بدأت العناوين العريضة الأميركية– والأوروبية التحريضية والاستفزازية ضد روسيا والصين تزداد حدتها واتساع رقعة الحشد الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة وأوروبا في هذه الأوقات لمواجهة الدولتين الكبريين وكأن واشنطن وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي تسعيان لمحاصرة روسيا والصين في ساحات معارك كثيرة بفرضية أن العالم بنظرهما يتجه نحو حرب لا مفر منها برغم أن الوضع العالمي وموازين القوى الراهنة لا تسمح باستنتاج كهذا.
ومن هذه العناوين التي جرى استخلاصها من المجلة الإلكترونية (أنتي وور) الأميركية في 19 نيسان الجاري:
“الاتحاد الأوروبي يريد تعزيز الحضور الباسيفيكي– الهندي ضد الصين” أي تجنيد دول المحيطين الهادي والهندي كساحة معركة ضد الصين.
وهناك عنوان أميركي باسم وزارة الدفاع الأميركية: “البنتاغون يضيف إفريقيا كساحة معارك ضد روسيا والصين”.
وتبرز وسائل الإعلام الأميركية إعلان رئيس الفلبين: “سنرسل قواتنا البحرية لتأكيد مطالبنا في بحر الصين”.
وإلى جانب ذلك نشرت المجلة الإلكترونية تحليلاً موجزاً للصحفي الأميركي (ديف ديكامب) كشف فيه جزءاً من حملة التضليل والتحريض الأوروبية على روسيا حين أعلن جويل بوريل المفوض الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن روسيا حشدت 150 ألفاً من جنودها عند حدودها مع أوكرانيا، وعندما تبين أن ما قاله مجرد أكاذيب للمبالغة في التحريض عاد الاتحاد الأوروبي وخفض من هذا العدد خمسين ألفاً فأعلن أن عدد القوات الروسية 100 ألفا علم أن الناطق الرسمي باسم رئيس أوكرانيا فولديمير زيلينسكي كان قبل أيام قد أعلن أن عدد القوات الروسية يقدر بـ80 ألفاً يوجد منهم في شبه جزيرة القرم 40 ألفاً وعند حدود أوكرانيا 40 ألفاً وبدأ عدد من الصحفيين يسخرون من مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي وتوجه أحدهم بالسؤال إلى جون كيربي الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية عن تعقيبه على ما أعلنه بوريل فأجاب: “ما نعرفه هو أن عدد القوات الروسية هناك زاد عما كان عليه عام 2014 حين احتلت روسيا شبه جزيرة القرم” واكتفى بذلك لكي لا يحرج أوروبا.
ويبدو بموجب هذه العناوين أن إدارة بايدن تنوي توسيع دوائر وساحات العداء ضد روسيا والصين في قارتي إفريقيا وآسيا وبخاصة في منطقة بحر الصين الغنية بالنفط والغاز لمنع الصين من إدارة ثرواتها الطبيعية في حدودها البحرية الاقتصادية أو مياهها الإقليمية وهذا ما يدل على أن الحرب العالمية الثانية التي تنافس فيها دول كثيرة على السيطرة على النفط ما تزال توحي باحتمالات الصراع مرة أخرى على هذه الثروات الطبيعية لحرمان أصحابها منها سواء في الصين أو روسيا.
ومن الواضح أن الفريقين الأميركي والأوروبي سيعملان بكل ما أوتيا من جهد وقدرة من أجل أن لا تكون أوروبا مسرحاً للمرة الثالثة لحرب عالمية تحمل لدول أوروبا الدمار بينما تبقى الولايات المتحدة بقارتها البعيدة بمنأى عن حرب من هذا القبيل. وهذا ما جعل أوروبا تدعو إلى حشد دولة شبه كبرى مثل الهند ضد الصين لكي يتحول مسرح الحرب إلى آسيا ضد الصين وفي منطقة القوقاز وأوكرانيا والبحر الأسود وجوارهما وفي القطب الشمالي ضد روسيا لكي لا تنتقل الحرب إلى معظم دول أوروبا وبشكل خاص ليس إلى دول أوروبا الغربية لكي تظل بعض دول أوروبا الشرقية مثل بولندا ودول البلطيق في مقدمة من يصطدم بمثل هذه الحروب على غرار الحرب العالمية الثانية وهذا ما جعل واشنطن تعلن أول من أمس عن إرسال عشرات الطائرات الحربية إلى قواعد في بولندا.
وثمة من يعتقد أن إسراع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران على الموضوع النووي وعودة واشنطن إلى الالتزام باتفاقية (خمسة زائد واحد) بشكل من الأشكال المقبولة لطهران يعود إلى رغبة واشنطن بعدم ترك إيران في وضع من يتجه نحو صناعة القنبلة النووية إذا اشتد الحصار والتهديد ضدها برغم أن أحد الأهداف الأميركية الرئيسة لحصار إيران وتهديدها بالحروب الغربية والإسرائيلية يعود إلى الخوف من قدراتها في صناعة الصواريخ والترسانات الحربية البحرية والجوية المسيرة وعلوم السايبر بصفتها قوة متحالفة مع الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط ومتاخمة للقواعد الأميركية في الخليج وربما تعود بعض أسباب تمسك بايدن بالاحتفاظ بقواته في أفغانستان لستة أشهر أخرى إلى خطة حشد ساحات إفريقيا وآسيا ضد الصين وروسيا. فهذه الفترة ستظل تتطلب من الحلف الأوروبي- الأميركي العمل على حشد القدرات من جهة وتحييد قدرات حلفاء الخصم من الجهة الأخرى.
*كاتب من فلسطين