منذ أن بزغ نجم أمريكا وصارت في صدارة القوى العظمى وهي تتحكم في إدارة بؤر التوتر في العالم التي تبدأ -بإيعازٍ منها- بحروب كلامية ثمَّ لا تلبث أن تتطور -بعد أن تتلقى الضوء الأخضر من البيت الأصفر- إلى صراعاتٍ مسحلةٍ دامية.
ومن ناحية أخرى لم يعد خافيًا على أحد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تستثمر تلك الصراعات للاستحواذ على ثروات ومقدرات هذا البلد أو ذاك بعد أن تكون قد وصلت بطرفي الصراع إلى حالةٍ غاية في الإنهاك.
استفادة الليبية الوطنية من الحرب الروسية الأوكرانية
إذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية قد ألقت بظلالها السلبية على القارة الأوروبية التي كانت معتمدة بشكلٍ أساسي على الغاز الروسي، فقد حملت بلدان القارة العجوز على البحث عن البديل المناسب للغاز الذي كان دائم التدفق إليها من جارتها الشرقية «روسيا»، ومن نافلة القول أن أنسب وأقرب البدائل هو غاز الجارة الجنوبية «ليبيا» التي لا تفصلها عن حدِّها الجنوبي -بحسب الكاتب والباحث الليبي الدكتور «جبريل العبيدي»- (سوى بضعة أميال)، فضلًا عن أنَّ البرَّ الأوروبي هو الوجهة المثلى للغاز الليبي، فقد ورد في سياق التقرير التحليلي المعنون [جريدة فرنسية: هذه العراقيل تمنع استفادة أوروبا من النفط الليبي] الذي نشرته «بوابة الوسط» مساء يوم الثلاثاء الـ٢ من أغسطس الماضي ما يلي: (وتُوجَه صادراتُ النفط والغاز الليبية بشكل أساسي إلى العواصم الغربية. ففي العام ٢٠٢٠، توجهت ٦٣٪ من تلك الصادرات إلى أوروبا {إيطاليا أو إسبانيا أو حتى ألمانيا}).
وقد تكرَّس هذا المعنى بشكلٍ تفصيلي من خلال استهلال الكاتب الصحفي «أحمد الخميسي» مقاله المعنون [ليبيا تسعى لزيادة صادرات الغاز نحو أوروبا] الذي نشر في «العربي الجديد» بتأريخ ٢٦ أغسطس الماضي على النحو التالي: (يجري رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط «فرحات بن قدارة» في روما اجتماعات مع الرئيس التنفيذي لشركة “إيني” الإيطالية «كلاوديو ديسكالزي» لإطلاق مرحلة جديدة من الاستثمارات تهدف إلى زيادة إنتاج الغاز، وكذلك النشاط الاستكشافي والاستفادة من التسهيلات والمعدات الموجودة لتلبية الطلب على الغاز في السوق المحليّة والأوروبية.
وتهدف الزيارة إلى رفع إنتاج شركة “إيني” من الحقول النفطية إلى مليوني برميل في غضون عامين ونصف، وكذلك زيادة إنتاج الغاز لتغطية الطلب الأوروبي مع نقص إمدادات الغاز من روسيا.
وتسعى ليبيا إلى مضاعفة طاقتها التصديرية من الغاز الطبيعي إلى ٤ مليارات قدم مكعب يوميًّا، عبر خطة ثلاثية لرفع إنتاج النفط والغاز بقيمة تقدر بـ١٢ مليار دولار).
