لا أعتقد أن الإعلام الغربي بجميع مؤسساته وعناوينه المكتوبة والمرئية والمسموعة، مهتمّ حقيقة بما يجري في داخل بإيران، من دون أن تكون له مصلحة كامنة وراء ذلك الإهتمام، فقد تعوّدنا على أساليبه الماكرة التي يستعملها عادة، لغاية يريد إدراكها من خلال سياساته الخبيثة، وهي تدجين شعوب العالم المستضعف، ببسط كامل هيمنته على دولها، سياسيا واقتصاديا وفكريا، ومن عادة هذا الغرب بإعلامييه وسياسييه بتشكيلاتهم من أقصى اليمين المتطرّف، أن يظهر بأدواته دائما بمظهر المُصلِح في العالم، والرّاعي لحقوق الإنسان.
لعل أقرب وصف للعالم الغربي في سلوكه هذا، مع الشعوب المستعصية عليه والمتحرّرة من هيمنته، ينطبق على ضب الصحراء(1)، الذي كلما سلكت طريقا للإمساك به، سلك هو طريقا آخر للفرار والهروب، بأسلوبه في الخداع والمراوغة، والغرب اليوم من حجور ساسته يستعمل شخصيات إيرانية في حملاته التضليلية الإعلامية، على أنّ هؤلاء يمثّلون عموم الشعب الإيراني، بينما هم في حقيقتهم أبعد ما يكونون عن مصالحه، صنفان: صنف ممن انخرط طوعا في محاربة النظام الإسلامي، على أساس عقيدته المعادية، وهؤلاء منتسبون لمنافقي خلق، وحزب الحياة الحرّة (كوجاك) الكردية الإنفصالية غرب إيران، ووهابية باسم جيش العدل المتمركز من جهة باكستان على الحدود الإيرانية، يحرّكهم الغرب بمشاركة ودعم سعودي كبيرين.
ما أجمعت عليه دول الغرب منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، هو بلا شك معاداة الإسلام السياسي، ومحاولة تشويه التجربة الإسلامية في إيران، بحيث تبدو قبيحة في نظر بقية المسلمين والعالم، لذلك لجأوا إلى أصحاب الأقلام المرتزقة من كتاب وباحثين، باعوا ضمائرهم وأوطانهم لمن يدفع أكثر، للقيام بدور التشويش على النظام الإسلامي، وتقديمه على أساس أنه نظام مستبد وقامع للحريات في إيران،
الغرب الذي يتبجح بحقوق الإنسان، ويستعمل شعاراتها البراقة، غلافا يخفي فيه جرائمه وعنصريته المعادية للإسلام، أصبح منذ أمدٍ حاضنا لجماعات إرهابية، من أمثال منافقي خلق اليسارية، فارّة من بلدانها مستحقة للقصاص، بعد ارتكابها جرائم قتل، استهدفت شخصيات سياسية ودينية، هذه الزمرة المجرمة وجدت في أكناف الدول الأوروبية وأمريكا، ملجأ ومأمنا لعناصرها، من الإدانة واستحقاق العقوبة على ما ارتكبوه من اغتيالات في إيران بعد الثورة الإسلامية، ذهب ضحيتها علماء كبار وشخصيات سياسية ومواطنين أبرياء.
دول الغرب تدرك جيّدا خطورة وجود منافقي خلق أحرارا عندها، وهي من أجل ذلك تراقبهم، لكنّها تستبقيهم عندها، للقيام بما لم يقوموا به سابقا، في استكمال جرائمهم بحق النظام الإسلامي في إيران، هذه الدّول الغربية ومنافقي خلق اجتمعوا في مستنقع واحد، متحالفين على بغض ومعاداة النظام الإسلامي، قد التقت مصلحتهما المشتركة في هذا الجانب، للعمل معا من أجل الإضرار به على المستويين الداخلي والخارجي، على الرّغم من أن نظام وليّ الفقيه مشروع الإسلامي نابع من صميم تعاليمه، قد تبناه الشعب الإيراني في استفتاء مشهود، بلغت نسبته 98.2% من أصوات الشعب الذين قالوا نعم للإسلام، وذلك تحوّل لم يستسغه الغرب وأدواته العميلة في المنطقة إلى اليوم.
دول الغرب التي كانت تركض وراء إعادة الروح للإتفاق النووي، كشفت عن وجهها الخبيث المنافق، لتنخرط في جوقة الدعاية المغرضة ضد إيران الإسلامية، وتصوير نظامها قامعا منتهكا لحريات شعبه قاتلا للأبرياء، وهي تأمل بهذه الطريقة في إلحاق أكبر قدر من الضرر به، فشنت عليه حملة دعائية غير مسبوقة، استعملت فيه عملاء لاجئين إليها من إيران، لم يتحمّلوا أن يعيشوا تحت نظام ولاية الفقيه، وهم أصحاب إيديولوجيات يسارية ويمينية وليبرالية متحررة، وقد كانوا من قبل يعيشون تحت حكم الشاه بهلوي منفلتين من كل قيمة دينية، يفعلون ما يحلو لهم من مجون وفسق، بلا رقيب ولا حسيب.
أمثلة هؤلاء كثيرون أخصّ بالذكر منهم، شهلا شفيق بسكي(1) إيرانية معارضة للنظام الإسلامي (68 سنة) تعيش بفرنسا، أولتها الحكومة الفرنسية بعناية واهتمام لكتاباتها المعادية للنظام الإسلامي، فمنحتها وسام (جوقة الشرف Légion d’honneur) برتبة (فارس(Chevalier، بفضل كتابها (نساء تحت الحجاب) نُشِر سنة 1995، ووسام جوقة الشرف، هو أعلى وسام فرنسي، انشأه نابوليون بونابارت للمجتهدين والمتميّزين من جنوده، وينقسم إلى خمسة مراتب أدناها رتبة فارس وأعلاها هي (ضابط (Officier ثم (قائد (Commandeur ثم (قائد عظيم (Grand Officier ثم (الصليب الأكبر (Grand’Croix(3)، ولا يمنح هذا الوسام إلّا لمن قدم خدمات جليلة وهامة لفرنسا، هذا الوسام الذي قبله من قبله ورفضه من رفضه، لأسباب مختلفة حسب كل من رفضه(4)، بينما هو وسام ترتيبي لمن يخدم فرنسا الإستعمارية بكدّ وجدّ، فلا خير فيه.
من خلال ما كتبته شهلا شفيق، ولا تزال تنشر مقالاتها على (صحيفةfranc-tireur) تبيّن أنها معادية للإسلام، ومحاربة لأي مظهر له، بدأ من الحجاب إلى أحكام الإسلام وحكومته، وكتابها الذي تحصلت من ورائه بوسام فارس الفرنسي، يفيد توجّهها المعادي، بل لعلّها أكثر تعصّبا من الأصوليين الفرنسيين، في مواقفهم المتطرّفة والعنصرية من الدين الحنيف.
وقد سُقْت مثل الضبّ هنا لأنني وجدته مصداق أسلوب الغرب في التعامل مع حلفائه وعملائه، وهو لا يتورع في أكلهم، إن دعته الحاجة إلى ذلك بدل حمايتهم، وما حدث من قبل لعملاء الغرب كحسني مبارك (مصر)، وبن علي (تونس)، دليل على عقوق الغرب، وتملّصه من التزاماته تجاه عملائه وإن اخلصوا له، فالغرب كالضبّ الذي يأكل أولاده ولكن ليس اشتباها، وإنّما تضحية بهم، ومكْرُ الغرب طوال عُمُرِ استقوائه سيء، سوف يحيق به كما قال الله تعالى: ( استكبارا في الأرض ومكر السّيّء ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله)(5)
يأس دول الغرب من تغيير شيء في إيران، دفع بهم إلى الدخول في ترتيبات تآمرية مسدودة الأفق، على أمل ضئيل لا يكاد يُرَى، لعلّه يأتي بشيء ويساعدهم على افشال تجربة الحكم الإسلامي بما حملته من أهداف تحرّرية خطيرة عليه، لكن هيهات أن يتحقّق أمل باهت أمام شعب عقد العزم، وشمّر على ساعد الجد ليُنْجِح مسيرته التجديدية لنهج مقاومة الاستكبار والصهيونية، بنكهة المقاومة وعنوان إسلامي.
المصادر
1 – مثل عربي: ونُسِبت الضبّة إلى العقوق بسبب أنها تأكل أولادها عندما يفقسون البيض اشتباها من كونهم دخلاء على بيضها. مجمع الأمثال الميداني ج2ص47
2 – شهلا شفيق https://ar.wikipedia.org/wiki
3 – جوقة الشرف https://www.marefa.org/
4 – تعرف على أبرز المكرمين والمعاقبين بوسام جوقة الشرف الفرنسي
https://arabic.euronews.com/2018/04/20/who-are-the-most-honored-and-punished-by-legion-d-honneur-award
5 – سورة فاطر الآية 43