بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 أدركت الإدارة الأميركية في ذلك الوقت أنها الدولة الكبرى الوحيدة التي لم يلحق الضرر ببنيتها الصناعية والاقتصادية والتجارية لأن الحرب وما نتج عنها من قصف ودمار لم يصل إلى أراضيها مثلما حدث للاتحاد السوفييتي وبريطانيا وخاصة فرنسا التي احتلها النازيون الألمان، أو مثلما حدث للدول التي هزمتها دول الحلفاء مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان، ولذلك سارعت الولايات المتحدة إلى استغلال قاعدتها الصناعية والتجارية الجاهزة فسيطرت على دول أوروبا الغربية بواسطة مشروع مارشال الاقتصادي الشهير الذي حوّل تلك الدول إلى أسواق تعيد الولايات المتحدة فيها بناء ما دمرته الحرب وخاصة بعد أن فرضت جميع شروطها على الدول المهزومة ونشرت قواتها على أراضيها لمحاصرة الاتحاد السوفييتي.
وقد استذكرنا فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لعرض تطورات ما يمكن تسميته “بالحرب العالمية الثالثة” على وباء كورونا التي حملت نتائجها خسائر بشرية وشللاً اقتصادياً وتجارياً ولد خسارة مالية واقتصادية هائلة عند معظم دول العالم إن لم يكن جميعها تقريباً طوال العام الجاري 2020 وبشكل غير مسبوق.
وتبين بعد كل هذه الفترة أن الولايات المتحدة دفعت ثمناً باهظاً بعد فشلها في الحد من انتشار وباء كورونا في ولاياتها وتحولت إلى أكير الدول المتضررة في أراضيها من نتائج هذا الوباء بمجمل اقتصادها ودخلها من الأرباح التجارية الداخلية والخارجية. وعلى غرارها دفعت بريطانيا حليفتها التاريخية ثمناً باهظاً في أسوأ ظروفها. ولم تنج فرنسا حليفتها الأخرى من نتائج وباء كورونا، في حين أن دولاً مثل الصين هي التي يمكن القول إن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها لم تؤد إلى تعطيل دورها الاقتصادي العالمي المتنامي وتوسع أسواقها وهذا ما ينطبق أيضاً على روسيا الاتحادية التي ستكون أول دولة توزع اللقاح المضاد لفيروس كورونا على مواطنيها والدول الأخرى. ويرجح خبراء الاقتصاد أن تحقق روسيا دوراً متصاعداً في ميدان التصدير والتجارة العالمية إلى جانب الصين في الأسواق العالمية بعد تراجع وباء كورونا في العام المقبل بموجب تقديرات منظمة الصحة العالمية والدول الكبرى.
ولذلك يجمع معظم المختصين بالسياسات العالمية على أننا سنشهد بعد هذه النتائج عالماً مختلفاً عن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة لجهة تراجع الهيمنة الأميركية وعجزها عن الاستمرار في لعب دور الشرطي على المستوى الدولي وهذا ما سوف يجعل كل فراغ يتولد عن هذا التراجع قابلاً أن تملأه علاقات التعاون بين الصين وروسيا وحلفائهما على الساحة الدولية والإقليمية بينما يتأرجح دور الاتحاد الأوروبي بين أشكال من التعاون مع روسيا والصين تفرضها موازين القوى وبين أشكال من الحرب الباردة تتولى الولايات المتحدة تحريض أوروبا وحلف الأطلسي على اللجوء إليها بهدف عرقلة التوسع الصيني – الروسي على الساحة العالمية.
وهذا ما يستنتجه الكاتب السياسي الأميركي الذي يحمل “الجنسية الإسرائيلية” كوبي باردا الخبير بالشؤون الإستراتيجية الأميركية ومؤلف الكتاب الصادر قبل عام بعنوان «مفتاح فهم دونالد ترامب» وكتاب «جذور منظمة أيباك في الكونغرس الأميركي».
ففي تحليله قبل أيام يُبين باردا أن واشنطن تحولت في عام 2020 إلى الدولة العاجزة عن المحافظة على دورها في مناطق كثيرة وباتت تعاني من حالة ضعف داخلي وأزمات لم يسبق لها مثيل من قبل على مستوى الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والقبول بالآخر. والحقيقة أن الولايات المتحدة سيتطلب إعادة التوازن الداخلي فيها كقوة عظمى جهداً قد يستغرق سنوات كثيرة في عالم ستتحول فيه الصين وروسيا إلى الرابح الأكبر من هذا التدهور الأميركي غير المسبوق في تاريخ الهيمنة والغطرسة الأميركية.
وفي ظل هذا المشهد المحتمل للعام 2021 يرى المراقبون أن سورية وحلفاءها في محور المقاومة والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجميع المناهضين للسياسة الأميركية سيجدون أن تغيراً واسعاً ستفرضه هذه التطورات لمصلحة أهدافهم وأهداف القوى الوطنية والقومية المناهضة للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، وستصبح سورية جزءاً من اللاعبين الأساسيين في المنطقة وتسهم بدورها في بناء نظام إقليمي وعالمي جديد يتيح لها تحقيق أهدافها في تحرير الجولان العربي السوري وعودته إلى الوطن ولن تتخلى عن الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية التي دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً طوال عقود كثيرة من أجل حمايتها ودعم الشعب الفلسطيني.
كاتب من فلسطين