الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الحكومة المغربية تقتل حتى الحلم بالوحدة المغاربية…بقلم محمد الرّصافي المقداد

طموح شعوب المغرب العربي كبير، فما يجمعها من عرق ودين وتاريخ، من شأنه أن يمهّد لها أسباب التمساك والقوة، ويفتح أمامها مجال بناء اتحاد مغرب عربي كبير، يستلزمه ويفرضه الظرف القاسي، الذي تعيشه شعوب شمال أفريقيا، من ضيق الآفاق في التقدّم، ومواكبة دول العالم في مسيرتها التنموية النّاجحة، خصوصا تلك التي حققت قفزاتها الإقتصادية الرّائعة، باستعمال أسلوب الشراكة والتعاون والوحدة، وأكبر مثال على ذلك الإتحاد الأوروبي، على اختلاف أعراقه ولغاته، تمكّن من تكوين قوة اقتصادية كبرى، سيطرت على نسبة كبيرة من السوق العالمية، في شتى المجالات الصناعية والعلمية.

لا شيء ينقصنا لنؤسس وحدة اقتصادية وائتلافا سياسيا، يكون نموذجا ومثالا لبقية الدول العربية والاسلامية لتنسج على منواله، ولكي لا يبقى كلام السّاسة ووعودهم في بناء هذه الوحدة مجرّد حبر على ورق علينا كشعوب أن نتحرّك من أجل تحقيق هذه الغاية، ودفع حكوماتنا إلى العمل الجادّ من أجلها، وليس العكس بتتبع الخلافات والظهور بمواقف سياسية شاذّة عن الحقّ والقانون الدّولي، محكومة بأنانيّة التوسّع والتسلّط.

مثال على ذلك الموقف الغريب والمستهجن الذي اتخذته المملكة المغربية من الحكومة التونسية، باستدعاء سفيرها بتونس للتشاور بعد أن تعلّلت خارجيته بقرار تونس استدعاء رئيس جمهورية الصحراء الديمقراطية إبراهيم غالي لحضور ندوة طوكيو الدولية للتنمية في افريقيا والتي تستضيفها تونس يومي 28و29 /8/2022، معتبرة اياه عملا خطيرا وغير مسبوق ويسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي (1).

ويبدو أن الجانب المغربي قد أحدث زوبعة سياسية في فنجان، وكل ما في الأمر أنه استاء من استقبال الرئيس قيس سعيد الرئيس الصحراوي الذي تتمسّك المغرب بتسميته قائد جبهة (بوليزاريو)، في تعبير بعدم اعترافه به كرئيس للصحراء الغربية، محل النزاع القائم إلى اليوم، فنسي أو تجاهل أنّ الإتحاد الإفريقي كان قام في مرحلة أولى، بصفته مشاركا رئيسيا في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكّرة، يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي، بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، للمشاركة في فعاليات قمة “تيكاد-8” بتونس.

ولا أعتقد أن الحكومة المغربية لا تعلم، أنّ رئيس المفوضية الإفريقية، قد وجّه في مرحلة ثانية، دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة، و أن هاتين الدعوتين – كما بينتهما الخارجية التونسية – تأتيان تنفيذا لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في اجتماعه المنعقد ب(لوزاكا) عاصمة (زمبيا) يومي 14 و15 يوليو 2022، بحضور الوفد المغربي، حيث أكد القرار الصادر حينها، على ضرورة دعوة كافة أعضاء الإتحاد الإفريقي، للمشاركة في القمة المزمع عقدها بتونس.

بيان الحكومة التونسية على لسان وزارة خارجيتها لخّص مواقف تونس في حيادها التام بشأن قضية الصحراء الغربية التزاما بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير، إلى أن تجد الأطراف المعنية حلا سلميا يرتضيه الجميع”. وأكدت في نفس الوقت، حرصها على المحافظة على “علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعي، ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم بلادنا، باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب، ويضر بالمصالح المغربية”.وشددت الخارجية التونسية على رفضها التدخل في شؤون تونس الداخلية، وأكدت “سيادة قرارها الوطني”، مضيفة أنه “على هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالا للتشاور”.(2)

من سوء التدبير السياسي أن توقع الحكومة المغربية نفسها في ورطة مثل هذه، وكان عليها أن تتجنب الوقوع فيها، وهي مطّلعة تماما على كافة إجراءات الإستعداد لإقامة مؤتمر “تيكاد8 “، بما فيها الدعوة الرسمية الموجّهة من الاتحاد الإفريقي، الى كافة اعضائه المشاركين في القمّة بتونس، ومن بينهم جمهورية الصحراء الغربية، وعليه فإنّه من باب أولى أن ينتبه المغرب إلى مدينتي سبتة ومليلة، لاستعادتهما من اسبانيا هما مدينتان مغربيتان، عوض الجري المحموم وراء ضمّ الصحراء الغربية إليه، رغما عن أنوف أهلها المقاومين للاحتلال المغربي بعد أن غادرتها القوات الاسبانية.

