بقلم د. وسيم وني: مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان |
التطبيع مع الكيان الصهيوني هو بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية مع الكيان الصهيوني، والتطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين وحقه في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق الفلسطينية لصالح كيان العدو الصهيوني.
فبات من غير المفهوم ولا المعلوم وحتى لا نجد له أي تفسير في أي قاموس قيام بعض الدول العربية بخطوات غير مسبوقة تجاه كيان العدو الصهيوني برغم أنها تبعد آلاف الكيلومترات عن فلسطين المحتلة ولا تربطها بها حدود أو معاهدات بالتطبيع المجاني في وقت تمر قضيتنا الفلسطينية بمرحلة مفصلية في صراعها مع العدو الصهيوني ونحن بأشد الحاجة لدعم كل أبناء أمتنا العربية والإسلامية وكل الأحرار في العالم لمواجهة ” صفقة القرن ” والتي تُشكل تهديد مصيري لقضيتنا ووجودنا وحقوقنا كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين ومسيحيين.
وكان اللقاء الآخير الذي شهدناه وجمع بين ” نتياهو” ورئيس المجلس السيادي السوداني ” عبد الفتاح البرهان ” في عنتيبي في أوغندا ( ليس الأول ولا الأخير من اللقاءات التطبيعية مع كيان العدو الصهيوني ) فلم يكن عفوياً وعادياً إذ حمل في طياته حزمة من التساؤلات القديمة المتجددة حول نظرة الكيان الصهيوني للسودان ، مخاوفه ومخططاته ضده، وأثبتت الوقائع والشواهد التاريخية في المنطقة العربية قاطبة أن المخططات الصهيونية لم تكن لتنجح في أي دولة في العالم دون وجود أذرع تتعاون معها من هذه الدولة أو من الدول المجاورة لها تستخدمها لتمرير أجنداتها وتنفيذ سياساتها وتراقب من خلف الستار النتائج والتداعيات.
ونحن نعلم جميعاً بأن السودان هو بلد القمة العربية والتي خرجت بلاءات ثلاث قبل خمسين عاماً ويعرف عن الشعب السوداني حسه القومي العربي ومواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية وعشقه لفلسطين وحبه لشعبنا، ومع ذلك يبقى اللقاء الذي رعته دولة افريقية والادارة الأميركية لغزا محيراً من الألغاز إلا أن دفاع البعض بان اللقاء سيوفر غطاء سياسياً أمام الإدارة الأميركية لرفع العقوبات عن السودان وعن قائمة الدولة الراعية للإرهاب في ما قدمته من تطبيع مجاني مع الكيان الصهيوني .
وجميعنا يعلم أن السودان بلد شقيق يعاني عدم الاستقرار الداخلي، وأوضاعه الاقتصادية صعبة، و هو بحاجة ماسة إلى مساعدات دولية، ورغبته الجامحة لإزالة اسمه من القائمة الأمريكية للإرهاب، لكن كل ذلك لا يمكن أن يتم سَوقه مبررات واهية في لقاء البرهان ونتنياهو، بزعم أن الطريق إلى واشنطن لابد أن يمر بتل أبيب، وهنا تحاول الأخيرة اللعب على وتر رغبة السودان في الانتباه لمصالحه، كي يكون له مستقبل أفضل، وكأن ذلك لن يتم إلا بالتوجه نحو الكيان الصهيوني … عجبي!”
وهذا اللقاء ليس هو الأول بين مسؤولين صهاينة وعرباً ولن يكون الأخير ما دمنا نعيش لحظة الانهيار العربي والتفتت الذي تعاني منه الدول العربية ونشر الإرهاب ومحاولة تفتيت الدول العربية وسرقة مقدراتها، وقد أعلن نتياهو أن اللقاءات المعلن عنها مع العرب ما هي إلا 10% مما يجري من لقاءات حقيقية وآخرها ما شهدناه مؤخراً من زيارة حاخام صهيوني للسعودية في إطار حوار الأديان.
وأخيراَ إن القيام بعمليات تطبيعية عربية – صهيونية تشكل ضرراً كبيراً ضد شعبنا الفلسطيني وخدمة مجانية لكيان العدو الصهيوني على حساب حقوقنا الوطنية بالاستقلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، كما سيدرك قادة العرب ممن يطبعون مع هذا الكيان بأن هذه المحاولات المرفوضة من شعوبنا العربية في كل مكان لن تفيدهم بشيء ما دامت شعوبهم ترفضها، وأن المستفيد الآن هو نتياهو ومن بعده كيانه والذي يسعى لتحسين صورته في وقت يتعاظم فيه دور الشعوب الأوروبية والغربية في مقاطعة إسرائيل ووفودها ومنتجاتها وفي الدفاع عن فلسطين وحقها في الوجود ودعم شعبنا الفلسطيني بكل الوسائل والسبل!
ولذلك، فإن قضيتنا الفلسطينية ستبقى إلى الأبد تتميز بأنها: القضية الموحدة للأمة، وأنها القضية الرافعة لمن يرفعها ويرعاها، وأنها القضية الكاشفة الفاضحة لكل من يخذلها أو يتنازل عنها و يقدمها كقُربان مجاني لصفقة القرن .