بقلم: محمد الرصافي المقداد |
لم تكتفي حكومة (أردوغان) بما جنته سياساتها العدائية ضد سوريا، نظاما وشعبا وأرضا، طيلة سبع سنوات، سخّرت فيها أرضها، ومطاراتها، ومعسكراتها السرّية، وامكاناتها، وأجهزتها الاستخبارية، لفائدة المشروع التدميري، لآخر الدول، على خط المواجهة مع العدو الصهيوني، المتربص بالأمة العربية والاسلامية شرا، فعبّرت على لسان حاكمها الأوحد، عن رغبة في الاستيلاء على مساحات في الشمال السوري شرق الفرات، تحت ذريعة حفظ امن الحدود التركية، وتجريد أكراد (قسد) من السلاح باعتبارهم في نظرها إرهابيين، سيما وأن الادارة الامريكية – على حد تعبيره – لا ترى مانعا في ذلك، وقد تزامن تصريح الرئيس التركي الجديد، بحشد أرتال من الآليات والدبابات الثقيلة، وفرق الجيش التركي، على تخوم تل أبيض. سقوط مدينة عفرين بيد القوات التركية وحلفاءها في 18 مارس الماضي، فتح باب شهية السيطرة التركية على مناطق استراتيجية من الشمال السوري، بصمت وبمباركة أمريكية لا شك في أن ذلك يدخل في إطار تنفيذ مرحلة جديدة من خطة البيت الابيض في الدخول بالأزمة السورية الى المواجهة العسكرية المباشرة بين الدول المتورطة في العدوان على سوريا بالتحريض والحشد والتسليح والتمويل، وفي مقدمتهم تركيا، وبين القوات السورية وحلفاءها، بعد اندحار وانحسار المجموعات الارهابية عن اغلب المناطق السورية، جنوبا ووسطا وشمالا، ولم يبقى سوى شرق الفرات وادلب، وبعض ريف حلب المتاخم. خطة الرئيس التركي التي وصفها المهمة والاستراتيجية والانسانية -على حد تعبيره- تأتي في نفس الاطار، الذي شنته قواته البرية والجوية، في حملتيها السابقتين (درع الفرات) و(غصن الزيتون)، وسارعت الادارة الامريكية على لسان رئيسها (ترامب)، الى الاعلان عن انسحاب قواتها مع القوات الفرنسية من سوريا، بعد ان كانت تتلكّأ من قبل في ذلك، وترى ضرورة البقاء في تلك المناطق، في انتظار حصول بديل، يعوض وجودها هناك، ويمسك بطرف النزاع ليتحكم فيه بما يستجيب وأهدافه. ويبدو حسب محصّل ما يجري، وما هو معدّ له لتحقيق ما عجز عنه وكلاء امريكا والصهاينة، من اسقاط النظام السوري، واخراجه من دوره في محور المقاومة، أن معارك شرسة وحربا طاحنة ستندلع في تلك المناطق، من أجل أن تتمكن من بسط سيطرتها عليها، والانطلاق منها الى المناطق التي كانت وكرا للإرهابيين وكلاءهم، قبل تطهيرها من طرف قوات الجيش العربي وقواته الرديفة والحليفة. وقد اعلنت القوات الروسية أنها التقطت اقمارها الصناعية، وطيران استطلاعها صورا جوية حديثة، تظهر قوافلا من شاحنات النفط، تابعة للمجموعات الارهابية المنتشرة شرق الفرات، وهي تقوم بتهريب حمولاتها من النفط في اتجاه تركيا، وبغطاء وحماية مباشرة من القوات الأمريكية (حسب وكالة سانا). وهذا دليل جديد يثبت تورط القوات الامريكية وتحالفها المزعوم ضد الارهاب، يؤكّد من جديد تورطا سافرا لها ولحلفها في استدامة العدوان والمؤامرة على سوريا، من أجل إخراجها عن دائرة الفعل في محور مقاومة العدو الصهيوني، الذي تسهم فيه بشكل فعال، وقد برر (ترامب) سحب قواته المفاجئ من سوريا، بانتصاره الوهميّ على داعش، معللا أنه لم يعد هناك داع لبقائها هناك، وهذا الكلام من أسخف وأكذب ما صرح به (ترامب)، بخصوص ما يجري في سوريا، محاولا بذلك حفظ ماء وجه سياسته الرعناء، التي لا ترى في الشرق الأوسط كيانا، يستحق دعمه وحمايته غير الكيان الصهيوني. والرئيس الامريكي يدرك جيّدا، أن الجماعات الارهابية التكفيرية، خرّيجة الوهابية السعودية، تبيعته في العمالة والولاء للصهيونية، لم تكن لندحر وتتلقى الهزائم المتكررة، إلاّ على ايدي بواسل الجيش العربي السوري، وقواته الرديفة والحليفة، فحقيقة المعارك التي انهتها تلك القوات لصالح وطنها وأمتها، قد حصلت على ميادين القتال جنوبا ووسطا وشمالا، وفي اعسر الظروف، وآلت الكلمة الى جبهة الحق جبهة المقاومة، مسقطة بذلك مشروعا خطيرا، في تقسيم سوريا، يكون في مصلحة مزيد هيمنة العدو الصهيوني على المنطقة. وبلا شك فان انسحاب الجيش الامريكي من المناطق التي دخلها، دون اذن وتعسّفا منه، سيعطي مجالا أوسع للقوات التركية في هجومها المرتقب على شرق الفرات واحتلالها له بدعوى واهية، واصطناع مبرر ما كان قائما من قبل، لولا قيام الحكومة التركية بفتح مجالاتها الى ارهابيي العالم واستخبارات الدول، للدخول منها الى الاراضي السورية، ويحوّلون أمنها الى عدم استقرار. ولا يمكن ان تكون معالجة أمن الحدود السورية الشمالية على الطريقة التركية، خصوصا وان المعالج طرف رئيسي في صناعة المؤامرة، بل إن الأمر عائد عرفا وقانونا دوليا الى النظام السوري، الذي وحده بإمكانه أنه يقوم بمهام حفظ حدوده كلها، بعد رفع اسباب الفوضى وعوائق الارهاب، التي دخلت من الحدود التركية حصرا، لذلك فالدور التركي في داخل الاراضي السورية بدأ يكبر، بمباركة وسماح أمريكي، وتركيا عضو في حلف الناتو، ولا يمكنها أن تحيد عن خططه التي غلبت عليها شقوة القرارات الامريكية الظالمة. دخول ستكون له تداعيات خطيرة، وليس دخول سوريا كالخروج منها، في مثل هذه الحالات العدوانية، وسيكون درسا للحكومة التركية وجيشها لن ينسوه أبدا، وسنسجّل بإذن الله تعالى هزيمة جديدة لتحالف العدوان على سوريا.