الأربعاء , 27 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الانهيار المحتوم للهيمنة الأميركية…بقلم تحسين الحلبي

لا نبالغ إذا ما استعرضنا عدداً من التحولات الصعبة والخطيرة التي شهدتها الولايات المتحدة في الأشهر الماضية ولا تزال تشهدها من الناحية الداخلية الاقتصادية والاجتماعية ومن ناحية السياسة الخارجية وتوصلنا إلى نتيجة هي «وداعاً للقوة الأميركية.. لا عودة بعدها».

فمن بين عدد سكانها البالغ 320 مليوناً أصبح عدد العاطلين عن العمل المسجلين في مكاتب البحث عن وظيفة أكثر من 40 مليوناً خلال الأسابيع العشرة الماضية من جائحة كورونا ويُضاف إلى هذا الرقم 45 مليوناً من المواطنين الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأميركي، يضاف إليهم أيضاً ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون فيها من دون أعمال أو مداخيل منتظمة، أي إن ثلث الجمهور (تقريباً 29% من الأميركيين) ينطبق عليهم موقف الغاضبين العالقين في أزمات تتفاقم ولا مستقبل في الزمن القريب لحل معظمها لا في إدارة ترامب ولا في أي إدارة أخرى مقبلة بعد انتخابات الرئاسة.

وهذا ما سيفرض نفقات مالية وصعوبات اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة على ساحة معارك مستمرة بالغة الخطورة في نتائجها ومضاعفاتها التي تتواصل من دون توقف. وما حدث بعد جريمة قتل المواطن الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد في الأسبوع الماضي على يد رجل شرطة أبيض لن يُوقف تداعيات هذه الجريمة بعد أن تبيّن وجود تمييز عنصري ظهر من الإهمال في تقديم الرعاية الصحية للمصابين السود الأميركيين بفيروس كورونا فازدادت نسبة من توفي منهم مقارنة مع الأميركيين البيض، ويحتد غضب الأميركيين السود وكذلك غضب الأميركيين المناهضين للعنصرية.

فقد كشفت جائحة كورونا في الولايات المتحدة وفي دول الغرب التي اعتادت على إعطاء أولوية قصوى للقيم الفردية بموجب مبدأ المبالغة في حق الفرد تشجيعاً للجوء الأفراد إلى التطرف بعد أن أصبح هذا الفرد يجد صعوبة كبيرة في تحمل الحلول الجماعية التي تحد لفترة مؤقتة حقه الفردي ويندفع على غرار الكثير من الأميركيين إلى رفض قوانين منع التجوال المؤقت ورفض الالتزام بالبقاء في المنزل كأحد الحلول لتخفيض عدد الإصابات الناجم عن الاختلاط، ووجد الأميركيون بسرعة تشبه سرعة انتشار الجائحة أنهم أصبحوا كالسجناء في بيوتهم وبدأت مصالح التجار من الطبقة المتوسطة والرأسماليين الكبار بالتضرر من قوانين الإغلاق فتولدت أزمات حادة بين كل هذه التناقضات في السلوك والمصالح وانقسم الجمهور بين أنانيته في حريته كفرد وبين مصلحة الجمهور الجماعية والتي تعد مصلحته جزءاً منها.

وهذا ما ولد أسباباً إضافية لتزايد نسبة المصابين بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول أوروبا الغربية مقارنة مع دول مثل الصين وغيرها من الدول التي تجاوب جمهورها بسبب تقاليده الاجتماعية مع مقتضيات هذه القوانين والتزم بها فعبّر عن قيمة احترام الروح الجماعية ولم يواجه القدر نفسه من الصعوبة الشديدة التي واجهها جمهور الغرب في قبول قوانين الإغلاق والبقاء المؤقت في المنزل والحد من حرية الفرد.

ولذلك بدأت الولايات المتحدة بدفع أثمان باهظة من مجمل قدراتها العولمية فتوقف عدد كبير من مصانعها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بشكل غير مسبوق في تاريخها وخاصة في مجال الطيران بعد أن أجبرها كورونا خلال الأشهر الماضية على إيقاف 90% من حركته الداخلية والخارجية ناهيك عن الخسارة الهائلة في أشكال الانتقال والسفر الأخرى في بلاد تمتد كقارة بين الشمال والجنوب.

وبالمقارنة مع الخسائر الأميركية المتنوعة والشاملة في الاقتصاد والتجارة العالمية والعلاقات التي تأثرت بشكل سلبي بينها وبين حلفائها في أوروبا في السياسة الخارجية سيكون من الطبيعي لكل من كان يستقوي بالولايات المتحدة وهيمنتها العولمية مثل الكيان الصهيوني وغيره من حلفاء واشنطن أن يفقد جزءاً ليس قليلاً من “قوته”، لأن القوة المركزية التي كان يُعتمد عليها هي الإدارة الأميركية التي كبدها كورونا منذ أشهر قليلة أكبر الخسائر البشرية والاقتصادية ونقلها إلى تحديات ومواجهات شديدة الصعوبة داخل أراضيها بينها وبين الجمهور الأميركي الذي لم يعد يثق بها وبقدراتها.

وبالمقارنة بين الخسائر الأميركية والبريطانية والفرنسية وبين خسائر الصين وروسيا، تدل النتائج الأولية حتى الآن وخلال السنوات القليلة المقبلة على أن هذه القوى الغربية الكبرى الثلاث بدأت تتراجع قوتها وهيمنتها الدولية وتبلغ مرحلة الوداع لأول مرة بعد الهيمنة التي فرضتها “باقتسام” معظم بلدان العالم في أعقاب حربين عالميتين في القرن الماضي.

وبعد مرور عقدين من هذا القرن الواحد والعشرين أصبح العالم قادراً على التخلص من جزء كبير من غطرسة القوة الأميركية ومن كل نظامها أحادي القطب وما ولده هذا النظام من جرائم بحق البشرية كلها وظهور فرصة تاريخية لبناء نظام عالمي جديد يُزيل كل النتائج التي ولدها النظام الاستعماري الامبريالي الغربي منذ الحرب العالمية الأول حتى وقتنا الحاضر.

كاتب من فلسطين

 

شاهد أيضاً

من يحكم من إسرائيل / أمريكا ؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

السردية السائدة في الصحافة الرسمية الغربية بما يخص العلاقة بين نتنياهو وكيانه وإدارة الرئيس بايدن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024