ككرة ثلج، تتدحرج وتكبر أزمة المصارف في الولايات المتحدة الأميركية مُنذرة بالأسوأ، فكيف إذا ما كان مُضافاً إليها أزمة سقف الديون التي تتعمق وتتضخم من دون أن تظهر بوادر في الأفق على إمكانية تجاوزها قبل حزيران المقبل الموعد الأقصى لتفي الحكومة الفيدرالية الأميركية بالتزاماتها.
يوم الإثنين الماضي، أول أيار الجاري، بدا الرئيس جو بايدن «ديمقراطي» كمن صعقه تصريح وزيرة الخزانة جانيت يلين حول أن النقد المتاح/المتوافر، لا يكفي لسداد التزامات الحكومة، وطالبت يلين في رسالة إلى الكونغرس بوجوب التحرك قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه.
بايدن على الفور دعا القادة الأربعة الأبرز في الكونغرس إلى المشاركة في اجتماع في البيت الأبيض خلال الأسبوع المقبل لبحث هذه المسألة الخطيرة جداً والتي تأتي بعد أيام قليلة على إعلان ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية «أعلن ترشحه في الـ25 من نيسان الماضي».. القادة الأربعة هم رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي «جمهوري» وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك هومر، والزعيم الجمهوري ميتش ماكونيل.
وكان الجمهوريون في مجلس النواب أقرّوا الأسبوع الماضي مشروع قانون لرفع سقف الدين يتضمن تخفيضات حادة في الإنفاق، وهو ما قال بايدن ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون إنهم لن يوافقوا عليه، لكن من شأن الإخفاق في التوصل إلى إجراء محدد قبل حزيران المقبل أن يُجبر الولايات المتحدة على التخلف بشكل غير مسبوق عن سداد التزاماتها.
وعادة ما يربط الكونغرس رفع سقف الدين بإجراءات أخرى تخص الميزانية والإنفاق. وبعد بلوغ سقف الدين الحكومي مستوى 31.4 تريليون دولار في الـ19 من كانون الثاني الماضي، أبلغت جانيت يلين الكونغرس أن وزارة الخزانة ستواصل سداد الالتزامات، من خلال تدابير استثنائية لإدارة النقد.. وهكذا وصولاً إلى تصريحها الأخير آنف الذكر حيث إن التدابير الاستثنائية لم تعد في متناول اليد.
يأتي هذا طبعاً بالتزامن مع ثاني إفلاس بنكي أميركي كبير «مصرف فيرست ريبابليك» والحبل على الجرار، إذ باتت البنوك الأميركية المهددة بالإفلاس تصطف في طابور، وهذا الطابور سيتضاعف طولاً تحت ضغط نزوح الودائع.
وبات المحللون الاقتصاديون الأميركيون يُحذرون بصورة أكبر من أن تدفق أموال المودعين خارج البنوك الإقليمية الأميركية سيُوسع أزمة المصارف أو سيؤدي إلى انهيار في الإقراض، في حين لا تبدو السلطات الأميركية قادرة على وقف مسلسل إفلاس المصارف.
وحسب هؤلاء المحللين فإن التضخم لا يزال يمثل هاجساً كبيراً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يخشى خفض أسعار الفائدة على المدى قصير الأجل نظراً لمخاطره طويلة الأمد.
هاتان العقدتان، أزمة المصارف وسقف الدين، تستعصيان وتستحكمان، ولا يبدو أن في حوزة الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي حلولاً لهما، فهل يكون في حوزة خصمه الجمهوري دونالد ترامب حلول؟
ترامب في نشاطاته وتصريحاته الانتخابية لا يتحدث عن حلول بقدر ما يهاجم بايدن وسياساته التي دفعت أميركا إلى أن «تضل طريقها باتجاه الهزيمة الكبرى». ويبدو أن بايدن لم يُحسن توقيت إعلان ترشحه رغم أنه سبق أن أجّل هذا الإعلان مرات عديدة بفعل تدهور شعبيته المتواصلة حسب استطلاعات الرأي، وانتظر بايدن أن تتحسن شعبيته ولو قليلاً، وعندما لم يتحقق ذلك عمد إلى إعلان ترشحه متجاهلاً تزامن ذلك مع أزمة مصارف تتصاعد وتتسع، ولكن بايدن لم يكن له إلّا أن يعلن ترشحه فكلما انتظر أكثر زادت الأوضاع سوءاً لتصب في مصلحة خصمه ترامب.
وكما لا تصب استطلاعات الرأي في مصلحة بايدن فهي لا تصب في مصلحة ترامب. الأميركيون يبدون الكثير من اللاوضوح أو ما يمكن تسميته اللايقين حيالهما، ولا يظهرون أي اقتناع بأن أحداً منهما كفؤ لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة، لكنهم في النهاية مُجبرون على اختيار أحدهما، إذ لا يظهر في الأفق أن مرشحاً ثالثاً سيدخل خضم السباق الرئاسي 2024.
أغلبية الناخبين الديمقراطيين تظهر آراء إيجابية تجاه بايدن لكنهم بالمقابل يفضلون عدم ترشحه ويرون أن عليه الانسحاب من السباق الرئاسي «70% من الأميركيين بينهم 51 من الديمقراطيين».. فإذا كانت هناك مخاوف منذ بداية دخوله البيت الأبيض ألّا يُكمل ولايته الرئاسية الأولى فكيف له أن يترشح لولاية ثانية؟.. ولا تزال استطلاعات الرأي متناقضة جداً وغير حاسمة ما بين بايدن وترامب، ربما لأن الوقت مازال مبكراً، فما زال هناك عام ونصف العام يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية، لكن لطالما بدأت الانتخابات الأميركية بصورة مبكرة إلّا أن استطلاعات الرأي لم تكن أبداً على هذه الصورة.
وكما قلنا هذا لا يعني أن حظوظ ترامب والجمهوريين أفضل، لنذكر هنا بفشلهم في انتخابات التجديد النصفي، حيث لم يحققوا اكتساحاً كما كان متوقعاً، بل هم بالكاد حققوا تعادلاً مع الديمقراطيين، تلت ذلك سلسلة ملاحقات قضائية بحق ترامب ما زالت قائمة حتى الآن.
فعلياً يساوي الأميركيون بين بايدن وترامب، إذ إن بايدن أكمل مسيرة بدأها ترامب لناحية «جعل أميركا أكثر ضعفاً وتدهوراً وأقل مكانة ودوراً» بدلاً من «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى» الذي يرفعه كلاهما، وإن كان هذا الشعار محسوباً فعلياً على ترامب إلا أن بايدن يتحدث الحديث نفسه.
وعليه فإنّ الأميركيين أمام سيناريو انتخابي/ رئاسي مقبل هو تماماً كما الانتخابات الماضية 2020، حيث إنهم سيسمعون من المرشحين نفسيهما، بايدن وترامب، الخطابات نفسها وحملات التشهير نفسها، مع احتمال أن يدخل بايدن نفسه في سلسلة ملاحقات قضائية قد يطلقها الجمهوريون ضده في قضايا فساد ورشوة متعلقة به وبأفراد من عائلته.
هذا الحال لن يتغير إلّا إذا خرجت شخصية ثالثة أكثر ثقلاً وقوة على الساحة السياسية الأميركية، سواء من الديمقراطيين أو من الجمهوريين، علماً أن هذا احتمال ضعيف جداً في ظل أن كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يبدو مقتنعاً بمرشحه.