لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو العسكرية، فقد وفّت بوعودها فيما ألزمت به سياستها الداخلية والخارجية على حدّ سواء، فقد وفّت عندما هددت بالرد على أمريكا، باغتيالها الشهيد قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وهو ضيف للعراق في زيارة رسمية، مع الشهيد أبو مهدي المهندس ولفيف من رفاقهما، وقامت بالرد على اغتيال الصهاينة لمجموعة من خبرائها، وهم بصدد الإجتماع بقنصليتها بدمشق، يبدو أن عربدة الكيان الصهيوني لم تتوقف، فاستغلت تواجد القائد الحمساوي إسماعيل هنية بطهران، لتقوم باغتياله، وكان بإمكان الصهاينة القيام بذلك، في تركيا أو في قطر أو حتى في مصر، لكن اغتياله هناك لا يعني شيئا خططوا له، بخلاف أن يغتال الرجل في طهران، فتتّهم إيران بالتقصير في حمايته، وقد تترتّب على ذلك أزمة ثقة تنشأ بين حماس وإيران، يحصل بسببها فتور في العلاقات القويّة بين الحركة والنظام الإسلامي الإيراني.
ولئن نجح المجرمون في تنفيذ عميلة الإغتيال، فإنّ النتيجة التي كانوا يتوقعونها من تلك الجريمة، لم تكن لتخطر على بال الصهاينة، فقد تفهّمت القيادة الفلسطينية حقيقة ما وقع واهداف الأعداء من وراء ذلك، فيما وعدت إيران بالرّد على تلك الجريمة، وحبس العالم بأسره أنفاسه في انتظار الردّ القادم من إيران، حتى أن وزير الخارجية الأردني (أيمن الصفدي) هرع إلى طهران محملا برسالة من ملكه عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (1).
تحرك الأردن أتى في سياق الازمة القائمة، ولا أعتقد أنّه في صالح إيران، ولا هو في صالح الفلسطينيين أيضا، فهمّ الأردن الذي يعيش منذ أن قامت مملكته، على قسم من الأراضي الفلسطينية، تحت سقف المساعدات الأمريكية والغربية الخليجية، وهو بالتالي لا يقدر على أن يكون له موقف، معبّرا عن سياسة المملكة الأردنية، وهي التي لا تخلو عادة من تبعية للغرب، مستقلا بها عن تأثير الدول المانحة، ونعرف بالتأكيد – وهو مثبت بالأقمار الصناعية – أن في الأردن قاعدة جوّية أمريكية، أنشأت خصيصا لحماية الكيان الصهيوني، اعترفت بوجودها القيادة المركزية الأمريكية، إثر هجوم عليها بطائرة مسيّرة، وهي قاعدة جوية برج 22، موقعها شمال شرقي الأردن، واسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وإصابة 34 آخرين.(2)
هذا بالنسبة للأردن، الذي يرى مراقبون أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية، ستجتاز سماءه في طريقها إلى مواقع الكيان الصهيوني، على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهل كان التماسا من ملكه المعبّر دوما على رغبات مشغّليه، وهو أوّلا وأخيرا لم تتغير سياسته مع سياسة ابيه، ابنٌ بارّ بهم غربا أمريكيا أو بريطانيا أو أوروبيا أو حتى صهيونيا فإنّ عطفه وزوجته على المستوطنين الصهاينة المجرمين بدا واضحا لا يحتاج إلى دليل أو إثبات، فقد عبرت الملكة رانيا عقيلة ملك الاردن عبدالله الثاني، عن جهودها اليومية للتعاطف مع الأمهات الإسرائيليات، اللاتي لديهن أطفال اسرى في غزة، مشيرة الى ألمهنّ بقولها: أتحدى نفسي كل يوم لأضع نفسي في مكان أم إسرائيلية. وقالت الملكة الأردنية “نحتاج إلى عودة الرهائن إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن. (3)
أما الدول الأخرى التي التمست من إيران عدم الردّ على عميلة الإغتيال الجبانة – فهي بالتأكيد لا تريد مصلحة ايران – وتعمل على التأثير عليها باي أسلوب كان، ففي مقدمتهم أمريكا التي تدرك جيّدا ماذا يعني الردّ العسكري الإيراني، ومن وراءِ أمريكا دول الغرب، التي قامت بإتصالاتها وأجرت مكالماتها، موسّطة كالعادة حكومة قطر وسلطنة عُمان، وسيلتي الاتصال الغربي إلى إيران، وما تحشيد أمريكا ودول الغرب لأساطيلهم البحرية، قبالة السواحل الفلسطينية اللبنانية، سوى دلالة واضحة على حمل الوعد الإيراني بالرّدّ على عملية الاغتيال، ووجود هؤلاء لحماية الكيان الصهيوني من عاقبة سيئة تنتظره.
إيران ستردّ على الكيان الصهيوني وفي عمقه بالتأكيد – ما في ذلك شك- وهذا ما عوّدتنا به منذ أن بدأت في سياسة الرّدّ، على استهتار وعربدة الكيان الغاصب، ولن تدّخر جهدا وإمكانية لديها، من أجل تحقيق ردّ، من شأنه أن يُعَرّف الكيان ومن يقف وراءه من دول الغرب، أن زمن العربدة والإستهتار انتهى، ولم يعد يفيد الصهاينة ولا الغربيين أنفسهم داعمي هذا الكيان المعتدي، وفي نظري، فإنّ الردّ قد بدأ، منذ أن بدأ الكيان الصهيوني يعيش حالة طوارئ وعدم استقرار، بعدما تعطلت أغلب مصالحه، وانقطع المستوطنون عن ممارسة حياتهم الطبيعية، مثلما كانوا يعيشونها من قبل في دعة واستقرار.
النتيجة الحاصلة، أنّ الكيان يعيش هذه الأسابيع، أسوا أيام وجوده على أرض فلسطين، مرافقه الاقتصادية مشلولة فضلا عن كون موانئه معطلة، فقليلة السفن التجارية التي تتمكن من الدخول اليها، ومعامله خصوصا الكيماوية بحيفا شبه معطلة، خوفا من هجوم متوقع عليها، فهي هدف ليس في المقام الأول بقدر ما هو خيار سيكون له أولوية ردّ في صورة تطور الحرب واتساعها في المنطقة، بعدها لن يكون هناك خط أحمر يُراعى من طرف محور المقاومة، فالعقوبة تكون بنفس الأسلوب المتبع من طرف الكيان الصهيوني.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث، وقد بلغ مشروع مقاومة الكيان الصهيوني اشدّه في قوّة التحدي والمواجهة، وأنصاره اليوم يتطلعون إلى تحقيق انتصار باهر يضع الكيان موضعه في معادلة ميزان القوّة التي كانت راجحة في كفّته، واليوم أصبحت يخفّ ثقلها، لتتحول إلى جانب محور المقاومة المبارك، صاحب قضية تحرير فلسطين، وقد بلغ من الشدّة والقوّة والبأس مبلغا يؤهله في أن يكون أقرب من أيّ وقت مضى على تحقيق النصر الكبير والمؤزر على عدّو صهيوني وقع إنشاؤه على أرض فلسطين ليكون عقبة كؤودا في وجه كل ما من شأنه أن يستنهض أمّة الإسلام العزيز.
أما أولئك الذين أظهروا وجوها بغيضة لإيران، وفي قرارة انفسهم يتمنون لها الهزيمة والاندثار، فليحلموا طويلا، ويلينتكسوا كثيرا وليكن حزنهم طويلا إلى جانب أعداء ايران ومحور المقاومة الذي لا تزال تقف وراءه بكل قواها، وتقدم شهداءا أبرارا من أجل انجاحه، ومن كان على حق وموقف نبيل يرضاه الله فلن يضره تخرّس الامّعات المنافقين، هذا زمن سيلفظ نواتهم ويسفّه أحلامهم.
المراجع
1 – وزير خارجية الأردن ينقل رسالة من الملك عبد الله على الرئيس الإيراني
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/08/04/jordans-foreign-minister-traveling-to-tehran
2 – صور بالأقمار الصناعية تؤكد وجود القاعدة العسكرية الأمريكية المستهدفة داخل الأردن
https://www.bbc.com/arabic/articles/c131n32jz4do
3 –
https://www.youtube.com/watch?v=93Jkuxmp8jk