تدفق الغاز من حدِّه الجنوبي يحفِّز الاتحاد الأوروبي على إنهاء الصراع الليبي
إذا كان استمرار الاقتتال في ليبيا ذو تداعيات سلبية على القارة الأوروبية التي لا تفصلها عن حدودها الجنوبية سوى عدة أميال، والتي تتصدرها معضلة الهجرة غير الرسمية التي يمكن اعتبارها سببًا كافيًا لمسارعة بلدان الاتحاد الأوروبي لإيقاف دوامة الصراع المزمنة التي تعصف بـ«ليبيا» منذ أكثر من ١٢ سنة، فإنَّ حاجة القارة الماسَّة لتدفق الغاز الليبي إليها بشكلٍ دائم كفيلة بدفع الاتحاد لاتخاذ موقف جاد لاستئصال شأفة ذلك الصراع المزمن بأقرب وقت ممكن، وهذا ما يتسنى لنا فهمه من استهلال التقرير الإخباري ذي الطابع التساؤلي المعنون [هل تسد ليبيا حاجة أوروبا من الغاز بدلًا عن روسيا؟] الذي نشرته «سكاي نيوز عربية» بتأريخ ١٦ مارس من العام ٢٠٢٢ الماضي الاستهلال التالي: (تتجه دول الاتحاد الأوروبي رسميًّا إلى الاعتماد على ليبيا بشكل كبير في تنويع مصادرها من الطاقة، بعيدًا عن النفط والغاز الروسيين، فيما يأمل ليبيون أن يساهم هذا في دفع أوروبا لتسريع حل أزمة بلادهم لتأمين عمليات الإنتاج والتصدير.
وصرَّح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «لويس ميغيل بوينو» أن أوروبا ستعتمد الفترة القادمة على ليبيا بشكل كبير، لتنويع مصادر الغاز والطاقة، وذلك وسط الخلاف بين الاتحاد وروسيا حول أوكرانيا.
ويرجح خبراء اقتصاد وسياسة ليبيون تحدثوا لموقع «سكاي نيوز عربية» أن تزايد أهمية النفط والغاز الليبي قد يساهم في دفع الدول الأوروبية الأمور في ليبيا باتجاه إيجاد حل سياسي سريع لضمان تأمين تصدير النفط والغاز، خاصة وأن عدم الاستقرار أدى في أوقات سابقة لسيطرة الميليشيات والعصابات على حقول نفط أو تعطيل الإنتاج).
سرُّ تزامن العشرية مع نشوب الحرب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية
بالرغم من أنَّ الصراع الليبي دائر منذ أكثر من عقد زمني، وكان للولايات المتحدة ومعها أطراف دولية متعددة دورٌ كبيرٌ في رفع وتيرة اتقاده، ثم ما لبثت -بعد أن صار الوضع الليبي مستعصيًا عن الوصول إلى حلول او مخارج- أن سحبت يدها من ليبيا وبقيت طيلة ذلك العقد الشديد التعقيد والحرج في موقف المتفرج، فقد رأت -بعد توريطها النظام «البوتيني» في المستنقع الأوكراني- أنَّ الفرصة سانحة أمامها للتضييق على الوجود الروسي في ليبيا وسائر أقطار إفريقيا، وهذا ما يتسنى لنا فهمه من احتواء التقريرالإخباري المعنون [واشنطن تسعى لمواجهة التمدد الروسي في ليبيا] الذي أعدّه الصحفي «زايد هدية» مراسل «إندبندنت عربية» ونشر يوم الخميس الموافق ٢٦ مارس من العام الماضي على ما يلي: (ولا يعتبر الطرح الأميركي للخطة العشرية في ليبيا جديدًا على الساحة المحلية، إذ سبق للسفير الأميركي لدى ليبيا «ريتشارد نورلاند» أن تحدث عن هذه الخطة العام الماضي، والتي اعتبرها كثير من المهتمين بالشأن السياسي الليبي -وقت طرحها- خطة غامضة وطويلة من دون جدول زمني واضح لمراحلها، وماهية هذه المراحل ومتى تبدأ وكيف تنفذ وكيف تنتهي؟
وكانت النقطة الأكثر اتفاقًا عليها بين كل التحليلات في شأن الخطة التي تريد واشنطن تطبيقها أن من أهم أهدافها إنهاء الوجود الروسي في ليبيا ومنع تحويلها إلى قاعدة انطلاق لموسكو لتنفيذ مشروعها للتمدد في العمق الأفريقي، بدليل استهدافها ست دول أفريقية أخرى مع ليبيا.
