بقلم: محمد الرصافي المقداد |
من تعلّقت همّته بالإسلام، وكان من بين الأنفس التي انضمَت إلى مسيرة إعلاء كلمته، كان بالضّرورة مهتمّا بالثورة الإسلامية التي قامت في إيران، ومتابعا يوما بيوم قمّة أدائها، فيما عرف بعد ذلك، بعشرة الفجر المباركة (من 1/2/1979 إلى 11/2/1979)، معجبا بها ومناصرا لها لسببين:
الأوّل: أن ما حصل في إيران يعتبر أمرا عظيما، من حيث حجمه وآثاره، ليس من السّهل حصوله في أي بلد إسلاميّ، خصوصا إذا كان ذلك البلد، معدودا في الصّف الأوّل من دول العمالة والتبعيّة لأمريكا والغرب، ما يستدعي تدخّلا ما للحيلولة دون حصوله، وبينما فشلت امريكا الى حد اليوم، في إجراءاتها العقابية الظالمة المسلطة على إيران، نجحت إيران في اعلاء الثقافة والمشاري الثورية التحررية، وكان لها فضل في دعم حركات مقاومة العدوّ الصهيوني، ومعاضدة محور مقاومة يحسب له اليوم ألف حساب.
الثاني: ما تعلّق بالحدث في إيران( بلاد فارس) من إخبارات غيبية، جاءت في القرآن، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) (سورة محمد الآية 38 )// ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) (سورة الجمعة الآية 3)، وفسّرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونقلها حفاظ الإسلام نقل المسلّم بصحتها، مبشّرة بقيام قوم، نسبهم متّصل بصاحبه سلمان الفارسي ( المحمّديّ)، ذلك الرجل الذي آمن به وبرسالته، قبل أن ينزل عليه الوحي، وتبدأ دعوته بزمن، وقدّم ما قدّم من أجل عزة الاسلام، طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستحق عن جدارة أن يكون ضمن دائرة الصّفوة الطاهرة ( سلمان منّا أهل البيت).
وهذا يدفعنا إلى القول، بأن ذلك الحدث العظيم الذي حصل بإيران، لم يكن ليتحقق لولا اتصال إرادتين معا، إرادة الله في إعلاء كلمته، وإعزاز دينه، وما يستتبعها من لطف وعناية، وإرادة الشعب الإيراني في المضيّ قدما، على خطى سلفه سلمان، واجتماع الإرادتين في ذلك التاريخ، أفضى إلى انتصار باهر، تحقق في وقت كان غيره من المسلمين بطلائعهم ومفكّريهم، يبحثون عن طريق ينقلهم من حالة التنظير إلى التطبيق، في نقل مجتمعاتهم من التبعية للغرب، إلى الحرّية في اقامة متعلّقات دينهم.
حدث أسعد كل مهتمّ بالشأن الإسلامي ومستقبله، وحفّز نفسه على إيلائه ما يستحق من اهتمام، فواكبه طوال 40 سنة، يتابع مستجدّاته واحداثه، فناصر مشروعه من من ناصر، ووقف من وقف مترددا، قد أحالته الدعايات المغرضة بشأنه محلّ الجاهل به، بل وأحيانا المعادي، الذي استهوته شياطين الإعلام الموالي للغرب، وليس المتفرج كصاحب الشأن، والشعب الإيراني بقيادته العلمائية الحكيمة قبلت التّحدّي، ومضت بنظامها الإسلامي قدما، نحو تحقيق الانجازات المهمّة، التي مكنته من صون مكتسباته الثورية، وتحقيق نجاحات كبرى على جميع الأصعدة سياسيا وعلميا واقتصاديا وأمنيّا.
أربعون عاما مضت على قيام الثورة ونظامها الإسلامي، بكل ما فيها من حزن وفرح، ومواقف شدّت أنظار العالم إليها، له فيها من قوة إرادة وعزيمة نادرة، رسمت صورة متميّزة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبوّأتها مكانة رفيعة بين الدول السائرة في طريق النموّ، بل وحتى بين الدول الكبرى نفسها.
أربعون عاما كانت كافية، لتوصل إيران إلى المستوى الذي جعل منها دولة إسلامية، رائدة في نظام حكمها، المستند على الإسلام المحمدي الأصيل في أدوات حكمه ومشاريعه، كأحسن ما يكون إلى اليوم.
إيران الإسلامية تسابق اليوم الدّول الكبرى، في مجالات العلوم المختلفة المدنية منها والعسكرية، إيمانا من قيادتها أنه لا سبيل لتحقيق التقدّم لشعبها ورخائه وأمنه، بغير التوجّه لله والإخلاص له، فلم تنغلق على نفسها يوما، ولا أهلمت قضايا الأمة الإسلامية في استحقاقاتها، وكل من تابعها في مسيرتها، تأكّد من تقديمها على قضاياها الخاصة، قضية اسلامية عامة، هي التحرّر من الإستكبار والصهيونية، وجعلها أولوية لها، مع مساعيها الحميدة، المبذولة من أجل ربط أواصر الأخوّة والوحدة بين الشعوب الإسلامية.
من أجل تلك الأولويات وتحقيق أهدافها، دفعت إيران ولا تزال تدفع ضريبة تبنّيها لها، مستهدفة من طرف أمريكا – رأس البلاء والعدوان في هذا العالم – متحالفة مع الدّول الغربية التي لا تريد للإسلام أن تقوم له قائمة، لكنها صمدت رغم كل تلك الإجراءات العدوانية ضدّها، واستمرّت في جهودها، لتحقيق مستوى من القوّة والقدرة، على تخطّي تلك العقوبات الظالمة، ومعالجة تداعياتها على اقتصادها ونموّها.
وفيما أخفق محور أعداء إيران في ما أمّلوه من أهداف، تراوحت بين إسقاط النظام الإسلامي، أو اخضاعه الى املاءات وشروطهم، حققت إيران تقدّما جديرا بالتقدير، وأثبتت من جديد أن نظامها الاسلامي، امتلك من الكفاءة والقدرة، ما سمح له بإدارة شؤون البلاد، بما يستجيب لتطلعات الشعب الإيراني، الذي اختار نظامه بكامل إرادته، بنسبة تجاوزت 98%.
لقد حققت إيران نجاحات عديدة خلال 40 سنة، شملت مختلف قطاعات البلاد، وتكللت جهودها في مجال التعليم وتحصيل العلوم، بلغ عدد من جامعاتها مستوى عالميا، ففي تصنيف (شنقهاي) لأفضل الجامعات العالمية، حصلت 13 جامعة إيرانية، على مراكز مرموقة دوليا، ووفقاً لمؤسس المركز الاقليمي الاعلامي للعلوم والتكنولوجيا، تبوأت إيران المرتبة السادسة عشر عالمياً في الإنتاج العلمي في عامي 2017 و 2018 ، بإنتاج 50.253 و 53.831 مقالة علمية على التوالي، فيما نما عدد الأوراق البحثية والبيانات العلمية من عام 2017 إلى عام 2018 نحو 5 ٪ على مستوى العالم. (ايران عشرون ص 21 / نقلا عن البنك الدولي)
تعدّ ايران السابعة في العالم من حيث عدد الكتب المنشورة في السنة الواحدة، بمعدّل 65.000 عنوان (ايران عشرون ص 18/ الامم المتحدة تقرير 2015)، وحازت المرتبة 10 من حيث نسبة ميزانية التعليم، مقارنة لكل ميزانية دولة. ( ايران عشرون ص 19) وتحتل المركز الخامس، من حيث المتخرجين في مجالات (العلوم المعرفية/ التقنية/ الهندسة / الحساب) .
هذه القفزة العلمية الباهرة، مكنت ايران من تطوير صناعاتها المدنية والعسكرية، حققت لها اكتفاء أغناها عن طلب ما في حوزة الدول الكبرى، ومكن قواتها الامنية والعسكرية من حفظ حدودها واحلال الأمن في مدنها وقراها، وهذا المستوى الذي بلغته إيران يخيف اعداءها، ويدفعهم الى بذل مزيد من الجهود العدوانية، من أجل وقف تطوّرها بأي شكل، لما يتضمنه من قدرة على الدفاع عن نفسها أولا، وتحقيق مشروعها الكبير في تحرير فلسطين.