دراسة توثيقية بقلم: محمود كعوش
عناوين فرعية:
(مصطلحا “لاجئ” و”مهاجر” – اللاجئون في نظر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – المهاجرون في نظر المفوضية السامية – اللاجئون والتوطين – اللاجئون الفلسطينيون – القرار الأممي 194 – المقاربة الدولية لمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين -مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين الدولية – المشاريع “الإسرائيلية” والعربية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين – مقترح توطين الفلسطينيين في سيناء المصرية “صفقة القرن” – ما هي “صفقة القرن”؟ – “صفقة القرن” كما نقلها تقرير “إسرائيلي” – “صفقة القرن” أو “الصفقة التصفوية الأمريكية التاريخية” كما عرضها الدكتور صائب عريقات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)
التوطين ومشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين
(من مشروع ماك غي 1949 إلى صفقة القرن الأمريكية وخطة عباس للسلام – 2018)
مصطلحا “لاجئ” و”مهاجر”
وفق ما جاء في صفحة “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – UNHCR” على شبكة الإنترنت، فإنه مع بلوغ عدد النازحين قسراً حول العالم، في تموز/يوليو 2016، حوالي 65 مليون شخصاَ، واستمرار توارد أخبار عبور البحر الأبيض المتوسط بواسطة القوارب في عناوين الصحف العالمية، بقى استخدام مصطلحي “لاجئ” و”مهاجر” محط اهتمام وسائل الإعلام وعامة الناس على حد سواء.
هل من فرق بين المصطلحين، وهل هو بتلك الأهمية؟
نعم، هناك فرق بين المصطلحين والفرق كبير. فلكل من المصطلحين معنى مختلف عن الآخر والخلط بينهما يسبب مشاكل كثيرة للاجئين والمهاجرين على حد سواء.
من هم اللاجئون في نظر المفوضية؟
اللاجئون هم أشخاص فارون من الصراع المسلح أو الاضطهاد. وقد بلغ عددهم مع نهاية عام 2015 ما مجموعه 21.3 مليون شخص، وغالباً ما يكون وضعهم خطراً جداً ويعيشون في ظروف لا تُحتمل تدفعهم إلى عبور الحدود الوطنية بحثاً عن الأمان في الدول المجاورة، وبالتالي يتم الاعتراف بهم دولياً كـ”لاجئين” يحصلون على المساعدة من الدول والمفوضية ومنظمات أخرى. ويتم الاعتراف بهم كلاجئين بشكل خاص لأن عودتهم إلى وطنهم خطيرة جداً ولأنهم يحتاجون إلى ملاذ آمن في أماكن أخرى. وقد يؤدي حرمان هؤلاء الأشخاص من اللجوء إلى عواقب مميتة.
لقد حدد القانون الدولي تعريفاً للاجئين ويوفر لهم الحماية. ولا تزال اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967 فضلاً عن نصوص قانونية أخرى كاتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لحماية اللاجئين لعام 1969 الركن الأساسي في حماية اللاجئين في العصر الحديث. وقد أُدخلت المبادئ القانونية الثابتة في هذه الاتفاقيات في عدد لا يحصى من القوانين والممارسات الأخرى الدولية والإقليمية والوطنية. وتعرّف اتفاقية عام 1951 اللاجئ وتحدد الحقوق الأساسية التي يتعين على الدول ضمانها للاجئين. ومن أهم المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي هو وجوب عدم طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع تهدد حياته وحريته.
ولحماية اللاجئين أوجه عديدة، تشمل حمايتهم من الإعادة إلى المخاطر التي فروا منها، واستفادتهم من إجراءات اللجوء العادلة والفعالة، والتدابير التي تضمن احترام حقوقهم الإنسانية الأساسية للسماح لهم بالعيش بكرامة وتساعدهم على إيجاد حلول طويل الأمد. وتتحمل الدول بشكل أساسي مسؤولية تأمين هذه الحماية. لذا، تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومات مقدمةً لها المشورة والدعم عند الحاجة للقيام بمسؤولياتها.
من هم المهاجرون في نظر المفوضية؟
المهاجرون هم أشخاص يختارون الانتقال ليس بسبب تهديد مباشر بالاضطهاد أو الموت، بل لتحسين حياتهم بشكل أساسي من خلال إيجاد العمل أو في بعض الحالات من أجل التعليم أو لمّ شمل العائلة أو أسباب أخرى. وعلى عكس اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة إلى وطنهم بأمان، لا يواجه المهاجرون مثل هذه العوائق للعودة. فإذا اختاروا العودة إلى الوطن سيستمرون في الحصول على الحماية من حكومتهم.
ويعتبر هذا الفارق مهماً بالنسبة للحكومات الفردية. إذ أن الدول تتعامل مع المهاجرين بموجب قوانينها وإجراءاتها الخاصة بالهجرة، ومع اللاجئين بموجب قواعد حماية اللاجئين واللجوء المحدّدة في التشريعات الوطنية والقانون الدولي على حد سواء. وتتحمل الدول مسؤوليات محددة تجاه أي شخص يطلب اللجوء على أراضيها أو على حدودها. وتساعد المفوضية الدول على التعامل مع مسؤولياتها في حماية طالبي اللجوء واللاجئين.
وتدخل السياسة في مثل هذه المناقشات. وقد يحمل الخلط بين اللاجئين والمهاجرين عواقب وخيمة على حياة اللاجئين وسلامتهم، والخلط بين المصطلحين يمكن أن يصرف الاهتمام عن الحماية القانونية الخاصة التي يحتاج إليها اللاجئون، مما قد يؤدي إلى إضعاف الدعم العام للاجئين وقضية اللجوء في وقت يحتاج فيه المزيد من اللاجئين إلى هذه الحماية أكثر من أي وقت مضى. يتعين علينا معاملة البشر جميعهم باحترام وكرامة وضمان احترام حقوق الإنسان الخاصة بالمهاجرين. في الوقت نفسه، يتعين علينا توفير استجابة قانونية مناسبة للاجئين بسبب محنتهم.
إذاً، وبالعودة إلى أوروبا والأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين وصلوا بواسطة القوارب إلى اليونان وإيطاليا وأماكن أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية، أي من المصطلحين ينطبق عليهم؟ هل هم لاجئون أم مهاجرون؟
في الواقع، هم الاثنان معاً. فغالبية الأشخاص الذين وصلوا إلى إيطاليا واليونان أتوا بشكل خاص من دول غارقة في الحروب أو تُعتبر “منتجة للاجئين” ويحتاجون إلى الحماية الدولية. ولكن نسبة أصغر من هؤلاء الأشخاص أتت من أماكن أخرى، وبالنسبة إلى الكثيرين منهم قد يكون مصطلح “مهاجر” الأصح.
إذاً، في المفوضية نستخدم مصطلحي “لاجئ ومهاجر” عند الإشارة إلى تحركات الأشخاص عبر البحر أو في ظروف أخرى نعتقد فيها بأن أشخاصاً من المجموعتين قد يكونون موجودين – وتحركات القوارب في جنوب شرق آسيا مثال آخر على ذلك. ونستخدم مصطلح “لاجئ” عندما نشير إلى الأشخاص الفارين من الحروب أو الاضطهاد عبر حدود دولية ومصطلح “مهاجر”، عندما نعني أشخاصاً ينتقلون لأسباب لا يشملها التعريف القانوني لمصطلح لاجئ. وتأمل المفوضية أن يحذو الآخرون حذوها، لأنها ترى أن اختيار المصطلحات أمر مهم.
اللاجئون والتوطين
لا يستطيع العديد من اللاجئين العودة إلى بلدانهم بسبب الحروب والصراعات والتمييز والظلم والقهر والقمع والاضطهاد. ويعيش الكثيرون من هؤلاء اللاجئين في ظروف صعبة وخطيرة، أو يعانون من احتياجات خاصة لا يمكن تلبيتها في البلدان التي قصدوها طلباً للحصول على الأمن والحماية. وعادة ما تعمل المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة في هذه الحالات على إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث. فإعادة التوطين تعني نقل اللاجئين من بلد اللجوء إلى بلد ثالث يوافق على قبلوهم ويتكفل بمنحهم الاستقرار الدائم في نهاية المطاف.
كُلفت المفوضية بموجب نظامها الأساسي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعادة التوطين باعتباره أحد الحلول الثلاثة الدائمة. وتتميز إعادة التوطين في كونها الحل الدائم الوحيد الذي ينطوي على نقل اللاجئين من بلد اللجوء إلى بلد ثالث. وكان هناك 16.1 مليون لاجئ تعنى بهم المفوضية حول العالم في نهاية عام 2015، ولكن أُعيد توطين أقل من 1% منهم في ذلك العام.
ويشارك عدد قليل من البلدان في برنامج المفوضية لإعادة التوطين، وتربعت الولايات المتحدة الأمريكية في الأعوام الأخيرة على رأس قائمة دول إعادة التوطين في العالم، كما أمنت كل من كندا وأستراليا وبلدان الشمال الأوروبي عدداً كبيراً من الأماكن.
توفر بلدان إعادة التوطين الحماية القانونية والجسدية للاجئ، بما في ذلك تمتعه بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشابهة لحقوق مواطنيها.
في إعادة التوطين يعيش الإنسان تجربة تغيير نمط حياته، مما يعني أنها تجربة صعبة، لكنها مفيدة في ذات الوقت. ذلك أنه غالباً ما يُعاد توطين اللاجئين في بلدان جديدة بالنسبة إليهم، ومختلفة جداً من حيث المجتمع والتقاليد واللغة والثقافة. واستقبال اللاجئين والعمل على دمجهم في مجتمعات جديدة عملية مفيدة للاجئين المعاد توطينهم وللبلدان التي تستقبلهم. وعادة ما تقدم الحكومات وشركائها من المنظمات غير الحكومية الخدمات لتسهيل عملية دمج اللاجئين، كالتوجيه الثقافي والتدريب اللغوي والمهني، فضلاً عن برامج تعزيز إمكانية الحصول على التعليم والعمل.
اللاجئون الفلسطينيون
هذا في ما يتعلق باللاجئين بصورة عامة، أما في ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين فالأمر يختلف تماماً، لأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد الذي أجبر، في العصر الحديث، على مغادرة أرضه بمنطق القوة الذي مارسته ضده عصابات من الصهاينة المجرمين استقدمتهم الإمبريالية العالمية من أوطانهم في الغرب والشرق تنفيذاً لوعد “بلفور” المشؤوم الذي منحته بريطانيا بطريقة منافية للقانون الدولي للمنظمات الصهيونية العالمية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، في 2 تشرين الأول/نوفمبر عام 1917.
وعادة ما يعبر اللاجئون الفلسطينيون عن رفضهم القاطع للتوطين في أماكن إقاماتهم المؤقتة، أكان ذلك في البلدان العربية التي أجبروا على النزوح إليها بعد احتلال الصهاينة لفلسطين عام 1948، أو في بلدان الشتات العالمي التي اضطروا للهجرة إليها، مؤكدين تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، كما يؤكدون رفضهم للتعويض عن ممتلكاتهم في فلسطين.
منذ احتلال فلسطين في عام 1948 والمشاريع المطروحة لتوطين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها لم تتوقف. وقد تجاوزت هذه المشاريع الخمسين مشروعا دولياً وعربياً و”إسرائيلياً” و”إسرائيلياً” – فلسطينياً مشتركاً، بعضها استمر الجدل قائما بشأنه بعض الوقت، والبعض الآخر ولد ومات ولم يكد أحد يلتفت إليه. وكان الفشل هو الغالب على كل هذه المشاريع على مدار سنوات النكبة، فلا هي نجحت في توطين هؤلاء اللاجئين ولا هي أنستهم حق العودة إلى ديارهم. أما القرار الأممي رقم 194 الذي ينص على عودة اللاجئين فقد تحول الى مادة تفاوض تحت عنوان “تعويض المتضررين”.
