لا يمكن أن ينجح مجتمع بطريق اتباع أسلوب الغرب، في انتهاكاته لحقوق الإنسان، وهو الذي يدّعي حماية تلك الحقوق، ويتظاهر بالدفاع عنها خصوصا في خروقات من يقوم باختراقها، ممن أعجبه الأسلوب الغربي في انتقاداته السياسية، غايتها اسقاط الأشخاص المستهدفين، وتقديمهم إلى المجتمع على أساس مغاير تماما لحقيقتهم، تقليد أعمى جنحتْ إليه فئة من مثقفينا، غايتها ركوب منطق خالف تُعْرَف، أو الظهور فيه بمظهر المصلح، والهدف ليس كذلك بالتأكيد، والمجتمع الغربي – مع احترامي لمن التزم فيه بحدود الأدب وعدم تجاوزه إلى الاعتداء على الغير بالسخرية ونسبة ما لا ينطبق على المُدّعى عليهم من شخصيات لها وزنها في عالم السياسة والاجتماع- واقع تحت تاثير ذلك الأسلوب الرخيص، من انتهاك الحقوق الإنسانية والسياسية، لأشخاص دخلوا عالم السياسة والإجتماع، ليقدّموا ما في وسعهم من الإصلاحات الممكنة.
الإدعاء بأنّ مصادرة كتاب (كمال الرياحي)(1) (فرنكنشتاين تونس) طبع أمارلس الخليج(2)، تُعتبر خرقا لحقوق النشر التي يتمتّع بها الكتّاب والمؤلفين في تونس بعد سنة 2011، هو ادّعاء باطل فعلى مستوى عرض الكتاب، لم يكن ضمن قائمة الكتب المعروضة لدار النشر، وأنّ عملية عرضه بقيت مخفيّة عن بقية الكتب المعروضة، كأنّما لسان حال صاحب الكتاب، أو من تعمّد إخفائه ليباع تحت الطاولة لمن يسأل عنه، أو ممّن يقع تنبيه الزائر له حتى يطّلع عليه.
أمّا عن محتوى الكتاب وإن كنت لم أطّلع عليه، ومن عادتي تجنّب الروايات لما فيها من خيال مبالغ فيه وشطحات قد تصدر من مؤلفيها لا تنطبق على الواقع، وعادة ما تكون الروايات والقصص متجاوزة حاجز الواقع والزمن لتحيك نسيجا من الأحلام والآمال المثالية التي يغلب عليها الخروج من عالم الإمكان إلى عوالم أخرى قد لا تكون موجودة في غير عقل مؤلفها، وهذا يأخذنا بالطبع إلى تقييم منطقي للرواية والقصة بخصوص مدى تعلّقها بالواقع والنتيجة أو النتائج الممكن جنيها من ورائهما، هذا على الصعيد الفكري الأدبي.
ومن جانب آخر فالقصة والرواية يمكن أن تحكي واقعا فكريا سياسيا، يمسّ صميم السياسيين بالنقد السيء، وهو متعلّق رواية ( فرنكنشتاين تونس) التي كتبها الروائي الإعلامي كمال الرياحي، حيث استهدف بالنقد السيء شخص الرئيس التونسي ( قيس سعيد) فأعطاه لقبا لا ينطبق عليه أبدا، مستعيرا له شخصية دمويّة، اختلقتها الكاتبة الإنجليزية (ماري شيلي) ( 1797/1851)(3)، محاولا اظهار الرئيس مظهر الرجل الدموي، اصطفافا وراء من اعتبر اجراءاته الإصلاحية انقلابا على الدستور والشرعية، وهذا على الصعيد الفكري السياسي.
ونقد الأشخاص يأتي من باب نقد أعمالهم، يجب أن يخضع لأدب النصح والتنبيه من الوقوع في خطأ، لا أن يكون أداة تسقيط في كثير من الحالات، التي يحاكي فيها الكتاب والإعلاميون التونسيون والعرب أساليب الغرب، في الطعن على شخصياتهم، والعمل على الإستخفاف بها إسقاطا لقيمتها والحطّ منها شعبيّا، لِمّا للإعلام في عالم الغرب من مكانة عالية، لها قدرة كبيرة على التأثير في الرفع أو الحط من شعبية هذا الزعيم وذاك، وهو أسلوب بعيد كل البعد عن النزاهة والتقييم الصحيح للشخصيات الغربية، وهذا مما أدخله الغرب في تقاليده، وهو ليس بمنأى عن القوى المالية والاقتصادية المتحكمة في سياسة الغرب، هذا الأسلوب الدعائي خبيث في تعاطيه، ومنحاز إلى جهة ما، هدفها إسقاط الشخصية المستهدفة، لصالح شخصية أخرى تعمل تلك القوى على دعمها، وإعطائها مجالا أكبر للنجاح في مسيرتها السياسية.