ورأى الباحث السياسي «محمد العنيزي» أن “الخطة الأميركية الطويلة نسبيًّا الخاصة بليبيا لم تأت من فراغ، بل تتماشى مع الوضع الدولي الحالي والصراع مع روسيا، إذ إنه من الواضح أن الحرب الروسية-الأوكرانية قد تطول وتتحول إلى حرب استنزاف، ما يمثل فرصة للغرب لتقليم أظافر روسيا والحد من تمدد قوات «فاغنر» في الجنوب الليبي ودول الجوار”.
وتابع، “جزء من هذه الأهداف يتطلب الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين لإضعاف الاقتصاد الروسي، ويتطلب استدامة ضخ النفط من الدول المنتجة وعلى رأسها ليبيا، بل إن هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لإنتاج مزيد من النفط والغاز الليبي”).
وممَّا يؤكد هذا المعنى بمزيد من الإثراء احتواء التقرير ذاته على: (من جانبه أكد الصحافي الليبي «محمد الكواش» أنَّ الانخراط الأميركي في ليبيا حرّكته بشكل واضح حرب روسيا على أوكرانيا التي دفعت الولايات المتحدة إلى محاولة منع الروس من الاستفادة من أيِّ وجود عسكري أو سياسي أو حتى اقتصادي في ليبيا).
توجسات ليبية واردة من نوايا الولايات المتحدة
إنَّ سوء نوايا أمريكا التي تظهر من لبدٍ إلى آخر وما تبرح تتكرر قد جعل معظم الليبيين يتعاطون مع «الاستراتيجية العشرية الأمريكية» المطروحة على الساحة منذ عام أو أكثر بنوعٍ من التوجس والحذر، على اعتبار أنَّ الهدف من طرح هذه الاستراتيجية العشرية وإظهارها بقدرٍ مبالغٍ فيه من الإيجابية والخيرية قد تنطوي على أهداف احتلالية استعمارية من شأن تحقيقها أن يجذِّر وجود أمريكا الاستغلالي المستقبلي في ليبيا ويطلق أيدي شركاتها في السيطرة الكاملة على ثرواتها بصورة احتكارية متجاهلةً -في ذات الحين- مصالح الليبيين وحقَّهم الطبيعي في الاستفادة من خيرات بلادهم التي ما يزال ترابها معطرًا بدماء تضحيات جدودهم، وقد عُبر عن هذا التوجس البالغ التحسس في نص التصريح الصحفي المنقول عن البرلمانيّ الليبي «علي الصول» الذي أشار إليه موقع «الساعة ٢٤» يوم الثلاثاء الـ٤ من أبريل الجاري بالقول: (قال عضو مجلس النواب الليبي «علي الصول» إن أمريكا بإعلانها الاستراتيجية العشرية تسعى للسيطرة على المشهد، وهدفها التحكم في اتخاذ القرار والسيطرة على الثروات وبقاء نفوذها في ليبيا.
أضاف في تصريحات صحفية: وإنَّ ما صرح به السفير الأمريكي لدى ليبيا «ريتشارد نورلاند» حول الاستراتيجية العشرية بمعنى إدارة الصراع والأزمة لمدة ١٠ سنوات بحجة الاستقرار، والحقيقة هي بمساعدة «ستيفاني ويليامز» المستشارة الأممية، وهم يسعون جاهدين للسيطرة على المشهد وتنفيذ سيناريوهاتهم المخططة والبدائل المخطط لها).
فرص النجاح وبوادر التعاطي الليبي الإيجابي
إنَّ تواصل التقاتُل في ليبيا لأكثر من عشره أعوام وتمترس أطراف النزاع خلف مصالح ضيقة وما ترتب على ذلك من انسداد تام أمام كل الدعوات والمناشدات والمبادرات الرامية إلى إيقاف نزيف الدم وتحقيق الحدِّ الأدنى من السلام، بالإضافة إلى تصدُّر البلد قائمة البلدان الهشَّة كل ذلك قد جعل رجال الفكر والاقتصاد في البلاد كـ«الغريق الذي يتعلق بقشَّة»، إذْ لم يسعهم بعد مناقشة تلك الاستراتيجية -بالرغم من شكِّهم في النوايا الأمريكية – إلَّا حمل أنفسهم على التفاؤل، وذلك ما أكده الكاتب الليبي «فتحي عمر التربي» في سياق مقاله [بناء الدولة الليبية والاستراتيجية العشرية الأمريكية؟] الذي نشرته «بوابة الوسط» مساء الثلاثاء الـ٣١ من مايو الماضي بما يلي: (بعد الاطلاع والبحث العميقين في هذه الاستراتيجية العشرية من قبل فريق خبراء ليبيين في الشؤون الاقتصادية الليبية رفيع المستوى وعددهم تسعة الأحد الماضي الموافق ٢٢ مايو ٢٠٢٢ عبر «الزوم»، كانت المحصلة في ذلك اللقاء المغلق إنشاء وتجهيز استراتيجية ليبية موازية للاستراتيجية العشرية لخلق مناخ ينسجم ويتفاعل معها. طال النقاش أكثر من ساعتين وساده القليل من الشك في نوايا الولايات المتحدة الأمريكية ولكن التفاؤل تغلب).
أمَّا الناشطون الذين يعتبرون نبض المجتمع فيرون أنَّ نجاح الاستراتيجية يتوقف على جدية الإدارة الأمريكية في الضغط على أطراف الصراع، وقد أشير إلى هذه الجزئية البالغة الأهمية في سياق التغطية الإخباريّة ذات الصيغة التساؤلية المعنونة [هل تنجح “الخطة العشرية” الأميركية في إنهاء الأزمة الليبية؟] التي نشرها موقع «أصوات مغاربية» في الـ٢٨ من مارس الفائت من خلال ما يلي: (وعن مدى قدرتها على إنهاء الأزمة الليبية، يقول الناشط المدني الليبي جمال الفلاح إن الخطة الأميركية “تحمل معها مقومات النجاح بالرغم من إخفاقات كل مبادرات المجتمع الدولي والأمم المتحدة في الوصول إلى تسوية نهائية لأزمة ليبيا”.
وأوضح الفلاح -في حديث لـ”أصوات مغاربية”- أن عوامل النجاح تلك تكمن في “جدية” الولايات المتحدة في هذه الخطوة من ناحية، و”استعداد الأطراف الداخلية والدولية للإذعان لها والتعامل معها” من ناحية ثانية.
وأضاف: إنَّ الولايات المتحدة تملك الأدوات التي تمكنها من تطبيق هذه الاستراتيجية، “سواء كانت هذه الأدوات سياسية أو قانونية أو كانت تحمل في طياتها تلويحًا باستخدام القوة خاصة حيال منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب”).
أما موقفا «الدبيبة» و«باشاغا» اللذان يتصدران كافة المواقف المسؤولة فقد عبر عنها الصحفي «أحمد جعفر» -في سياق تقريره المعنون [خطة واشنطن العشرية في ليبيا.. التفاصيل والأهداف والمخاطر] الذي نشره بتأريخ ٢٧ مارس الماضي في موقع «الحرة»- بقوله: (وفي هذا الاتجاه أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية «عبدالحميد الدبيبة» أنَّ استقرار طرابلس أعطى فرصة لتقدم المسارات المحلية والدولية لجهود توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، والتقدم في استعداداتنا لإنجاز انتخابات وطنية.
وقال -عبر تويتر-: “ثوابتنا واضحة: نعم للدولة المدنية، لا للدولة العسكرية، نعم للانتخابات، لا للتمديد، نعم للسلام، لا للحروب”.
أما رئيس الحكومة الأخرى «فتحي باشاغا» فرحب بالمبادرة الأميركية من خلال إعادة تغريدة إعلان الخطة من حساب مساعدة وزير الخارجية الأميركي).
عبدالسلام التويتي – عرب جورنال