لطالما كان جوهر السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وحضورها باّلتها العسكرية يحقق لها جملة أهدافٍ استراتيجية على كافة الأصعدة والمستويات الإقليمية والدولية , ولكن يبقى على رأس جدول إهتماماتها وأولوياتها , حماية الكيان الإسرائيلي وضمان أمنه ووجوده ..
وفي ظل خطورة وتعقيد الظروف الحالية , السياسية منها والعسكرية , وإحتمالية عودة الولايات المتحدة إلى “الإتفاق النووي” مع إيران ، كثفت سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب من تحركات وإجراءات أجهزتها الاستخباراتية لتقويض برنامج طهران النووي وإلحاق الضرر به وبحقوق وطموحات الدولة الإيرانية , وسط إستياءٍ إسرائيلي لما أعلنه الرئيس الأمريكي من رغبةٍ لإعادة إحياء الإتفاق النووي.
فالخشية الإسرائيلية من تنامي القدرات الإيرانية عموماً , دفعتها إلى محاولات لتخريب المنشآت النووية الإيرانية , عبر الهجمات الإلكترونية والاغتيالات المباشرة للعديد من القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين , في ظل دعمٍ حمايةٍ ورعايةٍ دائمة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي السياق ذاته , اندلعت في مطلع نيسان الماضي , جولة جديدة للمواجهة الإسرائيلية – الإيرانية , على شكل حربٍ بحرية غير معلنة بالقرب من ساحل جيبوتي في البحر الأحمر ، استهدف الإسرائيليون من خلالها السفينة الإيرانية سافيز “بهجوم عبر لغم” –بحسب صحيفة نيويورك تايمز-، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في آذار الماضي أن “تل أبيب نفذت بالفعل ضربات لما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية منذ عام 2019 ، لا سيما تلك التي تنقل المنتجات البترولية إلى سوريا… في حين زعمت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن صحيفة وول ستريت جورنال كشفت “فقط غيض من فيض الحرب الاقتصادية التي شنتها إسرائيل ضد إيران خلال العامين ونصف العام الماضيين” و”أن الإيرانيين تكبدوا مليارات الدولارات كخسائر وتعويضات”…
وبالإضافة إلى حادثة سافيز ، وفي الحادي عشر من نيسان , تعرضت منشأة نطنز النووية الإيرانية إلى ( هجوم ) عبر حادثة خللٍ مفتعل ، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز ، فقد أعلنت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية مسؤوليتهم عن ذلك… أتبعها المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بإعلانه أن: “إيران تعتزم الثأر لتخريب محطة تخصيب اليورانيوم في نطنز” وبأن: “رد إيران سيكون انتقاماً في الوقت والمكان المناسبين” , فيما أكد الوزير محمد جواد ظريف :”على الولايات المتحدة التوقف عن استخدام الإرهاب الاقتصادي والنووي كوسيلة ضغط على إيران في المفاوضات الحالية بشأن البرنامج النووي”.
وفي الثالث عشر من نيسان ، أعلنت وكالة فارس الايرانية عن هجوم نفذه رجال مسلحون في شمال العراق ، استهدفوا مركز المعلومات الاستخباراتية التابع إلى وكالة الاستخبارات الإسرائيلية ، مما أسفر عن مقتل وجرح عدد من جنود الإحتلال…. كذلك تعرضت سفينة إسرائيلية للهجوم بالقرب من ساحل الإمارات وأصيبت بأضرار طفيفة… وتناقلت وسائل الإعلام عديد التحليلات التي اعتبرت أن هاتين الحادثتين وقعتا من خلال الرد الإيراني على الهجوم في نطنز النووية والأنشطة التخريبية الأخرى التي قامت بها المخابرات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من ذلك ، واصلت “إسرائيل” عملها العسكري غير المعلن ضد ناقلات النفط الإيرانية التي تنقل النفط إلى سوريا , واندلع حريق يوم الرابع والعشرين من نيسان , في سفينة تحمل النفط قبالة الساحل السوري بالقرب من بلدة بانياس … ومن أجل تفادي تفاقم الحرب البحرية غير المعلنة بين تل أبيب وطهران ، قررت روسيا حماية ناقلات النفط الإيرانية والسفن الأخرى التي تحمل شحنات مختلفة إلى سوريا .
بالإضافة إلى قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ هجومٍ جديد على الأراضي السورية , إدعت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية – كالعادة- أنه استهدف قواعد إيرانية في سوريا , لكن المفاجئة وقعت عندما قامت الصواريخ السورية – السوفيتية القديمة المعدلة في سوريا بالتصدي وبملاحقة مصادر الهجوم , وسقط أحدها على بعد حوالي ثلاثون كيلومتراً من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا.
من الواضح أن التصعيد والمواجهات الأخيرة بين العدو الإسرائيلي وإيران , تشي بخطرٍ حقيقي , مع إحتمالية أن تتحول إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة …وبات على المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديداً , إتخاذ الخطوات الكافية للجم قادة الكيان الغاصب , ووقف التصعيد العسكري الإسرائيلي المدعوم أمريكياً , ضد إيران وسوريا , واللجوء إلى البحث عن الحلول وربما التفاوض ..
ويبقى من المفيد أن تكون الولايات المتحدة جادةً في مسار المفاوضات وبعودتها إلى الإتفاق النووي الإيراني وخطة العمل المشتركة , وبات عليها كبح الجنون الإسرائيلي قبل أن يضطر الوجود الأمريكي في المنطقة لتحمل ما لا يطيقه , وما يحرمه من مفاوضاتٍ تضمن خروجه بسلام وبحفظ ماء وجهه , بالتوازي مع تقدم المفاوضات في فيينا وبعض المؤشرات الإيجابية للتوصل إلى الإتفاق , وبات عليها كسر التماكب المطلق والشراكة الكاملة بين واشنطن وتل أبيب …
فالمشكلة الإسرائيلية لا تكمن في المواجهة مع إيران فقط , بل تكمن في جوهرها بإنتهاء الحرب الصهيو – أمريكية على سوريا , وبالعودة الأمريكية إلى الإتفاق النووي , وبإنسحاب قواتها من سوريا والعراق , وتداعيات ذلك على الكيان الإسرائيلي , وعلى مسار التطبيع , وعلى الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً , الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني خصوصاً , وعلى قدرة الكيان الإسرائيلي على البقاء والوجود , بمواجهة محور المقاومة مجتمعاً.
الوسومالاتفاق النووي ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
“إسرائيل” ترد وتهاجم إيران عسكرياً.. وتُهزم عسكرياً وسياسياً…بقلم م. ميشال كلاغاصي
نتيجة المخاوف الأمريكية من التهديدات الإيرانية بمحاسبة من سيشاركون في الرد الإسرائيلي على إيران, ومن …