نشر الجيش الأمريكي في 12 أكتوبر بيانًا أشار فيه إلى إجراء القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية تدريبًا مشتركًا باسم “البرق الدائم 3″، يستمر لمدة أسبوع بداية من يوم 12 أكتوبر، في جنوب حيفا في فلسطين المحتلة. يأتي التدريب ضمن سلسلة تدريبات مشتركة عُقدت هذا العام تأخذ نفس الاسم “البرق الدائم enduring lightning”، نسبة إلى الطائرة إف-35 برق f-35 lightning. يمكن فهم رسائل ودلالات التدريب العسكري الإسرائيلي-الأمريكي المشترك من مجموع السياقات الداخلية للدولتين والإقليمية المحيطة.
ملاحظات أولية على “البرق الدائم”
سلسلة تدريبات عسكرية مشتركة: التدريب الذي أقيم في 12 أكتوبر هو التدريب الثالث بين القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية، أقيم الأول في نهاية شهر مارس 2020؛ من أجل رفع القدرات القتالية للجيش الإسرائيلي في ظل أزمة كورونا
وهو ما أشار إليه سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل “ديفيد فريدمان”: “لم تتأثر المناورات المشتركة بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، وهو ما يؤكد قوة تعاوننا العسكري، الذي سيستمر في وجه كل التحديات”. ويمكن تفسير معنى التصريح بأنه كان من المزمع إجراء المناورات في 5 مارس 2020، ولكن تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، على أن تعلن إسرائيل فيما بعد أن المناورات أقيمت في 30 من نفس الشهر، وتغيير اسمها من “جونيفر كوبرا” إلى “البرق الدائم”. أما التدريب الثاني فأقيم في 4 أوت 2020 واشتركت فيه القوات الجوية للبلدين، ينسحب الأمر أيضًا على التدريب الثالث.
الاعتماد على طائرة إف-35: تحرص القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة تجرى كل سنتين لمدة 10 أيام، لم تكن إسرائيل تشارك بطائرتها طائرة “أدير” F35I الإسرائيلية من سرب 140 (سلاح النسر الذهبي) التابع للقوات الجوية الإسرائيلية، مع الإف-35 الأمريكية F-35A، لذلك يعد اشتراك الطائرات الإسرائيلية من هذا الطراز في التدريبات العسكرية مع الولايات المتحدة تطورًا لافتًا.
القطع العسكرية المشاركة: أشارت البيانات الإسرائيلية إلى أن سرب 122 من سلاح الجو (طراز نحشون) الذي يستخدم طائرة (غلف ستريم جي 500) شارك أيضًا في التمرين الذي واجهت فيه الفرق تهديدات جوية وبرية مختلفة من طائرات الجيل الخامس المتطورة.وتجدر الاشارة إلى أن طائرة نحشون الاسرائيلية هي طائرة استطلاع.
الترتيبات العسكرية: ذكرت البيانات الأمريكية أن أسراب الطائرات الأمريكية قدمت من قاعدتي الظفرة في الإمارات، والعديد في قطر. علاوة على أنها تزودت بالوقود من طائرات KC-10. وكان هدف التدريب هو النجاح في ضرب أهداف جوية وأرضية تم محاكاتها في جنوب حيفا في إسرائيل.
سياقات متقاطعة
تقاطعت مع التدريب العسكري المشترك الإسرائيلي الأمريكي مجموعة من السياقات الإقليمية، التي “قد” تقدم تفسيرًا إلى أهمية المناورات بالنسبة لأهمية إسرائيل والولايات المتحدة على حد السواء. يمكن عرضها فيما يلي:
أولًا: مفاوضات ترسيم الحدود مع لبنان
لم يذكر البيان الأمريكي أن المناورات تستهدف ضرب أهداف لحزب الله بشكل صريح. ولكن تنتهج الولايات المتحدة سياسة أقصى ضغط ضد تنظيم حزب الله اللبناني ضمن تفاعلات مشهد ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان؛ من أجل إنجاح المفاوضات.
