لا يخفى على متتبعي التاريخ البريطاني, معرفة أن الأموال اليهودية والنفوذ الخفي للحركة الصهيونية, كانتا وراء تحويل بريطانيا إلى الإمبراطورية التي “لا تغرب فيها الشمس أبداً”, وهي التي أمسكت بدفة قيادة العالم لعقود طويلة, لكن الخسائر البشرية والمالية الفادحة التي تكبدتها في الحرب العالمية الأولى, نالت الشيء الكثير من وضعها كقوة عالمية أولى, فتاّكل نفوذها وفقدت مقعد القيادة المباشرة, لكنها لم تتوقف عن نسج المخططات والمؤامرات في ظل القيادة الأمريكية الجديدة.
ومع ذلك , أتقنت منذ خمسينيات من القرن الماضي، لعب دور “الشريك الأصغر” للولايات المتحدة، وتبنت مواقفها السياسية وحروب الناتو, وبررت تحركاتهم العسكرية الإحتلالية التوسعية, واستمرت بحياكة المؤامرات الجيوسياسية, وراء الستار الامريكي, مستفيدةً من عملائها وأدواتها والتنظيمات الإرهابية التي صنّعتها بيدها, وكذلك عبر دقة اختيارها أشرس مندوبيها في القاعات الأممية لإنتزاع قراراتٍ أممية تساهم بتمرير المشروع الصهيو أمريكي الذي تستمر بتحقيق مصالحها عبره , وحرصت في زمن تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم, على استعمال نسخٍ مهترئة لرئاسة حكومتها, كـ بوريس جونسن وليز تروس وريشي سوناك ككباش فداء لإخفاء الوجه الحقيقي للمملكة, ولإظهار تفوقها على نظيراتها في باريس وروما ومدريد وبرلين, من خلال محاولاتها الدؤوبة للإستحواذ على المشهد العسكري والسياسيي والإعلامي في حرب الوكالة الأمريكية – الغربية على روسيا عبر البوابة الأوكرانية.
وكذلك, في دعم المواقف الأمريكية – الإسرائيلية لمتابعة المؤامرة على القضية الفلسطينية, والعدوان وحرب الإبادة الجماعية, وتدمير قطاع غزة, بهدف تمرير مخطط تسفير أهالي غزة نحو سيناء, وما يخفي هذا المخطط من نوايا خبيثة تطال مصر بدرجة لا تقل خطورة عن مخطط تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن, وصولاً إلى محاصرة إيران, ونسف المصالح والنفوذ الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وغيرها.
وعلى الرغم من القيادة الأمريكية للحرب في أوكرانيا, ومشاركة الناتو والإتحاد الاوروبي وقوات النظام الأوكراني الراديكالي, لكن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس – في حينها -, كانت أول من أطلق المواقف العدائية ضد روسيا في 26 شباط /فبراير بقولها: “لن تهدأ بريطانيا حتى تدمر الإقتصاد الروسي، وتتم استعادة سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا”, على الرغم من أن القدرات العسكرية والمالية والإقتصادية البريطانية لا تسمح لها بإعتلاء هكذا شجرة, وكذلك تابع من بعدها بوريس جونسون بمواقف لا تقل جنوناً, وانتهى به الحال أن ارتدى البذة العسكرية في مشهدٍ مسرحي إعلامي , وذهب إلى جبهات القتال الأوكرانية, أما سوناك وعلى ما يبدو أنه وجد على طاولته كرّاس جونسون, فتابع الخطة دون أن يكلف نفسه عناء التفكير.
تحمل البريطانيون نتائج التصرفات الرعناء لرؤساء حكوماتهم المتعاقبة, وأصابهم البرد والجوع ونال منهم غلاء الأسعار والبطالة, جراء استمرار الإنخراط البريطاني والأمريكي في الحرب على روسيا, بما يؤكد مصلحة بريطانيا بجر الولايات المتحدة نحو المزيد من الحروب في أوروبا, وبدعم تحالفها في البحرالأحمر بمواجهة اليمنيين, واستمرار الحروب والمخططات البريطانية في الشرق الأوسط وغير مكان…
تبدو بريطانيا على عجلة من أمرها في بحثها عن نصرٍ سريع على روسيا والإطاحة بالرئيس بوتين, وأبدت إنزعاجها من بايدن الذي وعد زيلينسكي العام الماضي بالوقوف إلى جانب أوكرانيا “مهما طال الأمر”, ومن تخفيض قيمة المساعدات الأمريكية, والتهديد بقطعها أحياناً, وتنظر إلى هذه المواقف على أنها استهلاك وإضاعة للوقت, وهي التي تتوق إلى هزيمة روسيا.
بات من الواضح أن مصالح بريطانيا تكمن في زعزعة الإستقرار وبإستمرار التصعيد العسكري والسياسي حول العالم, وبأنها لا تزال تعول على جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع روسيا, وتسعى عبر مواقفها ووسائل إعلامها التأثير على الشعب الأمريكي, وإخافته من التسويات التي ستسمح لأعداء واشنطن بتحقيق الإنتصار سواء في أوكرانيا وتايوان, أو في غير ساحات, وعبر الترويج لإحتمالية إندلاع حرب عالمية ثالثة, ويتحدثون عن العواقب الوخيمة على الشعب الأمريكي.
لا يقل اهتمام البريطانيين بالإنتخابات الأمريكية عن اهتمام الأمريكيين أنفسهم, وتراهم يسابقون الزمن مع إقترابها أكثر فأكثر, ويطرح السؤال نفسه, هل حسمت الدولة البريطانية أمرها تجاه دعم الرئيس الجمهوري أو الديمقراطي القادم, سواء كان بايدن أو كاميلا هاريس أو سواهما, أو دونالد ترامب أونيكي هيلي أو سواهما, وهل تشعر بقدرتها على السيطرة على البازار الأمريكي من داخله وعبر صناديق الإقتراع, أم عبر استمرار حاجتها للحروب ولرئيسٍ أمريكي محارب, يرفض حل الدولتين في فلسطين, ويُنهي المقاومة والقضية الفلسطينية, ويمضي قدماً في المخططات الخبيثة تجاه مصر وسيناء وقناة السويس ومشروع قناة بن غوريون والبحر الأحمر, ومثلها في النقب والجولان السوري المحتل والجنوب اللبناني, وعشرات المخططات التي أسقطت أقنعتها عملية طوفان الأقصى, وفضحت الأهداف الصهيونية في النيل من المصالح العربية والنفوذ الإيراني والتركي والروسي والصيني في المنطقة.
وفي كافة الأحوال يبدو أن بريطانيا تعمل كعادتها لخدمة المصالح الصهيونية الحالية والمستقبلية, وتسعى للفوز مجدداً بمقعد القيادة الخفية من خلف الستار الأمريكي ؟ ولحفاظ على “الإمبراطورية البريطانية” من خلال استمرار نظام الملكية الدستورية, الذي كان وسيبقى قراراً صهيونياً بإمتياز.
الوسومالانتخابات الرئاسية الامريكية جو بايدن دونالد ترامب ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
نتنياهو بين قرار محكمة الجنايات الدولية وإدارتي بايدن وترامب…بقلم م. ميشال كلاغاصي
بتاريخ 21/11/2024, أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير …