خلال المفاوضات التي سبقت ابرام الاتفاق النووي او خطة العمل الشاملة المشتركة مع ايران، لعبت فرنسا دور المتشائم الذي يرى الامور تتجه الى طريق مسدود في اغلب الاحيان. وبعد انسحاب ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب من الاتفاق في أوت 2018 لم تقدم الدول الاوروبية ما يجب تقديمه ضمن التزاماتها التي تعهدت بها في الاتفاق. اليوم مع طي صفحة دونالد ترامب وفتح صفحة جو بايدن عادت بعض الدول الى لعب نفس الدور قبل الدخول في الحديث الجدي عن العودة الى ما قبل أوت 2018.
يعتقد الاوروبيون الشركاء في الاتفاق النووي ان ما فعلوه بعدم السماح للولايات المتحدة بتمديد الحظر على الاسلحة لايران وقبله عدم الانسحاب من الاتفاق النووي بعد خطوة ترامب، يعتقدون انه كاف وانهم قدموا اكثر مما يجب، بينما الواقع ان ما فعلوه هو اقل الايمان، نظرا للالتزامات التي تعهدوا بها عام 2015 وليس اقلها رفع الحظر عن العمليات المصرفية وتصدير النفط الايراني للخارج وتحديدا الی اوروبا.
فرنسا والمانيا وبريطانيا طالبوا مؤخرا ايران بعدم تنفيذ الخطوات التي اقرها مجلس الشوری الاسلامی فی ایران ردا على جريمة اغتيال العالم الشهيد محسن فخري زاده، وابدوا قلقهم من الخطوات الايرانية. هذا الموقف الاوروبي لا يخدم مساعي العودة الى “ستاتيكو” ما قبل 2018. وبالتالي على الاوروبيين اعتماد مقاربة مختلفة بناء على التجارب التي شهدها الاتفاق النووي منذ انتخاب دونالد ترامب رئیسا لامریکا عام 2016.
يمكن فهم وتفسير موقف الثلاثي الاوروبي من زاوية انه يريد توزيع الادوار في المرحلة التي تسبق الدخول في التعاطي الجدي من جديد مع الموضوع النووي الايراني.
فإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن ألمحت الى انها تريد العودة الى الحالة التي سبقت انسحاب ترامب من الاتفاق. لكنها اوردت تعبير ان الامر لن يكون سهلا. وبالتالي فإن الموقف الاوروبي الاخير لا يمكن وضعه خارج هذا السياق.
– اولا ستسعى ادارة جو بايدن الى وضع شروط جديدة انطلاقا من قاعدة انه يريد انجاز اتفاق (جديد او معدل عن اتفاق 2015) وهكذا ستحاول فرض شروط منها توسيع نطاق الاتفاق ليشمل القدرات الدفاعية الايرانية وفرض مطالب اوسع نطاقا تتعلق بالنشاط النووي السلمي الايراني حتى وان كان بايدن والاوروبيون يعرفون جيدا ان ايران لن تقبل بهذه الشروط بأي شكل.
– ثانيا يسعى الاوروبيون لوضع الضغط على طهران واظهارها بانها هي المطالبة بتقديم تنازلات لاسباب عدة اولها ان الاوروبيين يريدون التغطية على تقصيرهم وعجزهم عن تحقيق اي من تعهداتهم والتزاماتهم في الاتفاق النووي، وثانيها السعي لنزع نقطة القوة من ايدي الايرانيين بعد اغتيال الشهيد فخري زاده واكتساب طهران الحق في الدفاع عن برنامجها النووي وسيادتها ومصلحتها وامنها القومي وهو ما سينعكس على اي مفاوضات او اجراءات ستشهدها المرحلة المقبلة في سياق الاتفاق النووي.
الاميركيون ومعهم الاوروبيون يدركون جيدا ان الامور لن تكون بتلك السهولة التي يتصورونها لفرض الشروط والاملاءات التي يريدونها، والايرانيون مستعدون لاي صعوبة محتملة مستندين الى حقهم في الحصول على ما تعهدت به الاطراف الاخرى في الاتفاق النووي. وبالتالي ليس مهما اي موقف يتخذه الاوروبيون في هذه المرحلة، المهم هو معرفة من سيتمسك بحقوقه ويطالب بها دون انتقاص منها، والمهم ايضا هو من سيكون في موقع الاتهام وتحدي اثبات مصداقيته التي لم ينجح في اثباتها منذ انسحاب الاميركيين من الاتفاق.
حسين الموسوي