تستهدف الولايات المتحدة الضغط على التنظيم اقتصاديًا عبر فرض عقوبات على أفراد وشركات محسوبة أو حليفة للتنظيم، كذلك السعي لتوصيف الحزب بصفة إرهابية والتلميح بالرفض لإدماجه ضمن الحكومة اللبنانية الجديدة. لذلك ربما يمكن تفسير هذه المناورات في إطار كونها تلويحًا بالقوة في مواجهة حزب الله لتمرير المفاوضات حول ترسيم الحدود مع إسرائيل.
ثانيا: الجبهة الشمالية لإسرائيل مع سوريا
سمح الجيش الإسرائيلي بنشر مقطع فيديو (في 14 أكتوبر 2020) يوثق عملية تدخل لقوات إسرائيلية برية قامت بتدمير موقعين عسكريين اثنين للجيش السوري، منذ أسبوع تقريبا من تاريخ النشر (أي في 7 أكتوبر). وبرر الجيش الإسرائيلي _ما وصفها بالعملية الخاطفة_ بخرق الجيش السوري لاتفاق فض الاشتباك الذي يحظر عليه التموضع العسكري في منطقة فصل القوات. علاوة على أن القوات الجوية الإسرائيلية قامت بقصف أهدافا عسكرية سورية في 4 أوت.
لذلك يمكن القول في هذا الصدد أن إسرائيل تحضر لأي عمليات انتقامية من الجبهة الشمالية لإسرائيل، وبالتالي من المنطقي أن يذكر البيان الإسرائيلي بشأن المناورات: “أن المناورات تستهدف صد الهجمات التي يمكن أن تأتي على إسرائيل من حدودها الشمالية”. فيما صرّح أيضا تل جورتسكي قائد كتيبة جرانت (التابعة للجيش الاسرائيلي) في الشمال: “لن نسمح أن يتحول جنوب سوريا إلى جنوب لبنان”.
رسائل حاضرة
يمكن استنباط مجموعة من الرسائل التي ربما تحضر في مشهد التدريبات العسكرية بين القوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، وهي:
إعلان جاهزية واختبار سلاح: شهدت المناورات الحالية إشراك طائرات الإف-35 الإسرائيلية في تدريبات عسكرية مع القوات الجوية الأمريكية. وهو أمر وصفه الجيشان الإسرائيلي والأمريكي بالنادر. لذلك يبدو أن سلسلة التدريبات تستهدف منها إسرائيل البعث برسائل تتعلق بقدراتها القتالية المرتفعة بالأخص في سلاحها الجوي، وجاهزية طائرتها العسكرية إف-35.
رسالة دعم أمريكية: تضمن بيان الجيش الإسرائيلي بشأن المناورات أنها تستهدف أيضا توثيق العلاقات العسكرية بين الجيشين. وتأتي أيضًا في سياق أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة استراتيجية لا ترتهن بطبيعة الإدارة الأمريكية.
رسالة ردع: تستهدف إسرائيل والولايات المتحدة التلويح بالقوة في مواجهة و”أعدائها” في المنطقة بما فيهم حركة حماس، وحزب الله اللبناني.
ملتقى للمناورات الجوية: يمكن تلمس هذه الرسالة في تصريح قائد سرب الجو الاسرائيلي المشارك في المناورة “عميد أمير لازر” الذي قال: “تستهدف إسرائيل من أن تكون مركز المعلومات والتطوير في مجال طائرة الإف-35، وتستهدف أن تصبح الملعب الأساسي للتدريبات العملياتية والنوعية لسلاح الجو”. تدرك إسرائيل أن المناورات والتدريبات العسكرية هي المجال الأبرز للتعاون بين الدول خاصة في الإقليم؛ لذلك من غير المستبعد أن تطمح إسرائيل في أن تصبح ملتقى إقليميا في هذا المجال.
ختامًا، يمكن القول إن إسرائيل تظل ترى ثقلها الاستراتيجي العسكري في سلاحها الجوي وبالأخص في طائرة الإف-35، وهو ما يفسر سبب التحفظ الإسرائيلي الملحوظ في بيع الولايات المتحدة للطائرة الأكثر تقدما للإمارات أو قطر. ولا يمكن فصل مجموع السياقات الإقليمية عن التدريبات العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي ترى فيها إسرائيل رسائل ترمم بها منظومة الردع الآخذة في الاهتزاز نسبيا.
وكالات