ترجمة : الدكتور بهيج سكاكيني
الكاتب : Gönül Tol
المصدر: The Middle East Institute, 09.10.2018
إختفاء المعارض الصحافي السعودي جمال خاشقجي بينما كان في زيارة للقنصلية السعودية في اسطنبول والادعاءات التركية بأنه قد قتل هو التحدي الاخير للرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وعليه ان يتخذ قرارا الان: فيمكنه ان يتمسك بالرواية التي سريت من قبل مسؤولين أتراك الذين ذكروا ان الخاشقجي قد قتل في القنصلية السعودية والمجازفة بأزمة كبيرة مع الرياض أو بإمكانه إتباع مسار أقل عدوانية كما فعل في السابق في سبيل تجنب وضع العلاقات مع الرياض تحت مزيد من التوتر.
أردوغان لديه الكثير من المشاكل حاليا. فتركيا في وسط عاصفة إقتصادية ولديها قلة من الاصدقاء الذين يمكن ان يأتوا للمساعدة. العلاقات التركية – الامريكية في أدنى مستوياتها. والعلاقات التركية- الروسية من السهل ان تتضرر والعلاقات مع الاوروبيين معقدة للغاية. ولتجنب مزيد من المشاكل كانت تركيا تسعى جاهدة أن لا تزيد من توتر علاقاتها مع السعودية.
العلاقة مع السعودية ما زالت متوترة. المشاكل بدأت عندما أصبح اردوغان ناقدا رئيسيا للانقلاب الذي حدث في مصر عام 2013 والذي اطاح بحليف أردوغان المقرب محمد مرسي. فقد وجهت أنقرة اللوم للرياض للانقلاب. الدعم التركي لحركة الاخوان المسلمين التي اعتبرت تنظيم إرهابي من قبل السعودية أغضب السعوديين. كما وأن انحياز تركيا مع قطر بعد ان قامت الدول الخليجية بقطع العلاقات مع الدوحة، الى جانب تعاون انقرة مع إيران في سوريا تسبب بمزيد من المتاعب للعلاقات التركية-السعودية. ومؤخرا صرحت السعودية على انها قامت بتقديم 100 مليون دولار لـ ” مشروعات الاستقرار” في الشمال الشرقي لسوريا في المناطق التي يسيطر عليها العدو اللدود لتركيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يسيطر عليها الاكراد. وهذه القوات يسيطر عليها مجموعات قريبة من حزب العمال الكردستاني الذي يقود حربا ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي.
أصبحت تركيا غير مرتاحة وبشكل متزايد مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان. وترى انقرة في الامير ولي العهد على انه رهينة أو اداة للولايات المتحدة ومحور أمريكا-اسرائيل-السعودية كتهديد لمكانتها ونفوذها الاقليمي. ولكن أردوغان والى حد كبير امتنع من مجابهة الرياض بشكل علني. وحتى عندما كانت الازمة القطرية في أوجها أبتعد اردوغان عن الانتقاد المباشر للقيادة السعودية. وقد قام بإرسال فرقة صغيرة من القوات التركية الى قطر بعد الحصار الاقتصادي وقامت انقرة بطمئنت الدول الخليجية بأن قواتها لا تشكل تهديدا للمنطقة. وبينما قام اردوغان بمهاجمة أمريكا لدعمها لقوات قسد فأنه بقي صامتا بعدما ان صرحت السعودية على انها ستقوم بتقديم الدعم المناطق التي تسيطر عليها قسد وبعد التقارير التي أفادت بأن مسؤولين سعوديون قاموا بالاجتماع مع عناصر رفيعة المستوى من منظمة بي كى كى في سوريا. كما انه لم يرفع صوته ضد الرياض في حربها على اليمن.
