصريحات رئيسها المعتوه ترامب، تبين أن أمريكا وتحالفها المزعوم على محاربة الارهاب، كان له هدف آخر، بعيد تماما عن الهدف المعلن، فما كانت تريده امريكا هو الاستيلاء على ثروات تلك المنطقة، وتنصيب أنظمة عميلة، لا تمانع من بقاء قواتها هناك واقامة قواعد لها، والإرهاب من المنظور الأمريكي، تمثّل في أي شخص أو منظمة أو دولة أو حتى شعب، تعتبره معارضا لسياساتها، وصنّفته على لائحتها السوداء، خارجا عن سلطانها، وغير خاضع لإرادتها، فمقاومة الكيان الصهيوني – وهو عين الإرهاب، وبؤرته في الشرق الأوسط – تراه أمريكا إرهابا،
إذا كانت أمريكا صادقة في ما تدعيه كذبا وبهتانا، من جهود في احلال الديمقراطية في العالم، فلماذا لم تبدأ بتغيير سلوك حلفائها، الأكثر تخلّفا عن الديمقراطية وحقوق الانسان تجاه شعوبهم؟ فهل يستقيم غض الطرف عنهم، رغم إدانتهم المتكررة من طرف المنظمات الدولية لحقوق الانسان، وتكفّ عن اتهاماتها بخرق تلك الحقوق، وانتهاك الديمقراطية من طرف انظمة، لا ذنب لها سوى أنها رفضت الهيمنة الامريكية على بلدانها، ووقفت في وجه محاولاتها المتكررة تغيير انظمتها، مثل الجمهورية الاسلامية الإيرانية.
أيصدّق عاقل أنّ أمريكا العنصرية، حتى بين أعراق شعبها، والصهيونية في سياساتها الخارجية، تسعى فعلا لعدالة الانسان مهما كان لونه أو عرقه؟ أعتقد أن أي عاقل لا يمكنه تصديق ذلك، وهو شاهد على كل انحرافات أمريكا عن حقوق الدّول والشعوب المهضومة، على مدى سبعين سنة، وهل يصدق تجاهلها لحقوق الشعب الفلسطيني، بتعطيل قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، برفع الفيتو في وجه كل قرار، تضمن إدانة الكيان الصهيوني، في جريمة ارتكبها بحق الفلسطينيين، وتستحق العقاب دون أدنى شك؟
رعونة أمريكا بلغت منتهى السقوط الأخلاقي، عندما أعلن وزير العدل الأمريكي ويليام بار، أن المحكمة نيويورك، وجهت تهم الإرهاب المرتبط بتهريب المخدرات، الى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو Nicolás Maduro، مع رئيس المجلس التأسيسي الفنزويلي، ديوسدادو كابيلو Diosdado Cabello، وثلاثة من القادة العسكريين، ولم يتخلّف وزير خارجية هذا النظام المتعفّن بامبيو، من الإعلان بأن إدارته، قد خصصت مبلغ 15 مليون دولار، لمن يقدم معلومات، تؤدي الى اعتقال مادورو، تصرّف أرعن جاء بعد مرور سنة، على فشل المحاولة الإنقلابية، التي أشرف عليها شخصيا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومستشاره للأمن القومي جون بولتون . John Bolton
لسان حال الادارة الأمريكية يمنّيها بغزوة ما، معدّة خططها مسبقا، كما حصل من قبل في بانما Panamaعندما اختلفت مع رئيسها مانويل نورييغ Manuel Noriega ، وقامت باعتقاله في 3/1/1990، لكن هيهات فليست فنزويلا كبنما، فدون الأمنية الأمريكية عقبة كؤود، إسمها الشعب الفنزويلي الثوري، الذي سيقف في وجه أي عدوان محتمل، وأصدقاء النظام الاشتراكي، الذي تعتبره أمريكا عدوّا لتوجهاتها الإمبريالية، مستعدون لتقديم العون له، والوقوف مع الشرعية الحقيقية، غير المزوّرة التي يدّعي عملاء أمريكا حمايتها في اليمن.
وأمريكا التي تعتقد إدارتها أن فنون الكذب والمراوغة، من ميزات السياسات الناجحة التي تنتهجها، وتظهر للعالم بمظهر القطب الذي لا يرد قوله، وهو محض افتراء وكذب، أيمكن لعاقل أن يصدقها، بعد كل هذه السلسلة المشينة من الاكاذيب؟ أعتقد أنه بحكم هذه القرائن وحدها، يصعب علينا تصديق، أن ما تقوم به امريكا يخدم مصلحة شعب ما.
Tags الامبريالية العقوبات الامريكية محمد الرصافي المقداد
Check Also
من يحكم من إسرائيل / أمريكا ؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني
السردية السائدة في الصحافة الرسمية الغربية بما يخص العلاقة بين نتنياهو وكيانه وإدارة الرئيس بايدن …