بينما نثمن هذا الاجتماع الذي ضم جميع الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية الحريصة على مستقبل الوطن والقضية وتنادت بضرورة توحيد الموقف الفلسطيني في هذه الفترة العصيبة وفي ظل هرولة علنية غير مسبوقة نحو التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني ضاربة بعرض الحائط حتى على السقف السياسي المنخفض لما يسمى “بالاجماع العربي” و “المبادرة العربية للسلام” (2002) التي قبعت في غرفة الانعاش لسنوات والتي ولدت ميتة أصلا والتي كتبت في واشنطن والبست زورا ثوبا سعوديا لا بد لنا من كلمتين بهذا الشأن.
إن الكلام والاتفاقيات والبيانات والتصريحات “النارية” إذا لم تترجم على أرض الواقع بآليات واستراتيجية واضحة لا فائدة يرجى منها على الاطلاق تذروها الرياح حتى قبل الانتهاء من الاجتماع وليس هذا وفقط بل تجعل الطرف الاخر المعادي لا يقيم وزنا ولا إحتراما لاي منا كأفراد أو جماعات أو فصائل ولا حتى لمنظمة التحرير الفلسطينية التي غيب دورها وفعلها وباتت تدعى شكليا لاعطاء الانطباع انها ما زالت موجودة لان لها بناية ضخمة في رام الله كتب على مدخلها م.ت.ف بالانكليزية.
ونقولها بكل أسى إن القيادة الفلسطينية المتنفذة والمستأثرة بالقرار الفلسطيني وعبر فترات زمنية ممتدة لعشرات السنين وعندما كان الجميع ومن ضمنها هذه القيادة تصرح بأن القضية تمر “بمفصل تاريخي” وما اكثر هذه المفاصل التاريخية التي مررنا بها لم تبدي القيادة اية نية فعلية لاتخاذ خطوات واليات للتطبيق على الارض يتناسب مع حجم وخطورة هذه “المفاصل التاريخية” وإعتمدت على التكتيكات الفاقعة وعلى التصريحات النارية التي سرعان ما تخبت حدتها وكان الله بالسر عليما. هكذا عودتنا هذه القيادة وربما مثال قريب جدا هو ان البعض من افراد هذه القيادة قام بالطلب من الامين العام للجامعة “العربية” ان يصدر قرارا يدين فيه الاتفاقية سيئة الذكر بين أبو ظبي واسرائيل والولايات المتحدة وهم مدركون ان هذه الجامعة أصبحت جزء من المشكلة وليس الحل.
وهذا ليس فقط بما يخص القضية الفلسطينية بل أيضا بالهجمة الشرسة على الدول الوطنية مثل ليبيا وسوريا واليمن حتى لا نذهب أكثر من هذا لا بل ويجب أن نسجلها هنا انها لعبت دورا قذرا بالذهاب الى مجلس الامن الدولي طالبة “المجتمع الدولي” يعني “الناتو” بالتدخل العسكري في سوريا بناء على البند السابع. هذا بعد ان قامت بشرعنة تدمير ليبيا واشتراك بعض دولها وعلى رأسها الامارات مع حلف الناتو بالقصف الجوي لتغيير النظام.
كما وشاركت هذه الجامعة بالعدوان الهمجي والمستمر على اليمن وبمباركة ايضا فلسطينية تبعا لتصريحت القيادة المتنفذة ورأس السلطة الذي رأى ان ما تفعله السعودية محق . أبعد كل هذا تطلبون من الامين العام للجمعة الذي لا يتعدى دوره عن كونه موظفا عند بعض الدول الخليجية والناطق والبوق الرسمي لها ولسياساتها التي لا تخرج عن دائرة سياسة البيت الابيض. على قول المثل انتو تشكروا ربكم لانه لم يصدر بيانا يستنكر ويدين تصريحاتكم التي ادنتم بها الاتفاقية المشؤومة ولا جمد عضويتكم في الجامعة كما فعلوا مع سوريا إذا ما كنتم تتذكرون هذا لان البعض منكم على الاقل مصاب الان بعد هذا العمر الطويل بالزهايمر السياسي.
عودة الى الاجتماع…الخوف وفي تقديري المتواضع انه خوف مبرر أن تكون خطوة دعوة كل الاطراف الفلسطينية بما فيها كافة الفصائل وشخصيات وطنية من قبل رئيس السلطة الفلسطينية للاجتماع والتداول وإتخاذ المواقف ما هي الا خطوة تكتيكية وللاستهلاك المحلي كما عودتنا في أكثر من موقف ( تذكروا فقط قضية التنسيق الامني على الاقل حتى لا نذهب بعيدا) والقول في النهاية أننا حاولنا “كلنا مجتمعين” وما طلع في ايدينا . بمعنى وبالمشربح اننا لا نتحمل مسؤولية الفشل “وحدنا” كفصيل أو سلطة وبالتالي فإن الخطوة قد تكون هي التهرب من مسؤولية المجابهة في الميدان والتصدي والعيش في المنطقة “الرمادية” الى ان نرى ماذا ستسفر عليه الانتخابات الامريكية وكذلك ماذا ستسفر عليه الانتخابات الاسرائيلية …أمضيتم عمر جيل بحاله وانتم تنتظرون ان يسقط عليكم المن والسلوى من السماء.
نحن لسنا بحاجة الى خطوات تكتيكية …نحن بحاجة الى اليات للتطبيق واستراتيجية واضحة وغير ذلك مضيعة للوقت والجهود وضياع وطن في المرحلة الحالية الى ان تنبثق قياد مؤمنة بالعمل الثوري على الارض وليس في المكاتب والوصول الى الاجتماعات بالسيارات الفارهة والبدل ذات الماركات من قبل الذين ترهلوا وهرموا وهم يفاوضون ويركضون ويلهثون وراء سراب السلام وحل الدولتين….ما نراه اليوم على الساحة تتحمل الجزء الأكبر منه القيادة الفلسطينية المتنفذة والمهيمنة على القرارات المصيرية وهي التي ادارت ظهرها الى قرارات الشرعية الدولية والاجماع العربي (ولو بحده الادنى) وقبلنا بالرواية الصهيونية فيما يخص قضيتنا عندما دخلنا عتبة جنيف التي أفرزت أوسلو وتبعاته المذلة بكل المقاييس واللي عنده غير هذا الكلام يتفضل ويعلق ونقطة على السطر.
* كاتب وباحث فلسطيني