محاولة إعطاء هذا الاجراء القانوني صبغة غير قانونية خطأ فادح، ما كان على دور النشر التي انسحبت من معرض الكتاب الدولي، تضامنا مع دار النشر التي صودر كتابها عند افتتاح المعرض يوم الجمعة (28/4/2023 والذي تمتدّ دورته إلى غاية 7/5/2023) أن تبادر إليه، دون أن تتريّث في قرارها المتعجّل، أما على المستوى الأخلاقي والديني، فيجدر بنا التذكير، بأن ديننا وقيمنا التي تلقيناها من كتابه ونبيّه صلى الله عليه وآله، تحرّم علينا استعمال أيّ أسلوب للسخرية كالاستخفاف بالأشخاص وتحقير جهودهم، والتنابز بالألقاب وإن كانت متصلة بالغير لأيّ سبب كان، وهو تحريم عام ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تَلمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) (4)
قبل سنة 2011 أين كان هؤلاء المتطاولين على أعلى هرم في السلطة التونسية؟ لماذا لم نسمع لهم حسيسا أو إصدارا؟ هل كان بإمكانهم فعل شيء مما يفعلوه اليوم، واعتبروه حقا تعبيريا، يجوز لهم نشره بتلك الحدّة، وبذلك الأسلوب محلّ الجدال اليوم، ونحن نعلم أنّ ما اقترفه هؤلاء بحق الرئيس قيس سعيد ليس من الدين والأخلاق في شيء؟ خصوصا إذا اخذنا بعين الاعتبار هذه الرواية ذات العنوان الخيالي؟ التي لا تعبّر في شيء عن تطلعات الشعب التونسي ولا تفيده في شيء، وهي تعبير سقيم مريض أبداه شخص لغاية في نفسه من باب التفلسلف العقيم، ولا أعتقد أن هذه الرواية سيكون لها اعتبار في محصّلة الفئات المثقفة لهذا الشعب، الذي يعتبر أنّ إحدى نكباته قسم من طبقته المثقفة، التي آثرت استعمال أسلوب التشويه والتشهير بالباطل، بدل استعمال أسلوب الإصلاح وابداء النصح، ونحن في فترة هامّة من تاريخ بلادنا المعاصر، بحاجة إلى استعمال العقل والمنطق، بدل الانسياق وراء عواطف غير مبنية على أساس سليم، من شأنها أن تعرقل عملية الإصلاح التي بدأها الرئيس قيس سعيد، ونحن لا نشكّ أبدا في مصداقيته وحسن نواياه.
هذه النوع من النقد – مقصود به هدم ثقة الشعب التونسي بالرئيس- ليس بإمكانه أن يفيد في شيء هذا الشعب فيتأثّر به؟ أو أنّ فيه ما يُرى بعين الناقد النزيه، ما يمكنه أن يكون مدخلا محمودا لتغيير مواقف الرئيس قيس سعيد؟ بالطبع وبالتأكيد لا وألف لا، ومن العنوان يفهم العاقل القصد من الرواية وغايتها ضرب مصداقيته، فلا يرتاب في سوء نيّة من كتبها، ومن اصطفّ معه في التنديد بمصادرتها، وعليه فإنّه كما يقول المثل: (الشيء إن زاد على حدّه انقلب إلى ضدّه) والعواطف لا يجب أن تطغى على العواقل، وإلا تحوّلت الحياة إلى غابة من المشاعر التي قد تكون مبنية على الأهواء أكثر منها أي شيء آخر فرحم الله إمرءً سمع فوعى، وترك هواه في صدره وأدرك الحقائق بعقله.
المراجع
1 – كمال الرياحي https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – إقرأ وتعلّم https://aqrawataelam.net/2023/04/29
3 – فرنكنشتاين https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – سورة الحجرات الآية 11