الاعتبارات الاقتصادية لعبت دورا هاما في عدم رغبة أردوغان لتصعيد التوترات مع الرياض. أردوغان رأى في الرياض لاعبا مهما في محاولاته خفض إعتماد تركيا على الاستثمارات الاوروبية. كلا الدولتين تمتعت بعلاقات إقتصادية جيدة تحت حكمه. فقد اصبحت السعودية مستثمر رئيسي في تركيا والسعوديون من أكبر المشترين الاجانب للعقارات في تركيا. وتركيا مهتمة في بناء البنى التحتية للمملكة بما فيها المطارات والبيوت للعائلات ذوي الدخل المنخفض.و التعاون الاقتصادي بين البلدين أكثر أهمية الان لان تركيا تجابه مشاكل إقتصادية.
حادثة الخاشقجي تهدد بإشعال أزمة كبيرة بين البلدين وكذلك إحتمال بين تركيا والحلفاء الخليجيين للسعودية والذي يمكن ان يعرض الاستثمار الخليجي الى الخطر. ردات الفعل الاولية تشير الى أن تركيا لن تغض الطرف عن الحادثة. لقد صرح اردوغان على انه يتابع القضية شخصيا وعلى أن المسؤولين السعوديون لن يكون بإمكانهم ان ينقذوا أنفسهم بمجرد القول أن الصحفي قد ترك المبنى وأن عليهم إثبات ذلك من تسجيل كاميرات الفيديو. وقد كتب ياسين أكتي وهو مستشار لاردوغان في 6 اكتوبر مقالا يقول فيه ان العملية السعودية المزعومة ضد الخاشقجي هي عملية ضد تركيا أيضا. وقد حثت الدوائر المناصرة للحكومة الحكومة التركية على تحميل السعودية مسؤولية إنتهاك السيادة التركية والتأكيد للعديد من العرب المعارضين الذين إتخذوا من تركيا ملجأ بأنهم في أمان.
وهذا يعتبر قرار صعب للغاية لاتخاذه من قبل اردوغان في الوقت الذي لديه مشاكل إقتصادية في البلد وقلة من الاصدقاء الباقون في العالم. وشهر اوكتوبر هو شهر سيء لرجل تركيا القوي. ففي 12 اكتوبر ستقرر المحكمة التركية مصير القس الامريكي الذي سجن في تركيا منذ سنتين بتهمة الارهاب. وهذه القضية أودت بالعلاقات التركية- الامريكية الى ادنى مستوياتها بعد فرض الرئيس ترامب عقوبات على أثنين من المسؤولين الاتراك لدورهم في سجن القس. وإذا ما قررت المحكمة إبقاءه في السجن فإن تركيا ستجابه مزيدا من العقوبات الامريكية.
و 15 اكتوبر هو تاريخ مهم ايضا. فتركيا وروسيا وقعتا مؤخرا صفقة لتجنب هجوم على آخر معقل للمعارضة في إدلب. وكجزء من هذه الصفقة تعهدت تركيا بضمان إنسحاب المجموعات المتشددة من المنطقة العازلة المتفق عليها وهذه مهمة صعبة. وإذا ما أخفقت تركيا بالتزامها فإنه من الممكن ان يودي ذلك الى توتر في العلاقات التركية – الروسية.
على اردوغان أن يأخذ قرارا سواء لتصعيد التوتر مع الرياض على هذه الخلفية. المسؤلون الاتراك ذكروا بأن التحقيقات لديها ” دليل ملموس” بحادثة القتل. إذا ما قرر أردوغان ان يجعل الادلة علنية فإن على الحكومة التركية ان تعتبر ما هي الخطوة التالية والتي قد تتضمن طرد دبلوماسيين سعوديين، القنصل العام أو حتى السفير. ولكن اردوغان قد يقرر عدم إتخاذ ذلك. وهذا سيسدد ضربة اخرى لتركيا التي شوهت صورتها سابقا بإعتبارها أكبر دولة تقوم بسجن الصحافيين وجعل اردوغان يبدو ضعيفا داخليا. نقطة انحراف في مسار الساسية الخارجية التركية تقترب بشكل متسارع. ويبقى ان نرى كيف سيسلك اردوغان في حقل الالغام هذا.
bahij.sakakini@hotmail.co.uk