جدير بالذكر: تقع مدينة (سبتة) على الساحل المغربي عند مدخل البحر المتوسط على مضيق جبل طارق، وتبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا، وتعدادها حاليا 77 ألف نسمة. بعد استقلال المغرب عن إسبانيا وفرنسا عام 1956 احتفظت إسبانيا بسبتة، التي أصبحت إقليما يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1995 تقع (مليلية) في شرق المغرب، قرب الحدود الجزائرية، قبالة الساحل الجنوبي لإسبانيا. وتزيد مساحتها على 12 كيلومترا مربعا، وتعدادها حاليا 70 ألف نسمة. وكانت في الأصل قلعة بُنيت على تلة مرتفعة، وتبعد 500 كيلومتر عن السواحل الإسبانية، ولذلك فهي أكثر تأثرا بالثقافة المغربية، وعدد المغاربة الذين يعيشون فيها أكثر من أولئك الذين يعيشون في سبتة. ظلت (مليلية) جزءا من إقليم ملقة الإسباني حتى 14 مارس/آذار عام 1995، عندما أصبحت إقليما يتمتع بالحكم الذاتي، يصل معدل البطالة بين المغاربة في المدينتين إلى أكثر من 30 في المئة، وهو من أعلى معدلات البطالة في إسبانيا. كما تجذب المدينتان الآلاف من التجار والعمالة اليدوية من الأراضي المغربية الذين يعبرون الحدود يوميا من المغرب لكسب رزقهم في هذين الجيبين.(3)

ويبدو من خلال سيرة المغرب الأقصى الشقيق أن سياساته خارجة عن إطار المودة والتعاون، والعمل على تحقيق رغبة شعوب المنطقة في الوحدة، فقد انفرد بمواقف برهنت على إصرار كبير، في الخروج على إطار التفاهم وإتفاق الكلمة، من القضايا المصيرية في التحرّر، وفي مقدّمتها قضية الصحراء الغربية التي غادرتها القوات الإسبانية سنة 1975 لتستوي عليها المغرب وموريتانيا باتفاق مع اسبانيا لكن جبهة تحرير (البوليزاريو) كان لها موقف آخر حيث قاومت الاحتلال الجديد لتنسحب منه موريتانيا مرغمة تحت تهديد مقاومة الشعب الصحراوي، وقد أقرّت الأمم المتحدة باستقلالها وكذلك الاتحاد الافريقي، وقد تسبب موقف الشقيقة الجزائر في خلق حالة من العداء بينهما، وموقف الجزائر لم يكن مبنيا إلا على قرائن دولية لم تستجب للمغرب في ضمه للصحراء الغربية (266 الف كلم2) عدد سكانها بحدود (500 ألف نسمة)(4).

وفيما تتضاءل حظوظ ضمّ المغرب للصحراء الغربية سلكت السياسة المغربية اسلوبا غادرا لالتزامها المبدئي بشأن للقضية الفلسطينية، فقد أقدمت على التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني ، طمعا في وقوف أمريكا والكيان الى جانبها ليكونا ورقتين رابحتين من وجهة نظرها السّيئة فيكون رئيس لجنة القدس قد فرّط بموقفه المخزي بالقدس وفلسطين برمّتها، فإلى أين ستنتهي وجهة المغرب بسياساته الغير واقعية؟

المصادر

1 – المغرب يستدعي سفيره في تونس للتشاور بشأن الصحراء الغربية

https://www.swissinfo.ch/ara/47856424

2 – تونس ترد على بيان المغرب وتستدعي سفيرها من الرباط

https://arabic.rt.com/middle_east/1385082-

3 – سبتة ومليلية: قصة آخر جيبين “اسبانيين” في شمال أفريقيا
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-39059107

4 – الصحراء الغربية

https://ar.wikipedia.org/wiki/

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024