لم تحظَ أي حركة في تاريخ الحركات الإرهابية بدعم مالي وعسكري ولوجستي كالذي حظيت به الحركات الوهابية المتطرفة وكان أولها وأكبرها الحركة التي جهزتها وكالة المخابرات الأمريكية للحرب ضد الاتحاد السوفييتي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في أفغانستان، وسخرت لها دعماً مالياً وبشرياً من السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية التي تحدد لها الولايات المتحدة سياساتها، ثم ظهرت هذه الحركة باسم «القاعدة» في الثمانينيات بعد تزعّم أسامة بن لادن لها.
ولأنها أصبحت جزءاً من التاريخ فقد تطرق إليها كتاب بعنوان «الحرب الباردة: 1945 – 1991 موسوعة أوكسفورد للتاريخ العسكري والدبلوماسي الأمريكي» جامعة أوكسفورد -8-1- 2013، يكشف أن المخابرات المركزية الأمريكية دربت وأعدت وسلحت منذ عام 1978 حتى عام 1992 قبل عام من حرب المجموعات الإسلامية المتطرفة على حكومة كابول الديموقراطية وحليفها الاتحاد السوفييتي أكثر من 100 ألف من أفراد المجموعات الإسلامية المحلية والأجنبية في أفغانستان وحدود باكستان، وكان يتولى هذه المهمة جهاز مخابراتي خدماتي أمريكي يسمى «مخابرات الخدمات الدولية – ISI انتيليجنس سيرفيسيز انتيرنيشينال»، وهي حروف تشبه اختصار «داعش» بالانكليزية ISIS ( أيسيز)، وكانت السعودية تدفع الأموال وترسل الإرهابيين للمشاركة.. وتكشف صحيفة «الغارديان» البريطانية في 17-1-1999 أن أحد ضباط هذا الجهاز ذكر لها أن أكثر من 12500 من المتدربين الإسلاميين الأجانب منذ عام 1985 حتى عام 1992، حصلوا على خبرات في صناعة العبوات المتفجرة، ثم درب الجهاز 2500 آخرين بعد عام 1992، وأن رئيس المخابرات الأمريكية آنذاك وليام كيسي طلب توزيع كتب إسلامية وهابية من السعودية على دول مجاورة لأفغانستان من دول الاتحاد السوفييتي المسلمة لتحضير مجموعات للهدف نفسه في تلك الدول.. وهذا التاريخ يشير بشكل واضح إلى أن الإدارة الأمريكية لن تتوقف عن استخدام هذا الفكر الوهابي في حروبها على دول المنطقة كلها، ولاسيما أن الإرهاب التكفيري لم يوجه عملياته ضد الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة لتغيير أنظمة حكمها الملكية المطلقة، ولذلك أرسلت واشنطن وحدات عسكرية إلى شمال شرق سورية لا لمحاربة إرهاب «داعش» بل لخلق أمر واقع في تلك المنطقة يضم مجموعات متطرفة إلى جانب وحدات من مكونات معينة للاستناد إلى هذا الوضع في تدريب وتسليح وتوجيه المجموعات التي تستهدف الجيش العربي السوري هناك، وقد تقوم واشنطن بتحويل جزء من مجموعات «داعش» في تلك المنطقة إلى تنظيم سري وتبقي جزءاً آخر علنياً بحجة محاربته ثم تقسم منطقة وجودها في شمال شرق سورية إلى منطقة تخضع لمجموعات تابعة لها ومنطقة تخضع لمجموعات من بقايا «داعش» تتحالف معها وتخضع لحمايتها العلنية بعد ذلك.
فالإدارة الأمريكية لا تستهدف من خطتها هذه الجيش العربي السوري وحده بل الدور العسكري الروسي المساند له أيضاً، وبحجة محاربة الدور الإيراني الداعم لسورية، وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية ستجد نفسها، هي ومن يتحالف معها هناك سراً أو علناً، في مواجهة قوة تفوق في حجمها وقدراتها العسكرية على الأرض كل هذه الأدوات التي تريد استخدامها في شمال شرق سورية.
وتشير تقارير إسرائيلية وأخرى أمريكية إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تنفيذ خطة كهذه لتحويل تلك المنطقة إلى بؤر خارج السلطة الشرعية السورية يجري فيها تجنيد الأنصار، وزيادة عدد الخارجين عن القانون وهو السيناريو نفسه الذي تعده واشنطن للعراق في مناطق متاخمة للحدود مع سورية.
وبرغم أن المخابرات الأمريكية لا تنفق دولاراً واحداً على تنفيذ هذه الخطط مادامت السعودية هي التي تتولى دور الممول، لكن المرحلة المقبلة في تحرير إدلب بكل الطرق الممكنة ستجعل سورية تفرض واقعاً جديداً في تلك المنطقة بمساندة حلفائها، يفتت كل ما تحاول الولايات المتحدة بناءه من أدوات الإرهاب المختلفة، والموجهة ضد الجيش العربي السوري وحلفائه، فلم يعد في مقدور أي قوة من أي مجموعات إرهابية تستهدف الجيش العربي السوري أن تستمر بوجودها لا تحت حماية أمريكية ولا تركية فجدول عمل سورية وحلفائها هو الذي سيفرض في النهاية نتائجه على الأرض وليس جدول العمل الأمريكي وأدواته، ولاسيما بعد أن أحبطت سورية وحلفاؤها ما هو أكبر وأخطر من هذه الأدوات، وغيّرت ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها في مواجهة «إسرائيل» والمجموعات الإرهابية، فالزمن لم يعد يعمل لمصلحة أي مجموعات إرهابية بعد تطهير معظم أراضي سورية من الإرهاب، ومن يخالف هذه الحقيقة يكون كمن يضع نفسه بين الاستسلام أو الانتحار.