القرار الأممي 194
ينص قرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948 على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل. وفيما يلي نص القرار:
“إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل.
(إن الجمعية العامة وقد بحثت في الحالة في فلسطين من جديد:
1 – تعرب عن عميق تقديرها الذي تم بفضل المساعي الحميدة المبذولة من وسيط الأمم المتحدة الراحل في سبيل تعزيز تسوية سلمية للحالة المستقبلية في فلسطين، تلك التسوية التي ضحى من أجلها بحياته. وتشكر للوسيط بالوكالة ولموظفيه جهودهم المتواصلة وتفانيهم للواجب في فلسطين.
2 – تنشئ لجنة توفيق مكونة من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة تكون لها المهمات التالية:
أ – القيام – بقدر ما ترى أن الظروف القائمة تستلزم – بالمهمات التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 (د أ – 2) الصادر في 14 مايو/ أيار سنة 1948.
ب – تنفيذ المهمات والتوجيهات المحددة التي يصدرها إليها القرار الحالي، وتلك المهمات والتوجيهات الإضافية التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة أو مجلس الأمن.
ج – القيام – بناء على طلب مجلس الأمن – بأية مهمة تكلها حالياً قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة. وينتهي دور الوسيط بناء على طلب مجلس الأمن من لجنة التوفيق القيام بجميع المهمات المتبقية التي لا تزال قرارات مجلس الأمن تكلها إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين.
3 – تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة -مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية- اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث التي ستتكون منها لجنة التوفيق على الجمعية العامة لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية.
4 – تطلب من اللجنة أن تبدأ عملها فوراً حتى تقيم في أقرب وقت علاقات بين الأطراف ذاتها، وبين هذه الأطراف واللجنة.
5 – تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الصادر في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1948، وإلى البحث عن اتفاق بطريق مفاوضات تجري إما مباشرة أو مع لجنة التوفيق، بغية إجراء تسوية نهائية لجميع المسائل المعلقة بينها.
6 – تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق لاتخاذ التدابير بغية معاونة الحكومات والسلطات المعنية لإحراز تسوية نهائية لجميع المسائل المعلقة بينها.
7 – تقرر وجوب حماية الأماكن المقدسة -بما فيها الناصرة- والمواقع والأبنية الدينية في فلسطين، وتأمين حرية الوصول إليها وفقاً للحقوق القائمة والعرف التاريخي، ووجوب إخضاع الترتيبات المعمولة لهذه الغاية لإشراف الأمم المتحدة الفعلي. وعلى لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة، لدى تقديمها إلى الجمعية العامة في دورتها العادية الرابعة اقتراحاتها المفصلة بشأن نظام دولي دائم لمنطقة القدس، أن تتضمن توصيات بشأن الأماكن المقدسة الموجودة في هذه المنطقة، ووجوب طلب اللجنة من السلطات السياسية في المناطق المعنية تقديم ضمانات رسمية ملائمة فيما يتعلق بحماية الأماكن المقدسة في باقي فلسطين، والوصول إلى هذه الأماكن، وعرض هذه التعهدات على الجمعية العامة للموافقة.
8 – تقرر أنه نظراً إلى ارتباط منطقة القدس بديانات عالمية ثلاث، فإن هذه المنطقة بما في ذلك بلدية القدس الحالية يضاف إليها القرى والمراكز المجاورة التي يكون أبعدها شرقاً أبو ديس وأبعدها جنوباً بيت لحم وأبعدها غرباً عين كارم -بما فيها المنطقة المبنية في موتسا- وأبعدها شمالاً شعفاط، يجب أن تتمتع بمعاملة خاصة منفصلة عن معاملة مناطق فلسطين الأخرى، ويجب أن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية.
– تطلب من مجلس الأمن اتخاذ تدابير جديدة بغية تأمين نزع السلاح في مدينة القدس في أقرب وقت ممكن.
– تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق لتقدم إلى الجمعية العامة في دورتها الرابعة اقتراحات مفصلة بشأن نظام دولي دائم لمنطقة القدس يؤمن لكل من الفئتين المتميزتين الحد الأقصى من الحكم الذاتي المحلي المتوافق مع النظام الدولي الخاص لمنطقة القدس.
– إن لجنة التوفيق مخولة بصلاحية تعيين ممثل للأمم المتحدة يتعاون مع السلطات المحلية فيما يتعلق بالإدارة المؤقتة لمنطقة القدس.
9 – تقرر وجوب منح سكان فلسطين جميعهم أقصى حرية ممكنة للوصول إلى مدينة القدس بطريق البر والسكك الحديدية وبطريق الجو، وذلك إلى أن تتفق الحكومات والسلطات المعنية على ترتيبات أكثر تفصيلاً.
– تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بأن تعلم مجلس الأمن فوراً بأية محاولة لعرقلة الوصول إلى المدينة من قبل أي من الأطراف، وذلك كي يتخذ المجلس التدابير اللازمة.
10 – تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بالعمل لإيجاد ترتيبات بين الحكومات والسلطات المعنية من شأنها تسهيل نمو المنطقة الاقتصادي، بما في ذلك اتفاقيات بشأن الوصول إلى المرافئ والمطارات واستعمال وسائل النقل والمواصلات.
11 – تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
– وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة.
12 – تفوض لجنة التوفيق صلاحية تعيين الهيئات الفرعية واستخدام الخبراء الفنيين تحت إمرتها بما ترى أنها بحاجة إليه لتؤدي بصورة مجدية وظائفها والتزاماتها الواقعة على عاتقها بموجب نص القرار الحالي. ويكون مقر لجنة التوفيق الرسمي في القدس، ويكون على السلطات المسؤولة عن حفظ النظام في القدس اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتأمين سلامة اللجنة. ويقدم الأمين العام عدداً من الحراس لحماية موظفي اللجنة ودورها.
13 – تصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بأن تقدم إلى الأمين العام بصورة دورية تقارير عن تطور الحالة كي يقدمها إلى مجلس الأمن وإلى أعضاء منظمة الأمم المتحدة.
14 – تدعو الحكومات والسلطات المعنية جميعاً إلى التعاون مع لجنة التوفيق وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للمساعدة على تنفيذ القرار الحالي.
15 – ترجو الأمين العام تقديم ما يلزم من موظفين وتسهيلات واتخاذ الترتيبات المناسبة لتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ أحكام القرار الحالي.
تبنت الجمعية العامة هذا القرار في جلستها العامة رقم 186 بـ 35 صوتاً مع القرار مقابل 15 ضده وامتناع 8 كالآتي:
مع القرار: الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الصين، كولومبيا، الدانمارك، جمهورية الدومينيكان، إكوادور، السلفادور، الحبشة، فرنسا، اليونان، هاييتي، هندوراس، إيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النرويج، بنما، باراغواي، بيرو، الفلبين، سيام، السويد، تركيا، جنوب أفريقيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، أوروغواي، فنزويلا.
ضد القرار: أفغانستان، بلو روسيا (روسيا البيضاء)، كوبا، تشيكوسلوفاكيا، مصر، العراق، لبنان، باكستان، بولندا، المملكة العربية السعودية، سوريا، أوكرانيا، الاتحاد السوفييتي، اليمن، يوغسلافيا.
امتناع: بوليفيا، بورما، الشيلي، كوستاريكا، غواتيمالا، الهند، إيران، المكسيك.)
في الوقت الذي أكد فيه المجتمع الدولي مرارا وتكراراً على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فإن ممارسة الدول الكبرى كانت دوما باتجاه توطينهم. وقد أسهمت الأونروا في توفير الإغاثة والمعونة لهم، إلا أن نشاطاتها وبرامجها المبكرة هدفت إلى إعادة توطينهم من خلال عمليات التطوير الاقتصادي. ففي العام 1950، قامت لجنة التوفيق الدولية “UNCCP” بمجموعة من التدخلات لدى البلدان العربية لضمان الحصول على مساحات أراضِ يستقر عليها اللاجئون الفلسطينيون الذين اختاروا عدم العودة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وافقت حكومتا الأردن وسوريا على إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين شرط أن يكون قد توفر لهم خيار العودة إلى مواطنهم الموجودة الآن داخل أراضيهم المحتلة، أما الحكومة المصرية فقد قالت للجنة التوفيق أنه سيكون من الصعب توطين اللاجئين في مصر لاعتبارات الكثافة السكانية ونقص الأراضي الصالحة للزراعة.
ولربما أن الموضوع الأكثر أهمية هنا، هو أن لا وجود لحق في التوطين من بين الخيارات الثلاثة المطروحة أمام اللاجئين. ففي الخيار الأول، العودة هي الحق الوحيد بموجب القانون الدولي فقط. وفي الخيار الثاني فيبقى بإمكان اللاجئين الذين يختارون التوطين ممارسة حقهم في العودة حتى ولو حصلوا على المواطنة في أي دولة أخرى. أما في الخيار الثالث فإن حصول اللاجئين على حق إعادة التوطين في بلد ثالث لا يسقط حقهم في العودة إلى وطنهم، عندما يتيسر ذلك.
وباختصار، فإن مسألة اللاجئين الفلسطينيين ستجد طريقها إلى الحل عندما تُعرض عليهم خيارات حقيقية، أي عندما تكون العودة خيارا حقيقيا يكون في متناول أياديهم كبقية الحلول الأخرى مثل إعادة التوطين. وقد عبر عن ذلك السكرتير العام للأمم المتحدة عام 1959 في أعقاب انهيار الجهود الدولية لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين عبر برامج الأونروا بقولة: “لن يكون أي اندماج مرضيا أو حتى ممكنا، إذا ما تم عن طريق إجبار الناس على الوجود في أوضاع جديدة بخلاف إرادتهم”.
في ذات الوقت فإن الآراء التي يعبر عنها الناطقون باسم اللاجئين تشير إلى أن اللاجئين لن يقبلوا الاندماج بشكل طوعي في حياة مثمرة إلا إذا منحوا حرية الاختيار بما يتلاءم مع قرارات الأمم المتحدة، أو بطريقة مقبولة أخرى، وإذا ما كانت الحرية الآن وسيلة يصوب من خلالها الخطأ الذي يعتبرون أنفسهم قد عانوا منه، وأن يبقى احترامهم الشخصي لأنفسهم مصونا ومحفوظا.
أبرز مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين
المقاربة الدولية لمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين
صحيح أن المقاربة الدولية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ظلت على الدوام تتمسك بمرجعية قرارات الأمم المتحدة، إلا أن المشاريع التي اقترحت مالت إلى تبني فكرة التوطين والتعويض أكثر من إتاحة فرص العودة. ويعد مشروع “ماك غي” (1949) أقدم مشاريع التوطين. وقد توالت المشاريع بعد ذلك.
ففي مقالة نشرها “المركز الفلسطيني – بديل”، أجمل “عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني الأستاذ تيسير محيسن” المواقف والأفكار التي حملتها المقاربة الدولية فيما يلي:
أولاً – اعتماد المقاربة الاقتصادية للتوطين والدمج في بلدان اللجوء. فلجنة “كلاب” أوصت بإيجاد برنامج للأشغال العامة. و”جون بلاندفورد” (1951) أوصى بتخصيص 250 مليون دولار لدمج اللاجئين. ومبعوث الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط (1953-1955) اقترح توطين اللاجئين في الضفة الشرقية للأردن تحت مسمى الإنماء الموحد.
ثانياً – ممارسة الضغط أو الابتزاز أو الإغراء على الدول العربية لإجبارها على القبول بتوطين اللاجئين على أراضيها.
ثالثاً – لم تستثن بعض المشاريع إمكانية إعادة بضعة آلاف من اللاجئين إلى “إسرائيل”، شرط أن توافق “إسرائيل”، ويوافق العائدون على العيش في كنف الحكومات “الإسرائيلية” (جون فوستر دالاس 1955، كينيدي 1957).
رابعاً – بعض المشاريع قامت على أساس مقايضة أو مساواة حق العودة بالتعويض، علاوة على مدخل التنمية الاقتصادية في حل المشكلة (دراسة هيوبرت همفري 1957، مشروع داغ همرشولد 1959، جوزيف جونسون 1962).
خامساً – اشتملت المشاريع اللاحقة للتوطين على تقديم تصورات تفصيلية وعملية تتعلق بالأعداد وأماكن التوطين وغير ذلك. المحامية الأمريكية “دونا آرزت” (1977) قدمت اقتراحاً بتوطين نحو 75 ألف فلسطيني. وتضمن مشروع “فانس” (1969) إنشاء صندوق دولي لتوطين (700) ألف في الأردن و (500) ألف في سوريا وتفريغ لبنان من اللاجئين، كما تدفع تعويضات لأصحاب الأملاك وفق الجداول التي وضعتها لجنة التقديرات عام 1950. كما تضمنت رؤية بيل كلينتون (2000) اقتراح توطين بعض اللاجئين في دولة فلسطينية جديدة وفي الأراضي التي ستنقل من “إسرائيل”.
سادساً – تميزت المشاريع المقدمة من وكالة غوث اللاجئين بالطابع العملي كما تجلى الأمر على سبيل المثال في مشروع سيناء، أو تحسين حياة اللاجئين من خلال إعطائهم قطع أرض وقروض لتوطينهم كما جاء ضمن خطة لعام 1959 التي كان هدفها توطين 60% من اللاجئين في الأردن وسورية ولبنان.
سابعاً – تأثرت المشاريع المقترحة بالسياقات التاريخية، فقد أظهرت بعض المقترحات الأمريكية أن أحد محددات الموقف الأميركي تجاه اللاجئين يكمن في مواجهة الخطر السوفييتي في المنطقة، فمشروع أيزنهاور (1957 – 1958) ربط بين التنمية الاقتصادية ومحاربة الشيوعية. كما أن دعوات التوطين في العراق تصاعدت إبان حصاره ومن ثم احتلاله عام 2003. كما اتسمت معظم المعالجات المقترحة قبل صعود الحركة الوطنية الفلسطينية بالطابع الإنساني.
ثامناً – مثلت المشاريع الدولية المقترحة في اغلبها انحيازاً واضحاً “لإسرائيل”، علاوة على أن المجتمع الدولي لم يتخذ أية تدابير عملية للضغط على “إسرائيل” أو إجبارها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية. ومع الحرج الذي تسبب به هذا الانحياز، لم تتردد بعض الجهات الدولية في محاولة إبراز هيئات تتحدث باسم اللاجئين بما يفكك قضيتهم ويضعفها أمام الرأي العام العالمي، ومن ذلك أيضاً محاولات وكالة الغوث تحويل قضية اللاجئين من قضية دولية إلى قضية تتحمل مسؤولياتها الحكومات المحلية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين الدولية
مشروع ماك غي
في عام 1949 توجه مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ماك غي إلى بيروت لشرح خطته التي تعتبر من أقدم المشاريع لتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم. وهي الخطة التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال لجنة التوفيق الدولية التي تأسست بموجب قرار الجمعية العامة رقم 194 لتوفير الحماية للاجئين الفلسطينيين، وتألفت من مندوبي الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا. واستندت الخطة إلى إنشاء وكالة تتكون من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تهتم بتقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية لاحتواء اللاجئين في الدول التي يمكنها القيام بذلك. ونصت خطة ماك غي بالإضافة إلى إعادة مائة ألف لاجئ إلى الأراضي المحتلة، على توطين باقي اللاجئين في عدد من البلدان. وفي الوقت الذي أبدت الولايات المتحدة استعداداً لتحمل التكلفة المالية، اشترطت “إسرائيل” في المقابل اعترافاً كاملا بها، وإعادة توطين المائة ألف لاجئ حيث يتوافق ومصالحها من جهة أخرى، لتنتهي خطة ماك غي بالفشل.
بعثة غوردن كلاب
في عام 1949 أرسلت الأمم المتحدة بعثة للأبحاث لدراسة الحالة الاقتصادية لعدد من البلدان العربية وتحديد قدرتها على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين. وقدمت اللجنة التي سميت باسم رئيسها غوردن كلاب، تقريرها للأمم المتحدة في ذات السنة حيث أوصت الجمعية العامة بإيجاد برنامج للأشغال العامة مثل الري وبناء السدود وشق الطرق وحرف أخرى للاجئين. وقد شرعت بتأسيس صندوق لدمجهم بكلفة وصلت 49 مليون دولار، تساهم فيها الولايات المتحدة بنسبة 70% لإقامة مشاريع تنموية. وبدا واضحاً من خلال بعثة كلاب تركيزها على المقاربة الاقتصادية أكثر من غيرها.
مشروع جون بلاندفورد
تقدم المفوض العام لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة جون بلاندفورد إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1951 بمشروع من عدة جوانب، من بينها ما اقترحه ضمن تقريره حول تخصيص ميزانية قوامها 250 مليون دولار، لدمج اللاجئين في الدول العربية.
مشروع إريك جونستون
ما بين عامي 1953 و1955 تردد إريك جونستون مبعوث الرئيس الأمريكي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط للقيام بمفاوضات بين الدول العربية و”إسرائيل”. وحمل معه مشروعا لتوطين الفلسطينيين على الضفة الشرقية للأردن، أطلق عليه مشروع الإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن، وتقرر أن ينفذ على خمس مراحل تستغرق كل مرحلة سنتين أو ثلاثاً. وخصص المشروع مساحات كبيرة من الأراضي المروية في الأردن للاجئين الفلسطينيين. ومشروع جونستون كان استمراراً لمشاريع سابقة تركزت على التنمية الاقتصادية كمدخل للتوطين.
دراسة سميث وبروتي
أرسلت لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي في مطلع عام 1954 بعثة استقصاء إلى الشرق الأوسط، وأوصى عضوا البعثة، النائبان سميث وبروتي من ولاية فيرمونت تقريرا في أواخر شباط/فبراير من ذات العام، بممارسة الضغط على الدول العربية لتفتح أبوابها أمام استيعاب اللاجئين. وأرادت البعثة تحديد سقف زمني لوقف معونة الأمم المتحدة للاجئين، لتقوم الولايات المتحدة بتقديم المعونة إلى الدول التي توفر مساكن للاجئين وتمنحهم حق المواطنة. وقد أوصت بعثة تالية سنة 1955 الولايات المتحدة بتخفيف معاناة اللاجئين وتحمل مسؤولية إعادتهم إلى وطنهم أو توطينهم.
مشروع جون فوستر دالاس
ألقى وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إثر قيامه بجولة في الشرق الأوسط خطابا في عام 1955، تطرق فيه إلى رؤية الإدارة الأمريكية لمستقبل التسوية في منطقة الشرق الأوسط. وطرح قضية اللاجئين كإحدى أهم القضايا، مقترحا إعادة بعضهم إلى فلسطين بشرط إمكان ذلك، وقيام “إسرائيل” بتعويض البعض الآخر، وتوطين العدد المتبقي في البلدان العربية في أراض مستصلحة عن طريق مشاريع تمولها الولايات المتحدة. وقد لقي المشروع معارضة من دول عربية مثل مصر وسورية.
مشروع بريطاني
أعدت وزارة الخارجية البريطانية عام 1955، حسب ما ورد في بعض وثائقها، تقريرا مطولا عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، تمت مناقشته مع الحكومة الأمريكية. وتضمن التقرير عددا من مشاريع التوطين خاصة في العراق. وتم إعداد التقرير بالتنسيق مع السفارة البريطانية في بغداد وقسم التطوير في المكتب البريطاني في الشرق الأوسط في بيروت، والأونروا وبقية السفارات البريطانية في المنطقة. وحسب ما ورد في الوثيقة التي حملت رقم ( F / 37/115625 ) فقد كان ينتظر موافقة العراق على استيعاب مليون لاجئ على مدى عشرين سنة في المستقبل في حال نجاح المشروع.
مشروع جون كينيدي
ألقى الرئيس الأمريكي جون كينيدي خلال المؤتمر القومي للمسيحيين واليهود انعقد في عام 1957، خطابا عكس بعض تصوراته للصراع العربي “الإسرائيلي” في الشرق الأوسط. وبشأن اللاجئين الفلسطينيين اقترح عودة من يرغب منهم في العودة ليعيش في ظل الحكومة “الإسرائيلية” باسم الصداقة الوفية، وتعويض من لا يرغب منهم في العودة، وتوطين اللاجئين الآخرين عبر القيام بمشروعات اقتصادية في المنطقة.
دراسة هيوبرت همفري
بعد جولة له في الشرق الأوسط، قام بها في عام 1957 وزار خلالها عددا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، أعد عضو الكونغرس الأمريكي هيوبرت همفري دراسة توثيقية، أكد فيها على أن حق العودة يجب ترسيخه ومساواته بحق التعويض. وأوصت الدراسة بالشروع في مهام ومشاريع لتسهيل إعادة توطين اللاجئين في بعض الدول العربية المحيطة “بإسرائيل”. وأشارت إلى أن الجيل الجديد الذي يشكل نسبة كبيرة من اللاجئين، يضعف عنده عنصر الانتماء إلى فلسطين، بالرغم من الضجيج الذي يطلقه القادة السياسيون بشأن حق العودة. وخلصت إلى القول إن إعادة التوطين والتعويض، ووضع برنامج للتنمية الاقتصادية هو السبيل الواقعي لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
مشروع داغ همرشولد
في الدورة 14 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت عام 1959 قدم الأمين العام للأمم المتحدة في حينه داغ همرشولد ورقة حملت رقم أ/4121 تضمنت مقترحات بشأن استمرار الأمم المتحدة في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين. واقترح همرشولد في ورقته توسيع برامج تأهيلهم وتعزيز قدراتهم على إعالة أنفسهم، والاستغناء عن المساعدات التي تقدمها إليهم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. كما اقترح توطينهم في الأماكن التي يوجدون فيها، مع مناشدة الدول العربية المضيفة للاجئين التعاون مع الوكالة الدولية.
مشروع جوزيف جونسون
قدم جوزيف جونسون رئيس مؤسسة كارنغي للسلام العالمي عام 1962 مشروعا كلف به رسميا من قبل حكومته ولجنة التوفيق الدولية التابعة للأمم المتحدة في السنة التي سبقتها ركز على دراسة مشكلة اللاجئين. وقد تضمن المشروع إعطاء كل أسرة من اللاجئين فرصة الاختيار بين العودة أو التعويض، مع اعتبار قيمة التعويضات الكبيرة التي ستتلقاها كبديل إذا اختارت البقاء حيث هي. وبموجب ذلك المشروع يستفيد اللاجئون الذين لم يكن لهم ممتلكات في فلسطين من تعويض مالي مقطوع لمساعدتهم على الاندماج في المجتمعات التي يختارون التوطن فيها. وقد رفضت “إسرائيل” على لسان وزيرة خارجيتها غولدا مائير مشروع جونسون “لاستحالة عودة اللاجئين”، من وجهة نظرها، لأن الحل على حسب قولها هو في توطينهم في البلدان المضيفة.
مشروع مارك بيرون
في عام 1993 طرح الدبلوماسي الكندي مارك بيرون لدى رئاسته الاجتماع الخامس لمجموعة عمل اللاجئين الذي انعقد في تونس، رؤية بلاده لحل أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط عبر التوصل إلى ما سماه “شرق أوسط جديدا من دون لاجئين”، وذلك من خلال منح الهوية لمن لا هوية لهم، وتوطين الفلسطينيين في دول اللجوء الحالية بحيث يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والمدنية كاملة.
دراسة دونا آرزت
في كانون الثاني/يناير من عام 1997 طرحت المحامية الأمريكية من أصل روسي دونا آرزت، بحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق ريتشارد مورفي، دراسة أمام مجلس الشؤون الخارجية في الكونغرس، تطرقت فيها إلى الأوضاع في الشرق الأوسط، وركزت على مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وقد تحولت تلك الدراسة إلى كتاب في ما بعد. وطرحت آرزت في دراستها اقتراحات شملت توطين الفلسطينيين حيث يتواجدون، على أن يوطن لبنان نحو 75 ألف فلسطيني، مع منح كل فلسطيني أينما كان جوازا يتيح له زيارة دولة فلسطين التي ستقام مستقبلا.
رؤية بيل كلينتون
طرح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أواخر عام 2000 فكرة توطين الفلسطينيين في الخارج في أماكن إقامتهم ضمن رؤيته لحل هذه الإشكالية، في سياق حلول أخرى مثل، توطينهم في دولة فلسطينية جديدة، أو توطينهم في الأراضي التي ستنقل من “إسرائيل” إلى الفلسطينيين، أو توطينهم في الدول المضيفة لهم، أو توطين قسم آخر في دولة ثالثة تقبل بذلك.
مشروع إلينا روز لشتاين
قدمت إلينا روز لشتاين عضو مجلس النواب الأمريكي ورئيسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط ووسط آسيا مع عدد من أعضاء مجلس النواب مشروعا للكونغرس عام 2006، في محاولة لصناعة قرار يدعو الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى مطالبة الدول العربية باستيعاب الفلسطينيين المقيمين على أرضها، وحل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ومعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بواسطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
المشاريع “الإسرائيلية” والعربية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين
أنكرت “إسرائيل” مسؤوليتها عن التسبب في نشأة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين منذ البداية، وألقت باللائمة على الجانب العربي وحملته مسؤولية حلها. وفي مقالة نشرها “المركز الفلسطيني – بديل”، استخلص الأستاذ “تيسير محسين” بعض الأفكار من جملة المشاريع التي اقترحتها “إسرائيل”:
أولاً – أجمعت المشاريع “الإسرائيلية” المقترحة على منع عودة اللاجئين، وعلى توطينهم في البلدان المضيفة لهم أو في بلدان أخرى ودائماً بتمويل دولي أو عربي. هذا ما خلصت إليه لجنة بن غوريون عام 1948، وكذلك مشروع ييغال ألون بعد عام 1967 الذي دعا إلى توطين اللاجئين في سيناء. كما اقترح أبا إيبان (1968) التوطين في أماكن اللجوء بمساعدة دولية وإقليمية.
ثانياً – بعض المشاريع غير الرسمية تضمنت بصورة أو بأخرى بعض “التنازلات” ويمكن تفسير الأمر برغبة “إسرائيل” بالحد من الضغط الدولي أو تجنب الحرج أو الخديعة في أحيان أخرى لاصطياد تنازلات بالمقابل من الطرف الفلسطيني أو الأطراف العربية. فقد تضمن مشروع ليفي أشكول (1965) اقتراحاً باستعداد “إسرائيل” للمساهمة المالية. واشتملت دراسة أعدها شلومو غازيت (1994) على اقتراح بعودة بعض لاجئي سنة 48 ونازحي 1967 إلى مناطق الحكم الذاتي.
ثالثاً – دفعت أطراف “إسرائيلية” مختلفة بالعديد من الأفكار والمقترحات، والممارسات التي تنطوي على عنصرية شديدة، وتعكس درجة الخوف من بقاء مشكلة اللاجئين بلا حل، أو حلها بعودتهم إلى ديارهم التي شردوا منها. مارست “إسرائيل” الابتزاز على الدول العربية بطرحها مشكلة يهود الدول العربية، والدعوة إلى الوطن البديل في الأردن، وهي فكرة طرحها بن غوريون وتضمنها مشروع ألون (1968) وتمسك بها شارون بهدف السيطرة على الضفة الغربية، وُشنت حرب 82 كمحاولة لتحقيق هذه الفكرة. ومن ذلك أيضاً السعي المحموم لإزالة المخيمات واستهدافها في كل الحروب.
رابعاً – من التكتيكات التي اتبعتها “إسرائيل” في مواجهة مشكلة اللاجئين: الضم الزاحف (دايان)، تشجيع الجذب الاقتصادي والرحيل الإرادي (العملية الليبية 1953-1958)، المساومات مع الأطراف الإقليمية والدولية (التوطين في العراق)، التأهيل والتذويب، المذابح (1982)، استدراج الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات بوهم تشجيع مبادرات السلام (جنيف 2002).
أما العرب، فظلوا على الدوام يتمسكون بحق العودة ورفض أي شكل من أشكال التوطين، وأصروا على ضرورة الكفاح من أجل التحرير والعودة حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين. ولاحقاً تبنى الفلسطينيون هدف إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع مع حزيران/يوليو 1967 والتشديد على حقي تقرير المصير والعودة طبقاً لقرار 194. وكذلك فعلت الدول العربية باستثناء بعض الحالات التي وافقت فيها بعض الحكومات على مشاريع توطين بالتعاون مع وكالة الغوث وفي ظل الضغوط الممارسة عليها أو الإغراءات المقدمة إليها، مثل مشروع توطين سيناء (1955)، ومشروع الرمدان (1953)، ومشروع موسى العلمي ومشروع استغلال مياه الأردن (1955). حافظ المخيم على رمزيته ورفضت الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها أي محاولات لإزالة هذا الرمز، بما في ذلك مشاريع تحسين ظروف معيشة اللاجئين في المخيمات أو ربطها بالخدمات البلدية في المدن المجاورة.
مع انطلاق “مسيرة التسوية” في عام 1991، واصلت الغالبية العظمى من الفلسطينيين والعرب التمسك بحق العودة ورفض التوطين، غير أن ثمة اتجاهات جديدة برزت في صفوف نخبهم وأنظمتهم الرسمية. اتجاه ولد ضعيفاً رأى إمكانية مقايضة حق العودة بالدولة المستقلة وبناء شرق أوسط جديد وإنهاء حالة الصراع مرة وإلى الأبد. الاتجاه الثاني كان أكثر خطورة وأوسع انتشاراً في صفوف النخب والقيادات عبر عنه بعبارة “حلول إبداعية متفق عليها” لمشكلة اللاجئين. واللافت أن معظم المشاريع المقترحة تأسيساً على هذه الفكرة، جاءت بالشراكة مع أطراف “إسرائيلية” رسمية وشبه رسمية ودائماً برعاية دولية. من ذلك وثيقة أبو مازن – بيلين (1995)، مشروع نسيبة – ايالون (2002)، وثيقة جنيف (2003)، وثيقة اكس آن بروفانس (2007). تضمنت هذه المشاريع، بصورة أو بأخرى، الأفكار التالية: تحسين شروط حياة اللاجئين حيث هم إلى حين، اعتراف “إسرائيل” بالمسؤولية عن مشكلة اللاجئين دون تحمل التبعات بالضرورة، العودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية أو حمل جنسيتها والبقاء في الشتات كجاليات، عودة رمزية “لإسرائيل” على فترات زمنية متباعدة ومن خلال لم الشمل، التعويض المجزي مع التأهيل والتوطين، العودة إلى أراض تتخلى عنها “إسرائيل” ضمن تبادل الأراضي.
انطوت المقاربة العربية لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على تناقضات، فمن جهة تمسك العرب بحق العودة ورفضوا التوطين، ومن جهة أخرى أبدوا استعداداً دائماً للمساومة والمقايضة، إلى درجة أنهم وافقوا في أحيان على حرمان اللاجئين من أبسط حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية بحجة رفض التوطين، الأمر الذي لا يقل خطراً عن التوطين، من حيث:
– خلق بيئة طاردة تجعل اللاجئ يؤثر الرحيل أو الانتقال والهجرة إلى أماكن أخرى في هذا العالم. – إضعاف العزيمة النضالية بتحطيمه نفسياً وجعله يعيش حالة من الخوف المتواصل والعزوف عن الفعل الاجتماعي والسياسي والكفاحي الفاعل.
– إعطاء الذريعة للمؤسسات الدولية للتعامل مع قضية اللاجئين بوصفها قضية إنسانية، لا قضية سياسية.
لجنة ديفيد بن غوريون
شكل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق ديفيد بن غوريون لجنة في آب/أغسطس من عام 1948 هدفت مهمتها إلى منع عودة الفلسطينيين. وشملت التوصيات التي رفعتها في تقريرها الأول، توطين اللاجئين في البلدان المضيفة، كسورية والأردن بمساعدة من الأمم المتحدة، ويفضل في العراق. وقد اقترح بن غوريون ذلك أيضا على رئيس وزراء فرنسا الأسبق غي مولييه أثناء اجتماعه به سنة 1956.
مشروع الجزيرة
أعلن حسني الزعيم الذي قاد انقلابا في سورية عام 1949 قبوله توطين ثلاثمائة ألف لاجئ في منطقة الجزيرة في شمال سورية. وجاء ذلك في سياق مشروع منطقة الجزيرة الذي اتفقت عليه وكالة الغوث الدولية مع الحكومة السورية عام 1952 والذي حمل مقاربة اقتصادية لمسألة توطين الفلسطينيين المتواجدين في تلك المنطقة. وقد رفض بن غوريون هذا المشروع لأن حسني الزعيم ربط ذلك بالمطالبة بتعويض اللاجئين وتقديم مساعدة لهم. ويضاف إلى ذلك اتفاق آخر أبرم بداية عام 1953 بين الولايات المتحدة وحكومة أديب الشيشكلي لتوطين الفلسطينيين في سوريا. وقد رصدت وكالة الغوث ميزانية للقيام بمشاريع تهدف إلى تأهيل الفلسطينيين المتواجدين هناك، منها مشاريع زراعية. لكنها توقفت عند المراحل الأولى لكون الأرض التي وضعتها سورية بتصرف وكالة الغوث كانت غير قابلة للاستثمار، مع ارتفاع التكلفة.
مشروع سيناء
وافقت الحكومة المصرية على مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة في سيناء في الفترة بين عامي 1951 – 1953. وعقدت اتفاقا مع وكالة الغوث يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان تقام عليها عدد من المشاريع. لكن المشروع ووجه برفض شعبي مصري، مما اضطر الحكومة المصرية إلى إصدار بيان تراجعت فيه عن موضوع التوطين، واعتبرت المشروع غير ذي جدوى. واعتبر هذا المشروع من أهم المشاريع التي قدمت لتوطين اللاجئين الفلسطينيين من مدخل اقتصادي.
مشروع ليفي أشكول
تقدم رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق ليفي إشكول في إحدى جلسات الكنيست عام 1965 بمشروع نص على توجيه جزء من الموارد الكبيرة للمنطقة باتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية التي اعتبرها الدول العربية، وأبدى استعداد “إسرائيل” للمساهمة المالية إلى جانب الدول الكبرى في عملية إعادة توطين اللاجئين كحل مناسب لهم و”لإسرائيل”.
مشروع إيغال ألون – 1967
طرح إيغال ألون هذا المشروع عام 1967، ودعا فيه إلى فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء استغلالاً لظروف “عجز السلطات المصرية في فرض سيطرتها الأمنية في سيناء” وهي الحالة التي تشبه الأوضاع التي استجدت مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، بعد إطاحته بالإخواني محمد مرسي.
مشروع إيغال ألون – 1968
طرح إيغال ألون وزير العمل في حكومة ليفي إشكول مشروعا متكاملا للتسوية مع الأردن عام 1968. وقال ألون في مشروعه: إن “إسرائيل” وحدها لا تستطيع حل المشكلة بأسرها، أو الجزء الأكبر منها اقتصاديا وسياسيا وديموغرافيا. والمشكلة كما رآها ألون تقع في خانة تبادل السكان. فقد استوعبت “إسرائيل” اليهود، والدول العربية تستوعب اللاجئين العرب بنفس العدد.
دراسة شلومو غازيت
أصدر مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب عام 1994 دراسة لشلومو غازيت رئيس الاستخبارات “الإسرائيلية” الأسبق، بعنوان “قضية اللاجئين الفلسطينيين، قضايا الحل الدائم من منظور إسرائيلي”. وتناولت الدراسة حل قضية اللاجئين من خلال عودة بعض لاجئي عام 1948 ونازحي عام 1967 إلى مناطق الحكم الذاتي وفقا للاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. ويتم استيعاب الباقين في الدول العربية المضيفة. ورأى غازيت أنه يجب حل وكالة الغوث الدولية ونقل صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية والدول المضيفة. وقسم جانب التعويض المادي عن حق العودة، إلى تعويض جماعي لتطوير ودمج اللاجئين في أماكن إقامتهم، وتعويض شخصي يصرف للعائلات، ويقدر بعشرة آلاف دولار للعائلة الواحدة بدون اعتبار لقيمة الممتلكات المفقودة.
وثيقة أبو مازن – بيلين
عقب توقيع اتفاقية أوسلو، جمعت مباحثات محمود عباس ويوسي بيلين وزير العدل في حكومة إسحق رابين في وثيقة، وصفت بأنها غير رسمية. وكان يفترض أن يعلن عنها رابين لاحقا ضمن البرنامج الانتخابي لحزب العمل المقرر في الانتخابات التشريعية لعام 1996، لكن حادث اغتيال رابين عام 1995 ساهم في بقاء الاتفاق قيد الكتمان.
أكدت الوثيقة على مسألة الاعتراف المتبادل بين الدولتين الفلسطينية و”الإسرائيلية”، واعتبرت مدينة القدس عاصمة للدولتين، إضافة إلى اعتراف “إسرائيل” بحق الفلسطينيين المبدئي بالعودة، والتعويض عن الخسائر التي نتجت عن حربي 1948 و 1967، لكن بشرط اعتراف الجانب الفلسطيني أن العودة كما نص عليها القرار 194 صارت أمرا غير عملي. وأشارت الوثيقة إلى تشكيل لجنة دولية للإشراف على تأهيل اللاجئين وإدماجهم حيث يتواجدون.
وثيقة سري نسيبة – إيالون
عام 2002 استضافت وزارة الخارجية اليونانية مباحثات بين الجانب الفلسطيني ممثلا بسري نسيبة، مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، والجانب “الإسرائيلي” ممثلاً بعامي إيالون الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي في “إسرائيل”. وحضرها إلى جانب هؤلاء مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي آنذاك خافيير سولانا. وأسفر اللقاء عن وثيقة حملت أسماء الحاضرين عرفت باسم “وثيقة نسيبة أيالون”. وأهم ما ورد فيها، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على أجزاء من الضفة وغزة، وإسقاط حق عودة اللاجئين وحقوقهم المترتبة على تهجيرهم، والبحث عن أماكن لإيواء اللاجئين بتوطينهم في أماكن إقاماتهم أو في بلد ثالث أو بعودة محدودة لمن يتاح لهم للدولة الفلسطينية.
مشروع يوسي بيلين ووثيقة جنيف
عام 2003 أعلن يوسي بيلين وياسر عبد ربه تصورا للحل النهائي لإشكالية اللاجئين من خلال “وثيقة جنيف”، التي افترض لها أن تكون مرجعا مهما للمفاوضين السياسيين حول الحل النهائي. ومن ضمن ما تناولته الوثيقة، أن تحل هيئة دولية جديدة محل وكالة غوث اللاجئين. وإعادة تأهيل واستيعاب اللاجئين في دول وأماكن إقامتهم، وتطوير أوضاعهم المعيشية وتذويبهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون فيها.
مشروع جيورا أيلاند
دعا جيورا أيلاند، مستشار الأمن القومي الصهيوني الذي طرحه عام 2004، إلى تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين اللاجئين، مقابل أن يتنازل الكيان الصهيوني عن 200 كم2 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية.
وثيقة إكس آن بروفانس
في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، نشرت صحيفة هآرتس العبرية وثيقة “إسرائيلية” فلسطينية حملت تسمية إكس آن بروفانس، وتطرقت إلى عدد من القضايا المصيرية كالوضع النهائي لمدينة القدس ومشكلة اللاجئين. واقترحت الوثيقة حلا لمشكلة عودة اللاجئين، يتمثل بإسقاط هذا الحق مقابل التعويض. وبحسب الوثيقة فإن تكلفة حل مسألة العودة تراوحت بين 55 و85 مليار دولار. وذكرت أن مجموعة فلسطينية منها صائب بامية، المستشار الاقتصادي للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية شاركت في صياغة الوثيقة، ووقع عليها كذلك القائم بأعمال رئيس الوزراء “الإسرائيلي” حاييم رامون. ومن بين ما اقترحته الوثيقة، توطين نسبة من اللاجئين في الأماكن التي يتواجدون بها، مع تلقيهم تعويضات مالية. وحسب هآرتس فإن حاييم رامون اعتبر الوثيقة ورقة عمل، ورأى أنه إذا ما تم التوصل فيها إلى الحديث عن الحل الدائم، فستساعد أثناء المفاوضات.
خطة البروفيسور يهوشع بن آريه
طرح البروفيسور “الإسرائيلي” يهوشع بن آريه الرئيس السابق للجامعة العبرية خطته لتوطين الفلسطينيين عام 2013، ونصت على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة، ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيه، وهو ما يعني أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء كان حاضراً في العقل “الإسرائيلي” وسيبقى.
مقترح توطين الفلسطينيين في سيناء المصرية “صفقة القرن”!!
جرى الحديث كثيراً عن مؤتمر قمة سرِّي، مصري “إسرائيلي” أردني، انعقد في مدينة العقبة الأردنية، وبمشاركة جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس باراك أوباما، في شهر شباط/ فبراير 2016. ورافق ذلك تسريبات وشائعات حول عرض قدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتوطين الفلسطينيين في أجزاء يتم اقتطاعها من سيناء بين رفح والعريش “نحو 1,600 كم2”. وبالرغم من نفي رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو لوجود هذا الاقتراح المصري، إلا أنه أقر بانعقاد مؤتمر العقبة، الذي شارك فيه إلى جانب كل من العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين وجون كيري. أما الطرف المصري الذي تجنب الحديث عن المؤتمر، فقد نفى أيضاً وجود هذا الاقتراح.
وفي 14 شباط/فبراير 2017 تناقلت وسائل إعلام “إسرائيلية” مختلفة ما مفاده أن الوزير “الإسرائيلي”، بلا حقيبة، وعضو حزب الليكود الحاكم “أيوب القرا” نشر تغريدة على “تويتر” قال فيها أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترمب اتفقا على تبني ما وصفها بخطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية، وأنه بذلك يتم تعبيد طريق “السلام الشامل” مع ما وصفه بـ”الائتلاف السنّي”. وجاءت هذه التغريدة قبيل لقاء جمع نتنياهو بترمب في واشنطن.
كثر الحديث في الكيان الصهيوني في عام 2016، ولو بصوت خافت إعلامياً وسياسياً، حول مطالبات بإحياء مشروع إعادة توطين الفلسطينيين في سيناء. وتزايدت المطالبات في العام الذي تلاه، بعد قبول حركة “حماس” بحل ما كان يسمى “اللجنة الإدارية” في قطاع غزة والشروع في تنفيذ المصالحة الفلسطينية بينها وبين حركة “فتح”. ورافق تلك المطالبات حديث متواتر حول ما سمي “صفقة القرن”، والتي تردد أنها تضمن طرح المشروع الصهيوني القديم بإعادة توطين جزء من الشعب الفلسطيني في سيناء بعد موافقة مصر بالتأكيد.
ما هي “صفقة القرن”؟
استناداً لما تناقلته وسائل إعلام عالمية وعربية، من بينها مواقع بعض الفضائيات على شبكة الإنترنت مثل “الميادين” اللبنانية و”الجزيرة” القطرية، فإن “صفقة القرن” التي جرى تداولها على نطاق واسع، تنطلق في مرحلتها الأولى من رعاية أمريكية تعيد الثقة إلى مسيرة التسوية وتحقق وجود الضامن المفقود، مع التزام كامل بمبدأ حل الدولتين وإقرار لـ”إسرائيل” بحدود جدارها كخطوة أولى، وإعادة قراءة الحدود ومشروع تبادل الأراضي وفق خريطة باراك (1.9 %) أو أولمرت (6.5 %)، أو خريطة جديدة قد تصل إلى (12 %).
وبالمقابل تلتزم “إسرائيل” بوقف الاستيطان خارج “الكتل الاستيطانية”، ويتعهد المجتمع الدولي والبلدان العربية برعاية الاقتصاد الفلسطيني مع إعادة النظر في “اتفاق باريس” الاقتصادي، مقابل تعهد السلطة الفلسطينية بمواصلة منع العنف والتحريض، والمضي في التنسيق الأمني بإشراف الولايات المتحدة، والسماح للجيش “الإسرائيلي” بالعمل في الضفة الغربية. إلى جانب ذلك تمضي السلطة في سعيها لتوحيد الصف الفلسطيني، وتستمر عملية إعمار قطاع غزة بما في ذلك إقامة ميناء “ربما يكون عائما” في ظل توفر الضمانات أمنية، ويتم العمل على نزع سلاح القطاع وتدمير الأنفاق، بما يعني “كسر شوكته”. وفي حال تحقيق السلطة هذه الشروط يمكن السماح لها بالإعلان عن دولة في حدود مؤقتة، مع بسط السيطرة على مناطق جديدة في الضفة. وتدرس “إسرائيل” السماح بمشروعات حيوية في الضفة مثل مطار، ليمهد ذلك لمفاوضات مباشرة سقفها الزمني عشر سنوات وصولاً إلى السلام النهائي. وخلال هذه الفترة الزمنية “المرحلة الأولى” تعلن دول الإقليم أنها جزء من هذا المشروع، وتبدأ تدشين تعاون شرق أوسطي في شتى المجالات الحيوية، وعلى رأسها الأمن ضمن إطار موحد.
تعتبر الولايات المتحدة ما تقدم خطوات تمهيدية ضرورية للبدء بتنفيذ “صفقة القرن” وإحياء “عملية السلام” على قاعدة أن رئيس السلطة محمود عباس يمثل “أفضل الخيارات” الفلسطينية. ومن هنا جاءت الدعوة الأمريكية للقاء عاجل بين نتنياهو وعباس، تفتح الأبواب بموجب نتائجه أمام الثاني. ومن ثم يصار إلى فتح حوار أمريكي – مصري لصياغة رؤية مشتركة حول قطاع غزة، قد يقود إلى جهود مصرية مجدداً “لإنهاء الانقسام” الفلسطيني، على قاعدة التمهيد لمشروع “غزة الموسعة خالية من حماس” و”تبادل الأراضي”، كخطوة ثانية للصفقة.
مشروع الأراضي المتبادلة
وفق ما تم تسريبه عن “صفقة القرن”، فإن مرحلتها الثانية ستذهب في اتجاه مشروعي “جيورا آيلاند” لعام 2004 و”يهوشع بن آريه” لعام 2013، بغض النظر عن مساحات أراضي التبادل، حيث يتنازل الفلسطينيون عن مساحة متفق عليها من الضفة (الكتل الاستيطانية) وجزء من الغور، ومقابلها نظيرتها من أراضي سيناء بموازاة حدود غزة وسيناء، وستحصل مصر من “إسرائيل” على مساحة مكافئة من وادي فيران جنوب صحراء النقب.
وقد تدخل المملكة العربية السعودية على خط تقديم أرض لتمثل شريكاً في “الصفقة”، خاصة أن البعض يرى أن جزيرتي تيران وصنافير كانتا عربوناً للسعودية في سياق مشروع تبادل الأراضي الضخم.
تبقى عين “إسرائيل” على الضفة الغربية، التي تطلق عليها تسمية “يهودا والسامرة”، حيث تحتفظ بـ”المدن الاستيطانية” التي وصفها رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق يهودا باراك بـ”المساحة الحيوية” – وكثير منها “أراض دينية” وفق الفقه اليهودي – وتتجاوز ما حققته في الجدار العازل، وهذا يسمح بتقليص عدد المستوطنين الواجب إجلاؤهم إلى بضعة آلاف.
أما مصر فتبقى عينها على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، التي تتفق معها في عدم ترك قطاع غزة لحركة “حماس”. ومن هنا فإنها تنسجم مع إجراءات محمود عباس ومرادها تأليب شعبي ضد “حماس”، ولكنها ترى أنها تحمل مخاطر فصل القطاع عن الضفة، مع إقرار كافة الأطراف، بمن فيهم “إسرائيل”، بأن “حماس راسخة وتملك كل مقومات الدولة”.
“إسرائيل” تعتمد هذه الصفقة وتسعى لتسويقها لدى الفلسطينيين باعتبارها حلاً لأزمة غزة التي تكتظ بالسكان، ولا فرصة لإقامة ميناء حقيقي فيها، ولكن بالتوسع على الساحل يمكن ذلك مع فرصة وجود حقول غاز، ومطار دولي، وبناء مدينة جديدة لمليون شخص.
كما يمكن بذلك حل مشكلة اللاجئين في لبنان وبعض اللاجئين في سورية والأردن، هذا عدا عن النمو الاقتصادي غير المسبوق باعتبار غزة الموسعة مركزاً تجارياً دولياً.
ولكن لا تتم الإشارة إلى التنازل الكبير في الضفة التي تمثل عمق المشروع الوطني الفلسطيني، بينما تظل القدس خارج النص. وحتى يسيل اللعاب الفلسطيني تبدأ خطوات تمهيدية بإطلاق سراح عدد من الأسرى، وتجميد الاستيطان، وإطلاق التفاوض المباشر وصولاً إلى عقد مؤتمر سلام الصيف القادم.
وتروج “إسرائيل” رواية “صفقة القرن” لدى مصر باعتبار أن التنازل عن الأراضي في سيناء سيكون للفلسطينيين وليس لـ”إسرائيل”، وأنه أرض مقابل أرض تسمح لمصر بتواصل جغرافي مع الأردن عبر نفق طوله 10 كلم، يربط البلدين بالخليج ويخضع للسيادة المصرية.
كما أن حركة اقتصادية ضخمة من النفق ستنشأ عبر شبكة حديد وطريق سريع وأنبوب نفط يمتد نحو ميناء غزة الكبرى، مما يحقق عائدا ماليا جمركيا ضخما لمصر، مع إغراء “إسرائيلي” لمصر بتشجيع المنظومة الدولية على ضخ استثمارات هائلة فيها ومنها تنقية المياه، وستوافق “إسرائيل” على إجراء تغييرات محددة في الملحق العسكري من اتفاقية “كامب ديفد”.
ومن هنا تكون الرواية المقدمة للشعب المصري هي تنازل عن (1%) من أرض سيناء مع بسط سيادة على (99 %) منها، وسماح لمصر بالحصول على القدرات النووية لأغراض سلمية ولإنتاج الكهرباء، وبذا – وفق الرواية “الإسرائيلية” – تستعيد مصر مكانتها الدولية، ويكون الطريق ممهداً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنيل جائزة نوبل للسلام.
تنفي مصر أي مقترحات توطين وتقول إنها لا تتجاوب معها ولن تخضع للضغوط، ولكن التركيز “الإسرائيلي” المتزايد على حاجة مصر للدعم المالي والإسناد السياسي، وكذا علاقتها الحميمة مع “إسرائيل” في هذه المرحلة، يستدعيان رهان “إسرائيل” على جاهزية مصرية للتعاطي مع “صفقة القرن” وأن تكون عرابها.
الأردن جزء من المشروع باعتباره حلا إقليميا دون أن يتكلف ثمناً مع عوائد ملموسة عبر النفق ومنظومة التواصل مع ميناء غزة الموسعة، وصولاً إلى أوروبا ليربط بين العراق والخليج والبحر المتوسط مع ميزات اقتصادية واستراتيجية وازنة، وهناك عين أردنية أخرى على تخفيف العبء الديمغرافي الفلسطيني وخاصة الغزي لصالح دولة غزة الموسعة.
وعود وعراقيل
لا يخفى على أحد مستوى الدعم الأمريكي للأطماع “الإسرائيلية”، في ظل إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، والذي تمثل بقرار “الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل” الذي اتخذه في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 والوعد القاطع بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والذي يقابله على الصعيد الفلسطيني تحميل السلطة “مسؤولية نشر الكراهية”. ولذلك كانت رسالة ترمب الواضحة لمحمود عباس، عند استقباله له في البيت الأبيض قبل أسابيع قليلة من اتخاذ قرارة المشؤوم، بضرورة “وقف التحريض على الكراهية، ووقف مخصصات الشهداء والأسرى”.
ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة، ظلت منذ اغتصاب فلسطين في عام 1948 وحتى الآن،
تدعو إلى حل القضية الفلسطينية عن طريق توطين الفلسطينيين. وها هو ترمب ينبري اليوم متحمساً لـ”صفقة القرن”. هذا فضلاً عن مجاراة هذه الصفقة للاتجاهات الجديدة في العالم، والقائمة على حلول متعددة الأطراف على أساس ربحي واقتصادي.
العالم سيدفع مليار دولار سنوياً للفلسطينيين، وهو مبلغ يذهب للاستثمار في غزة الكبرى، لتحقق أرباحا تغني عن استمرار الإنفاق، مع فائدة حقيقية لأوروبا تتمثل في خفض الأسعار، والاقتراب جداً من السوق الشرق أوسطي والخليجي الأكبر استهلاكاً.
الطريق إلى عقد “صفقة القرن” ليس سهلاً، والموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض للتوطين سالفاً يرفضه أيضاً اليوم ضمن صفقة تبادل الأراضي، ويبدو أن سيناريوهات التنفيذ لا تقل خطورة عن المشروع ذاته، لصعوبة استجابة الشعب الفلسطيني الذي قاوم التوطين سابقاً ومن المؤكد أنه سيقف ضده اليوم وغدا وفي المستقبلً. وربما يذهب هذا بأصحاب المشروع نحو التهجير القسري عبر عدوان مدمِّر على غزة، وبالتأكيد مثل هذا السيناريو يحتاج لبيئة تتمثل في إدارة دولية وغطاء أمريكي غير مسبوق، يمنحان ضوءاً أخضر للقيادة اليمينية الصهيونية في تل أبيب، مع صمت عربي لطالما عهدناه. والبعض يرى أن الضغط المتزايد الذي يستهدف غزة اقتصادياً، عبر قرارات من قبيل خصم الرواتب، والتقاعد المبكر، وقطع مخصصات الشهداء والأسرى، ووقف التزويد بالكهرباء، يأتي في ذات السياق الممهد لـ”صفقة القرن”!!
وهذا السيناريو كذلك يشكل تهديدا لـ”إسرائيل” عبر مغامرة غير محسومة النتائج، لأنه قد يشطب مسار التسوية الفلسطينية – “الإسرائيلية” إلى الأبد، وتنال المقاومة الفلسطينية على ضوء فشله مشروعيتها الحاسمة. وربما لا تسمح البيئة المصاحبة للجرائم “الإسرائيلية” على المستوى العالمي بالاستمرار، ولا تمنح غطاء لمن يرغب في التعاون مع الاحتلال في إنفاذ العدوان. هذا فضلاً عن مزيد من كشف وجه الاحتلال المجرم مما سيضاعف من عزلته ويتسبب بفشل الخيار الثاني، الذي يتمثل في قبول الأنظمة العربية بصفقة التصفية لانشغالها بأزماتها، فضلاً عن بحثها عن استقرار بلدانها ولو على حساب فلسطين، حيث يُزيّن لها أن بوابة هذا الاستقرار هي تقوية العلاقة مع الكيان والإذعان لترمب. لكن الشعب الفلسطيني يمتلك من الوعي ما يمكنه من إفشال هذا السيناريو، والأنظمة تخشى ردة فعل الشعوب رغم سوء الحال الذي وصلت إليه، خاصة أن الجميع يتذكر أن كافة مشاريع التوطين كان فيها حرقٌ لشعبية الأنظمة.
أفق تطبيق “صفقة القرن” التي تقودها “إسرائيل” بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ليس ممهداً البته، ولا مؤشرات لاحتمال موافقة السلطة الفلسطينية عليه، لا بل إنها ستكون حتماً ضده، خاصة إذا ما ذهب في اتجاه سيناريو كيان منفصل في غزة، مع عدم وجود مؤشر لإمكانية تطبيق سيناريو سلمي لـ”صفقة القرن”. وهذا ما يؤشر إلى أن الأيام القادمة ستكون صعبة، وحبلى بالمفاجآت غير السارة وبالمواقف الحادة والساخنة، التي لا يعلم نتائجها ولا إلى أين ستؤول إلا الله تعالى. لذا سيتواصل الحديث عن التوطين وستبقى أبوابه مشرعة على مصراعيها، حتى يصار إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية في إطار الشرعية الدولية، وبما يرضي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
عرض ترمب الذي قدمته السعودية وأثار غضبة محمود عباس
كشف تقرير “إسرائيلي” النقاب عن لقاء سري جمع بين مسؤول فلسطيني مقرب من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومسؤولين سعوديين، تضمن عرضا من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن القدس المحتلة والدولة الفلسطينية المستقبلية.
وتضمن العرض الذي قدمته الإدارة الأمريكية، عبر الرياض، أن “تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية دولة منقوصة السيادة، وتبقى السيطرة الأمنية في معظمها بيد إسرائيل”.
ووفق التقرير، الذي تم بثه على القناتين 12 و13 العبريتين، في 16 كانون الثاني/يناير 2018، فإن واشنطن “تبنت بشكل كامل، شروط تل أبيب بشأن التواجد الإسرائيلي الدائم على نهر الأردن”.
وتطرقت الخطة الأمريكية أيضاً، إلى موضوع تبادل الأراضي، ولكن ليس على أساس حدود ما قبل 5 حزيران/يونيو 1967، والتي عمليا “سيتم محوها من المفاوضات”، بحسب التقرير.
وتم إعلام المسؤول الفلسطيني المقرب من محمود عباس، خلال تواجده في السعودية، بأن “الوضع النهائي للقدس يتم تحديده بالاتفاق بين الأطراف فقط، وأن إسرائيل تتمتع بحق النقض، ويمكنها الاعتراض، كما أنه لن يتم إخلاء أية مستوطنات”.
وقاد العرض الأمريكي الذي تم طرحه بوساطة سعودية، إلى الخطاب الغاضب الذي ألقاه محمود عباس، في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، الذي انعقد في رام الله في 14 كانون الثاني/يناير 2017، وهاجم فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشدة.
وردّ البيت الأبيض على ما جاء في فحوى التقرير، بأنه “من المؤسف أن القيادة الفلسطينية تحاول إظهار الخطة التي لم تكتمل بعد بشكل خاطئ، وهي التي لم تطّلع عليها أصلا، نحن سنقوم بعرض مبادئ خطتنا بشكل مباشر على الإسرائيليين والفلسطينيين، في الوقت المناسب، وفي الظروف الصحيحة”.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية قد أكد، خلال اجتماع المجلس المركزي، على رفض الوساطة الأمريكية في عملية السلام بين الفلسطينيين والاحتلال “الإسرائيلي”، معتبرا أن “الدور الأمريكي في عملية السلام انتهى”.
وأضاف: “قلنا له – ترمب – إن صفقة العصر هي صفعة العصر”، مشيرا إلى أن “كلمة الرباط مرتبطة بالفلسطينيين، ونحن المرابطون”.
وفي إشارة إلى تهديدات الرئيس الأمريكي بشأن قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية واللاجئين، حال رفض المفاوضات، قال رئيس السلطة الفلسطينية،: “يخرب بيتك، منذ متى رفضنا المفاوضات؟ فقد ذهبت لأمريكا أربع مرات وأنا جاهز للصفقة، التي بان أنها صفعة.. هذا عيب”. وتابع: “لن نقبل إملاءات من أحد ولن نأخذ تعليمات من أحد”، مطالبا الجميع بتحمل مسؤولياتهم.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد اعترف في 6 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بالقدس المحتلة “عاصمة لإسرائيل”، وأعلن البدء بنقل سفارة بلاده إليها، ما أثار غضبا فلسطينياً وعربيا وإسلاميا ودوليا عارماً.
“الصفقة التصفوية الأمريكية التاريخية” كما عرضها د. صائب عريقات!!
ملامح خطة التسوية الأمريكية التي عرضها الدكتور صائب عريقات في اجتماع “المجلس المركزي” الفلسطيني
تداولت أوساط من داخل السلطة الفلسطينية في رام الله على نطاق ضيق جداً، نص تقرير مفصل عرضه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات في اجتماع المجلس المركزي في دورته الثامنة والعشرين بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2018، كشف فيه عن ملامح “خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي”، التي تشمل ضم 10% من الضفة الغربية إلى “إسرائيل”.
قال عريقات في عرضه للخطة – الصفقة:
فرض الرئيس دونالد ترمب المرحلة الأمريكية الجديدة من خلال الإعلان عن “القدس عاصمة لإسرائيل”، وسوف تشمل مرحلة فرض الحل على الفلسطينيين والعرب وبشكل تدريجي فرض إملاءات الحكومة “الإسرائيلية” حول كافة قضايا الوضع النهائي، ويبررون ذلك بالادعاء أن كل جهود الإدارات الأمريكية السابقة “قد تم رفضها فلسطينياً، ولن تقوم أي قيادة فلسطينية مستقبلية بقبول ما توافق عليه إسرائيل”. لذلك فإن إدارة الرئيس ترمب تقول أنها “لن تكرر أخطاء ما قامت به الإدارات الأمريكية السابقة”، وأنها سوف تفرض “صفقة تاريخية” بدأتها بالإعلان أن “القدس عاصمة لإسرائيل”، وأنها سوف تحمل الجانب الذي يرفض المسؤولية وتفرض عليه دفع الثمن، فهي إدارة رفضت حتى الإعلان عن تأييد خيار الدولتين على حدود 1967، ولم تقم بإدانة الاستيطان. بل كانت ممارسات السفير الأمريكي في “إسرائيل” ديفيد فريدمان ولقاءاته وزياراته لقادة المستوطنين والمستوطنات تشرع الاستيطان. وحتى وصلت الأمور إلى طلب فريدمان رسمياً بإسقاط مصطلح “محتلة” عند الحديث عن الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967، من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.
لقد تابعنا تهديد الرئيس ترمب وسفيرة بلاده في الأمم المتحدة لكل دولة تصوت ضد الولايات المتحدة بالعقوبات ووقف المساعدات كجزء من استراتيجية إجبار دول العالم على قبول سياسة فرض الحلول والإملاءات وقبل ذلك مارست إدارة الرئيس ترمب ضغوطاً كبيرة على القيادة الفلسطينية لتخويفها وإجبارها على قبول الحلول المفروضة وذلك عبر عدة خطوات قاموا باتخاذها شملت:
أولاً – تأكيد اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية عملاً بقانون الكونجرس 1987. ورفضوا كل الطلبات الفلسطينية بالعمل على إلغاء هذا القانون والتي كان آخرها رسالة رسمية خطية بعثها الدكتور صائب عريقات إلى جيراد كوشنير في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
ثانياً – إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعدم تمديد إبقائه مفتوحاً برسالة خطية من وزارة الخارجية الأمريكية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
ثالثاً – قرار بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، مشروع تايلور – فورس في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
رابعاً – الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”، ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، والإعلان عن عدم التمسك بمواقف الإدارات السابقة حول حل الدولتين على حدود 1967، وإدانة الاستيطان، وإلغاء الاتفاقات الموقعة، والتعهدات بما في ذلك رسالة شمعون بيرس إلى وزير الخارجية النرويجي حول القدس عام 1993.
هذه حقيقة العلاقات الأمريكية الفلسطينية، وتصويب هذه العلاقة لا يمكن أن يتم إلا من خلال إلغاء قرار اعتبار “القدس عاصمة لإسرائيل” وإلغاء قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية “منظمة إرهابية”.
لن تقوم إدارة الرئيس ترمب بأي من الأمرين، لذلك لا بد من التمسك بوقف كل الاتصالات مع إدارته حول عملية السلام، مع رفض اعتبارها وسيطاً أو راعياً لعملية السلام بأي شكل من الأشكال.
هناك من قد يتساءل: لماذا لا نعطي الرئيس ترمب فرصة، ونصبر عليه حتى يطرح معالم “الصفقة التاريخية”؟
إن هذا الموقف يعني بالضرورة قبول قرار الرئيس ترمب باعتبار “القدس عاصمة لإسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها، إضافة إلى قبول سياسة المرحلة الأمريكية الجديدة والتي سنطلق عليها فرض الحلول والإملاءات وبما يشمل:
1- الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل” ونقل سفارتها إليها. وبالتالي تكون قد انتهت من مسألة القدس، فكيف يمكن لأي حكومة “إسرائيلية” أن تتفاوض حول القدس بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بها كعاصمة لدولة “إسرائيل” – دولة للشعب اليهودي -. وبهذا تكون الإدارة الأمريكية قد أعلنت موافقتها على ضم القدس الشرقية إلى “إسرائيل” رسمياً. ولا بد أن نذكر أن القانون الذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1995 ينص على “القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل”، لقد قام الكنيست “الإسرائيلي” بتعديل المادة الثانية من القانون الأساسي حول القدس يوم 2 كانون الثاني/يناير 2018.
2- سوف تقوم أدارة الرئيس ترمب باختراع عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كم2) عام 1967.
3- الإعلان خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد حد، على موافقة إدارة الرئيس ترمب على ضم الكتل الاستيطانية . نتنياهو يطرح ضم 15% ، فيما يقترح ترمب 10%، وهذا ما قرره حزب الليكود بالإجماع في 31 كانون الأول/ديسمبر 2017.
4- وستقوم إدارة الرئيس ترمب بعد ذلك بالإعلان عن مفهوم أمني مُشترك لدولة “إسرائيل” ودولة فلسطين كشركاء في السلام يشمل :
أ- دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة بوليس قوية.
ب- تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي وبما يشمل مشاركة الأردن ومصر وأمريكا والباب سيكون مفتوحاً أمام دول أخرى.
ت- وجود قوات “إسرائيلية” على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، وذلك لحماية الدولتين.
ث- تبقى “إسرائيل” على صلاحيات الأمن القصوى، overriding security) responsibility)، بيدها لحالات الطوارئ.
5- تنسحب القوات “الإسرائيلية” وتعيد تموضعها تدريجياً، خارج المناطق ( أ + ب ) ، مع إضافة أراضي جديدة من المنطقة (ج) ، وذلك حسب الأداء الفلسطيني ( الزمن – لم يحدد)، وتعلن دولة فلسطين بهذه الحدود.
6- تعترف دول العالم بدولة “إسرائيل” كوطن قومي للشعب اليهودي.
7- تعترف دول العالم بدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني.
8- تقوم “إسرائيل” بضمان حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها (Status quo).
9- يتم تخصيص أجزاء من مينائي اسدود وحيفا ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني ، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد دولة “إسرائيل”.
10- سوف يكون هناك ممر أمن بين الضفة وقطاع غزة تحت سيادة “إسرائيل”.
11- المعابر الدولية ستكون بمشاركة فلسطينية فاعلة وصلاحيات الأمن القصوى بيد “إسرائيل”.
12- المياه الإقليمية ، والأجواء ، والموجات الكهرو – مغناطيسية تحت سيطرة “إسرائيل”، دون الإجحاف بحاجات دولة فلسطين.
13- حل عادل لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين .
14- هذه هي معالم الصفقة التاريخية التي سوف تسعى إدارة الرئيس ترمب لفرضها على الجانب الفلسطيني، مع الإبقاء على عبارة الحدود النهائية وقضايا الوضع الدائم يتم الاتفاق عليها بين الجانبين ضمن جدول زمني محدد ومتفق عليه.
15- لذلك كان علينا عدم انتظار قيام أمريكا بطرح معالم ومضمون هذه الصفقة التصفوية الإملائية ، التي تُبقي الوضع القائم على ما هو علية .Maintain the status quo))، والذي يعني دولة واحدة بنظامين ( One state two systems)، أي تشريع الأبرثايد والاستيطان بمعايير أمريكية، من خلال ( حكم ذاتي ابدي) (Eternal self rule).
وفي تاريخ 3 يناير/كانون الثاني 2018، أعلن الرئيس ترمب أنه قام بإسقاط ملف القدس من طاولة المفاوضات، وإذا ما استمر رفض الجانب الفلسطيني العودة للمفاوضات بالشروط والإملاءات الأمريكية فإنه سوف يقوم بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، وخاصة ما تقدمه أمريكا من مساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (UNRWA)، وهذا يعتبر مقدمة لإسقاط ملف اللاجئين من طاولة المفاوضات وإنهاء تفويض وعمل الـ (UNRWA).
مسؤول كبير بالبيت الأبيض نفى تقرير د. صائب عريقات، عن ملامح خطة السلام الأمريكية. ووفقا للقناة العاشرة العبرية ان المسؤول ألأمريكي قال” من المؤسف أن هناك أشخاص يحاولون تضليل وتحريض الناس ضد خطة سلام يدعون انها من صياغتنا، مؤكدا انها لم تكتمل.
وأضافت القناة نقلا عن المسؤول أن “تصريحات عريقات ليست صحيحة، وينبغي على القيادة الفلسطينية ان لا تستند في ردودها على الوثيقة المفبركة”، مضيفاً “هذا ليس عرفا دبلوماسياً من الأحاديث العامة والدبلوماسية الهادئة، ونحن نواصل العمل بجد على مشروع السلام ، الذي هو المعنى الحقيقي لخطة السلام التي سوف تكون جيدة ومفيدة لكلا الجانبين”.
خطة رئيس السلطة القلسطينية محمود عباس للسلام مع “الإسرائيليين”!!
الخطة التي عرضها عباس أمام مجلس الأمن الدولي في 20 شباط/فبراير 2018
في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي الذي انعقد في 20 شباط/فبراير 2018، في جلسة استثنائية خصصت لبحث القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط، طالب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإنشاء آلية دولية متعددة الاطراف، تساعد في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم “حسب اتفاق أوسلو، وعبر مؤتمر دولي للسلام ينعقد في منتصف العام”. ودعا الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين الى القيام بذلك، مؤكداً أن الفلسطينيين سيكثفون الجهود للحصول على “عضوية كاملة” في الامم المتحدة. ومن المعروف أن 138 دولة من أصل 193 دولة تتشكل منها الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين.
جاء ذلك في سياق مبادرة سياسية جديدة، طرحها محمود عباس كـ”خطة سلام” لحل الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي”. وفي ما يلي نصها:
(إنني هنا أمام مجلسكم الموقر، وفي ظل الانسداد الحالي في عملية السلام، بسبب قرار الإدارة الأمريكية حول القدس، ومواصلة “إسرائيل” لنشاطاتها الاستيطانية، وعدم تطبيقها للاتفاقيات الموقعة، وعدم التزامها بقرارات مجلسكم، ورغبة من الجانب الفلسطيني في استمرار العمل بإيجابية وشجاعة في بناء ثقافة السلام ونبذ العنف، والحفاظ على مبدأ الدولتين، ومن أجل تحقيق الأمن والاستقرار للجميع، وبعث الأمل في نفوس أبناء شعبنا وشعوب المنطقة، وللخروج من المأزق الراهن، وانطلاقاً من إيماننا بالسلام الشامل والدائم والعادل، الذي نعتبره خيارنا الاستراتيجي، وحرصاً منا على الأجيال القادمة في منطقتنا، وبما فيها أبناء الشعب الفلسطيني والشعب “الإسرائيلي”، فإنني أعرض على مجلسكم الموقر خطة للسلام، تعالج الإشكالات الجوهرية التي تسببت في فشل مساعي السلام على مدار عقود، وتنص خطتنا على ما يلي:
أولاً: ندعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف العام 2018، يستند لقرارات الشرعية الدولية، ويتم بمشاركة دولية واسعة تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة وعلى رأسها أعضاء مجلس الأمن الدائمين والرباعية الدولية، على غرار مؤتمر باريس للسلام أو مشروع المؤتمر في موسكو كما دعا له قرار مجلس الأمن 1850، على أن يكون من مخرجات المؤتمر ما يلي:
أ- قبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، والتوجه لمجلس الأمن لتحقيق ذلك، آخذين بعين الاعتبار قرار الجمعية العامة 19/67 لسنة 2012، وتأمين الحماية الدولية لشعبنا.
ب- تبادل الاعتراف بين دولة فلسطين و”دولة إسرائيل” على حدود العام 1967.
ت- تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب اتفاق أوسلو (القدس، الحدود، الأمن، المستوطنات، اللاجئين، المياه، الأسرى)، وذلك لإجراء مفاوضات ملتزمةً بالشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترةٍ زمنيةٍ محددة، مع توفير الضمانات للتنفيذ.
ثانياً: خلال فترة المفاوضات، تتوقف جميع الأطراف عن اتخاذ الأعمال الأحادية الجانب، وبخاصة منها تلك التي تؤثر على نتائج الحل النهائي، حسب المادة (31) من اتفاق أوسلو للعام 1993، وعلى رأسها وقف النشاطات الاستيطانية في الأرض المحتلة من العام 1967 وبما فيها القدس الشرقية، وتجميد القرار الذي يعترف بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، ووقف نقل السفارة الأمريكية للقدس، التزماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبخاصة 476، 478، وكذلك عدم انضمام دولة فلسطين للمنظمات التي التزمنا بها سابقاً، “وهي 22 منظمة دولية من أصل 500 منظمة ومعاهدة”.
ثالثاً: يتم تطبيق مبادرة السلام العربية كما اعتمدت، وعقد اتفاق إقليمي عند التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.
وفي هذا الإطار، فإننا نؤكد على الأسس المرجعية لأية مفاوضات قادمة، وهي:
- الالتزام بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يشمل قرارات مجلس الأمن 242، 338 وصولاً للقرار 2334، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الموقعة.
- مبدأ حل الدولتين، أي دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب “دولة إسرائيل” على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ورفض الحلول الجزئية، والدولة ذات الحدود المؤقتة.
- قبول تبادل طفيف للأرض بالقيمة والمثل بموافقة الطرفين.
- القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وتكون مدينة مفتوحة أمام أتباع الديانات السماوية الثلاث.
- ضمان أمن الدولتين دون المساس بسيادة واستقلال أي منهما، من خلال وجود طرف ثالث دولي.
- حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، وفقاً لمبادرة السلام العربية واستمرار الالتزام الدولي بدعم وكالة الأونروا لحين حل قضية اللاجئين.
السيد الرئيس، السادة الأعضاء الكرام،
نحن مستعدون للذهاب مشياً على الأقدام إلى أبعد مكانٍ في الدنيا من أجل الحصول على حقوقنا، وغير مستعدين للتحرك إنشاً واحداً إذا أراد أحد منا التنازل عن هذه الحقوق؛ وسوف نعرض ما يتم التوصل له من اتفاقات مع “إسرائيل” لاستفتاء عام أمام شعبنا، إعمالاً للديمقراطية وتحقيقاً للشرعية).
وأكد عباس الاسس المرجعية لأية مفاوضات قادمة، وهي “الالتزام بالقانون الدولي” و”مبدأ حل الدولتين، أي دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران عام 1967″.
قوبلت “خطة عباس” بكثير من النقد والتقييم السلبيين من قبل وسائل إعلام وشخصيات سياسية فلسطينية، لعدم شمولها خطة بديلة في حال عدم قبولها من قبل الإدارة الأمريكية والحكومة “الإسرائيلية”. ولربما أن السيد حسن عصفور، صاحب ورئيس تحرير موقع “أمد الإلكتروني” كان خير معبر عن ذلك. وعصفور كما نعرف هو رجل خبر شؤون الحياة السياسية الفلسطينية من الداخل، بما في ذلك السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس طبعاً، وذلك عبر عمله كوزير سابق، ونشاطه الحزبي والسياسي والإعلامي. وفي ما يلي ما كتبه بخصوص هذه الخطة بعد ساعات قليلة من قيام الرئيس محمود عباس بطرحها في نيويورك:
(في خطوة خارج الاتفاق داخل الإطار الوطني، الرسمي أو شبه الرسمي، وتأكيدا على خطواته “المنفردة” المستمرة منذ تنصيبه رئيساً بفعل فاعل معلوم، قدم الرئيس محمود عباس ما أسماه “خطة لتحقيق السلام” و”تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”، خلال خطابه في مجلس الأمن يوم 20 شباط/فبراير 2018، “خطة ثلاثية الأبعاد اللغوية”، مع “تفاصيل مضافة، عمادها الأساسي “الاستجداء السياسي” لحل ما.
من حيث الجوهر، فإن عناصر “الخطة العباسية للتسوية السياسية”، ليست سوى إعادة انتاج لكل ما سبق وتم “تجريبه تفاوضيا”، مع تعديل البحث عن “زيادة الرعاة”، التي يعتقد عباس ومن يفكرون له، إنها “الشعرة التي ستقسم الظهر الأمريكي”، دون أن يقرأوا جيدا تطورات المشهد إقليميا ودوليا، وأن أمريكا تعلم يقينا أنها لن تستطيع الذهاب بأي “حل إقليمي” دون “رعاة آخرين”، فلذا “العبارة السحرية” التي يعتقدها عباس ومن خدعه بها، هي بالأساس “رغبة أمريكية”، لكنها مارست هوايتها في “جرجرة” هذه المجموعة إلى حبالها، ونصبت لهم “شركا سياسيا”، كشفت عنه بعد لحظات من انتهاء عباس لخطابه، وخروجه “منتشيا” بأن أمريكا تفكر بإضافة “آخرين” كرعاة لتسوية الصراع في المنطقة.
عباس عرض عقد مؤتمر في منتصف العام، أي بعد اشهر معدودة، ورسم له مخرجاته، ووضع تصوراته وكان عليه أن يقول هذا “خطابي لكم” لا أكثر ولا أقل، ما يثير كل أشكال “السخرية” من العرض شكلاً ومضموناً، وهو يعلم يقينا أن أي مؤتمر دولي مهما كانت قواه منحازة إلى الشعب الفلسطيني، سيكون له مخرجاته غير التي عرضها عباس.
العرض العباسي لا يمكن اعتباره لا خطة سياسية ولا عناصر تسوية، بل هي “رغبات خاصة” لا يعتد بها في إطار سوى أنها “موقف فلسطيني”، لا يمكنها أن تلزم غير من عرضها. والاشتراط المسبق أن تكون مخرجات “المؤتمر الدولي كما ورد في خطاب عباس” يشترط عناصر الفرض والإلزام التي تجبر بالقوة السياسية، أن تقبل أمريكا ودولة الكيان دون غيرها، من المشاركين، بتلك العناصر، التي أشار لها عباس.
وبتدقيق أكثر، لم يقدم عباس أي “بديل سياسي” في حال رفضت المجموعة الدولية الاستجابة لرغبته أو خطته، أو مبادرته، ليقل عنها ما يشاء من سمات وصفات وهو وجوقته الإعلامية، تقدم بعناصر طالبت بعقد مؤتمر دولي وبمخرجات متفق عليها مسبقا، دون ان يتقدم معها بآلية واضحة في حال عدم القبول.
ما هي “الخطة العباسية البديلة” لـ”الخطة العباسية الراهنة” لو تم رفضها مسبقا، وقالت أمريكا أن لا مؤتمر دولي “في منتصف العام 2018″، فهل يملك رداً واضحاً أو بديلاً، غير القول أن “القلم الفلسطيني” وحده من يوقع، وهو خير العالمين بأن تلك معه هو تحديداً لم يعد لها “أي قيمة سياسية، بل لم تعد ذات صدى يمكن الانتباه له.!
وافتراضاً، وبعد تصريح الخارجية الأمريكية، الخاص بدراسة ضم رعاة جدد، أن موافقة الخارجية الأمريكية على عقد “مؤتمر دولي” وفي ذات “التوقيت العباسي قد تمت، لكنها رفضت مسبقاً “مخرجات عباس” التي وضعها شرطاً لنجاح المؤتمر، ماذا هو فاعل، وهل سيعلن رفضا أم قبولا مشروطاً، أم قبولاً رغم أنفه.
وأيضاً، لو عقد المؤتمر كما أراد عباس وبذات الشروط، وفي نهاية المؤتمر رفضت أمريكا ودولة الكيان وبعض دول أي اتفاق سياسي يمنح الفلسطينيين حقهم في دولتهم وفق قرار 19/ 67 لعام 2012، ماذا سيكون الفعل المضاد، خاصة مع تسليمه المسبق بأنه “رجل سلام” ويرفض أي شكل من أشكال “المقاومة كان ما كان شكلها”!
المسألة ليس مهارة “صياغة لغوية لعناصر خطة” فتلك من أبسط المسائل في عالم السياسة، لكن يبدو أن الرئيس عباس تناسى التجربة الماضية، بكل ما بها، سلباً وإيجاباً، وانطلق وكأن العالم بات بلا ذاكرة سياسية، وتحدث على طريقة “قل كلمتك وامشي”، فليس مهما بعد ذلك، وكأنه يسجل “وديعة سياسية” يعتقد أن التاريخ سيحملها له “إيجاباً”، دون أن يعلم أن أي عمل خال من عناصر الفعل والتأثير لا قيمة له، بل قد يصبح مساحة للتندر السياسي العام.
وفي السياق نسأل، من يقف مع الرئيس عباس من قوى الشعب الفلسطيني وهو يتحدث بنص غير متفق عليه رسميا، ولا يوجد أي توافق بالمضمون والشكل، وهل يعتقد أن العالم، أي عالم، يمكن أن يعتبر أن الخطاب يمثل بحق القوى الفلسطينية، أو منظمة التحرير التي لم يعد لها أي احترام أو تقدير وباتت سخرية للقاصي والداني، بعد أن كانت تجسد قوة الفلسطيني كفاحياً في كل مكان (بي أل أو ..إسرائيل نو)!! هل لا زال الرئيس يتذكر هذه العبارة، أم أن الزمن فعل فعله في الذاكرة.
خطة بلا بديل في حالة الرفض أو الفشل. خطة بلا سند وطني أو توافق وطني، ليست سوى خطة في الهواء. رئيس يتقدم برؤية دون أن يكون متفقا مع قوى الشعب، سيكون “عاري الظهر”. وعليه لن يكون له أثر أو تأثير. فالأماني لم تعد ممكنة مع نهج سياسي فردي وديكتاتوري وخارج النص الوطني العام.!
الخطاب أو المبادرة، مهما كانت قوتها البلاغية، دون أي سند شعبي والتفاف وطني لن ترى النور ولا النجاح. فمن يذهب وحيداً سيبقى أيضاً وحيداً. تلك حكمة التاريخ!).
المصادر:
– المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – UNHCR
– قرارت الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي “الإسرائيلي”، المجلد الأول، 1947 -1974.
– مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نقلاً عن المحاضر الرسمية للجمعية العامة، الدورة الثانية، الملحق رقم 11، المجلد الأول إلى الرابع.
– موقعا فضائيتي الميادين” اللبنانية و”الجزيرة” القطرية على شبكة الإنترنت.
– المركز الفلسطيني “بديل”.
– مقتطفات من مقالاتي السياسية المنشورة.
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك