مع أن حوارات المصالحة الفلسطينية فقدت مصداقيتها كما فقدت الفصائل المعنية بالأمر مصداقيتها، ومع ان الغالبية الساحقة من الشعب والمحللين السياسيين غير متفائلين بنجاح المبادرة الجزائرية، وربما بعض الأحزاب والفصائل المتوجهة إلى الجزائر هيأت مسبقاً بيانات تبرير فشل الحوارات واتهاماتها للطرف الثاني بالمسؤولية عن الفشل، ومع إدراكنا بأن الحديث حتى الآن ما زال يدور حول مبادرة جزائرية للمصالحة ولم تبدأ حوارات أو لقاءات مباشرة بين الفصائل… إلا أن هذه المبادرة الجزائرية للمصالحة تختلف عن سابقاتها وسيكون لفشلها انعكاسات خطيرة على مجمل القضية الفلسطينية لدرجة يمكن معها القول إن عدم إجراء حوارات جديدة للمصالحة سيكون أقل ضررا من إجرائها ثم الإعلان عن فشلها.
نقول ذلك لأن الجزائر ليست كغيرها من الدول التي استضافت حوارات مصالحة ولأن وضع الشعب الفلسطيني الآن والمخاطر التي تتعرض لها قضيته الوطنية هو الأكثر خطورة في تاريخه، وفي هذا السياق نضيف الملاحظات التالية إلى ما كتبناه قبل ذلك حول نفس الموضوع:
1- المبادرة كانت من الرئيس الجزائري وليس من الأطراف الفلسطينية وهذا يعني أن هذه الجولة من الحوارات تعبير عن إرادة ورغبة جزائرية لتحقيق إنجاز في هذا الملف تمهيداً للقمة العربية التي ستستضيفها الجزائر، بالإضافة إلى اعتبارات لها علاقة بما يجري في المنطقة المغاربية، ولكن ليس من المؤكد حتى الآن وجود إرادة عند الأحزاب للخروج من مربع الانقسام وانجاز الوحدة الوطنية، والأحزاب تذهب للجزائر تجنباً للإحراج ولتسويق نفسها كحريصة على المصالحة ولكسب الوقت حتى يعزز كل طرف سلطته في مناطق نفوذه، ولو كانت الأحزاب جادة فمصر لم تغلق أبوابها أمامها، بل لكان من الممكن أن تتحقق المصالحة في رام الله أو غزة ولا داع لهذه الفضائح من الفشل في عواصم العالم.
2- ما يميز المبادرة الجزائرية لاستضافة حوارات المصالحة أن هناك تجربة مشتركة أو متشابهة حيث شهدت الجزائر استعمارا فرنسيا امتد 132 سنة ومقاومة شرسة تواصلت حتى الحصول على الاستقلال 1962، كما أن الحركة الوطنية الجزائرية قبل الاستقلال شهدت خلافات ما بين الوطنيين والإسلاميين والشيوعيين والليبراليين، بل كان داخلها فصائل تعاملت مع الفرنسيين وطالبوا بتسوية سياسية معهم بدلاً من الكفاح المسلح، ومع ذلك وحدوا جهودهم في مواجهة الاحتلال الفرنسي.
3- المبادرة ما زالت في مرحلة استكشاف مواقف مختلف الأحزاب الفلسطينية ولن يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي دعوة الفصائل للجلوس معا على طاولة الحوار إلا إذا تأكدت الجزائر بوجود أرضية مشتركة للتفاهم وإمكانية إحداث اختراق مهم في بعض الملفات.
4- تستطيع الجزائر بسبب ما سبق وبما لها من فضل على الفلسطينيين بشكل عام إحراج الأحزاب الفلسطينية ودفعها للتوقيع على تفاهمات على الورق كما حدث في مصر عامي 2011 و2007 وفي الدوحة 2012 واسطنبول 2021، وربما تفكيك وانجاز بعض ملفات المصالحة ، ولكن هناك ملفات أخرى تحتاج لدولة وسيطة مثل مصر لها علاقات مع إسرائيل والجهات الدولية الأساسية وخصوصاً اللجنة الرباعية.
5- ستكون المبادرة الجزائرية ناقصة إن اقتصرت الدعوة على الأحزاب، لأن هذه متمترسة حول مواقف مسبقة بل تراجعت عن القضايا التي سبق وأن اتفقت عليها كما أنها مقيدة بعلاقات وأجندة خارجية، وعدد المنتسبين لها فعليا لا يزيد الآن عن 35%، لذلك نتمنى على الإخوة في الجزائر دعوة ممثلي المجتمع المدني وشخصيات وطنية مستقلة، وإن لم يحدث ذلك فإن أي تفاهمات ستكون شكلية أو محاصصة بين نفس الأحزاب المأزومة.
6- إذا ما فشلت حوارات الجزائر فلن تغفر الدولة الجزائرية والشعب الجزائري للفلسطينيين ما سببوه لهم من إحراج، ولن تكون الجزائر قادرة على الدفاع عن القضية الفلسطينية في القمة العربية القادمة خصوصا في مواجهة الأنظمة المطبِعة، وقد تتجاوز ردة الفعل الغضب على الأحزاب إلى إعادة نظر في دعمهم ومساندتهم للفلسطينيين، وقد يشجع الفشل الأصوات النشاز في الجزائر التي تطالب بالتطبيع مع إسرائيل .
7- في حالة فشل هذه الجولة من حوارات المصالحة سيتعزز الانقسام أكثر ويتعزز حضور حركة حماس في المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي وتتزايد القناعة خارجياً بأن حركة حماس هي الجهة الرسمية التي تمثل قطاع غزة وهذا يعتبر انتصار لحركة حماس.
8- كل جولة مصالحة فاشلة ستزيد من تشويه صورة الشعب الفلسطيني ومن إحباطه كما تسيء لمكانة منظمة التحرير وقيادتها التي تمر بأسوأ الأوقات.
9- فشل هذه الجولة من الحوارات بالإضافة إلى أنه سيُفقِد حركتي حماس وفتح ما تبقى لهم من مصداقية فإنه يضعف جهود السلام الفلسطينية وسيجعل القيادة الفلسطينية ضعيفة في أية مفاوضات مع الإسرائيليين أو مؤتمر سلام قادم، كما أن استمرار الانقسام سيضعف من فاعلية مقاومة الاحتلال سواء كانت مقاومة سلمية أو مسلحة.
10- إن فشلت هذه الجولة من الحوارات لن تُقدِّم أية دولة عربية على استضافة جلسات مصالحة فلسطينية في المستقبل، ولكن قد يتم تدويل مشكلة الانقسام والخلافات الفلسطينية وتتدخل أطراف دولية، ليس لإنهاء الانقسام وتوحيد الفلسطينيين بل لتنظيم العلاقة بين كياني غزة والضفة وتنظيم توزيع المساعدات الدولية، وربما يتم استدعاء قوات أو مراقبين دوليين للمرابطة على حدود غزة.
11- هناك مفارقة غريبة وخطيرة، فبالرغم من التداعيات الخطيرة للانقسام على القضية الفلسطينية بشكل عام وعلى حياة غالبية الشعب المتضررة من الانقسام، إلا أن هناك غياب لأي حراك شعبي فاعل للمطالبة بإنهاء الانقسام والضغط على الأحزاب التي يتهمها الشعب نفسه بأنها مسؤولة عن الانقسام و منتفعة من استمراره!!!
12- مع إدراكنا لتعقد ملف المصالحة وتعدد أطرافه إلا أننا نأمل نجاح المبادرة الجزائرية ولو نسبيا، كما نأمل من الأخوة في الجزائر وفي حالة فشل الحوارات أن يعلنوا عن الجهة أو الجهات المعطِلة للمصالحة؟